اقتراب مصر من الأزمة الاقتصادية الحادة ليس هواجس أفكار، ولكنه نتيجة حتمية لسياسات اقتصادية خاطئة، أرغمت البنك المركزي إلى تخفيف قبضته على الجنيه تدريجيًا من أجل إعادة صفقة صندوق النقد الدولي إلى المسار الصحيح.

وحتمية هذا الأمر معروفة؛ إذ سيبقى التضخم مرتفعًا ويدفع إلى مزيد من رفع أسعار الفائدة، وإلى جانب السياسة المالية المتشددة، سيؤثر على النمو على المدى القريب. لكن عدم القيام بذلك من شأنه أن يدفع مصر في نهاية المطاف نحو أزمة ميزان مدفوعات، وفقًا لما ذكرته "كابيتال إيكونوميكس" في تقرير حديث.

يأتي ذلك، فيما تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول. وتشير بيانات النشاط للربع الثاني وأوائل الربع الثالث إلى مزيد من الضعف. ويعكس النشاط البطيء التأثير على المدى القريب الناجم عن التخفيضات السابقة لقيمة الجنيه، وارتفاع التضخم، وتشديد السياسة النقدية.

ووافق صندوق النقد في ديسمبر على قرض قيمته ثلاثة مليارات دولار في إطار "تسهيل الصندوق الممدد" لمصر التي تتعرض لضغوط مالية قوية منذ انكشاف مشكلات طويلة الأمد بسبب التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا.

ويخضع تقديم الدفعات ضمن البرنامج الذي تبلغ مدته 46 شهرًا لثماني مراجعات. وكان من المقرر إجراء المراجعة الأولى في مارس الماضي، لكنها لم تجر وسط تقارير تفيد بعدم رضا الصندوق عن التقدم الذي أحرزته مصر في الوفاء بشروط الاتفاق.

الجنيه إلى أين؟

تتوقع كابيتال إيكونوميكس أن الجنيه سينخفض إلى 35 للدولار بحلول نهاية عام 2023، مسجلًا انخفاضًا بنسبة 12% عن معدله الحالي البالغ 30.95 للدولار.

وأوضح التقرير أنه في حين أن خفض قيمة العملة قد لا يؤدي بالضرورة إلى زيادة التضخم، إلا أنه سيحافظ على بيئة تضخم مرتفعة.

أدى الارتفاع المفاجئ بمقدار 100 نقطة أساس في الاجتماع قبل الماضي للبنك المركزي، ورفع المعدلات إلى 19.25%، إلى مفاجأة غالبية المحللين، بما في ذلك كابيتال إيكونوميكس، حيث توقع الإجماع أن تظل المعدلات دون تغيير للاجتماع الثالث على التوالي.

في 3 من أغسطس الماضي، صوتت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي على رفع أسعار الفائدة بنسبة 1٪. وأدى ذلك إلى زيادة 100 نقطة أساس في معدلات الإيداع والإقراض بين عشية وضحاها، مما جعلها 19.25%، و20.25%، و19.75% على التوالي. بالإضافة إلى ذلك، شهدت معدلات الائتمان والخصم ارتفاعًا بمقدار 100 نقطة أساس لتصل إلى 19.75%.

تشير كابيتال إيكونوميكس إلى أن قرار البنك المركزي كان مدعومًا بالضرورة الملحة للحد من التضخم، مما أظهر تركيز المسؤولين المتزايد على مكافحة ارتفاع التضخم. كان رد فعل السوق إيجابيًا على هذه الخطوة، حيث تم تشديد فروق السندات بالدولار بنحو 30 نقطة أساس منذ الإعلان.

ميزان المدفوعات المصري

استعادة ثقة المستثمرين وصندوق النقد

يسلط التقرير الضوء على الحاجة المستمرة للبنك المركزي لاتخاذ المزيد من الإجراءات لإخضاع التضخم واستعادة ثقة كل من المستثمرين وصندوق النقد الدولي (IMF).

وأشار التقرير، الذي صدر أمس الاثنين، إلى التقدم الذي أحرزته مصر في بعض الجوانب الأساسية لاتفاقية صندوق النقد الدولي، بما في ذلك الحفاظ على سياستها المالية المتشددة، وتحقيق فائض أولي في الميزانية بنسبة 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي للعام المالي 2022/2023. وقد حددت الحكومة هدفًا لزيادة هذا الفائض. ومع ذلك، لا يزال هناك حاجة ماسة إلى سياستها المالية المشددة لتقليل الدين العام الذي ارتفع إلى ما يقرب من 100% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2022/2023.

ويجادل التقرير بأن "الاختبار الرئيس هو ما سيحدث للجنيه. مع تصاعد الضغط الناجم عن نقص العملات الأجنبية، سيحتاج المسؤولون إلى التحرك قريبًا لخفض قيمة العملة واعتماد سعر صرف أكثر مرونة. سيؤدي ذلك إلى إبقاء التضخم مرتفعًا ونعتقد أن البنك المركزي سيحتاج إلى زيادة أسعار الفائدة. بيد أن عدم اتخاذ هذا القرار من شأنه أن يترك مصر في خطر أزمة فوضوية في ميزان المدفوعات وتخلف سيادي عن السداد".

وحذر التقرير من أنه في حال عدم استعداد دول الخليج لتقديم الدعم، قد يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة في ميزان المدفوعات وتفاقم الديون السيادية.

 

الفائدة والتضخم

تتوقع كابيتال إيكونوميكس زيادة إضافية بمقدار 200 نقطة أساس، لتصل إلى 21.25%، في أسعار الفائدة بحلول نهاية العام.

أما بالنسبة للتضخم، فقد كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في وقت سابق من أغسطس أن معدل التضخم السنوي ارتفع إلى 38.2٪ في يوليو 2023، مسجلًا ارتفاعًا كبيرًا من 14.6٪ في يوليو 2022.

علاوة على ذلك، أفاد البنك المركزي أن معدل التضخم الأساسي في مصر، الذي يلغي بعض الفئات المتقلبة، بلغ 40.7% في يوليو 2023، بانخفاض طفيف عن 41% في يونيو 2023.

وتعهدت مصر باعتماد سعر صرف مرن عندما توصلت إلى اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولي أواخر العام الماضي، لكن السعر الرسمي ظل دون تغيير تقريبًا منذ حوالي ستة أشهر عند نحو 30.93 جنيه للدولار. ويجري تداول الجنيه عند حول مستوى الـ 40 جنيه للدولار الواحد في السوق السوداء.