دفعت موجات الغلاء المتتالية قائد الانقلاب إلى إصدار وعد جديد بزيادة العلاوات الاجتماعية والمعاشات، للعاملين بالدولة والقطاع العام، وأصحاب المعاشات، في محاولة لإطفاء نار الغضب الشعبي، قبيل أيام من فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية.

وتلقي هذه الوعود - التي ستكلف ميزانية الدولة، 60 مليار جنيه، أي نحو 1.93 مليار دولار وفق تقديرات وزير المالية محمد معيط - بظلالها على الأسواق التي تستجيب تلقائيًا لتحركات الأسعار وفق قواعد العرض والطلب، التي لم تعد تتحكم فيها كمية السلع وحجم الطلب عليها من المستهلكين، وفقًا للقواعد الدولية المنظمة لحركة الأسواق، ولكن يراها محللون خاضعة لسعر التكلفة والندرة، التي أصبحت تحرك اقتصاد دولة، يتحكم في مفاصلها سعر الدولار، وحركة الواردات من الخارج، وتكلفة الفرصة البديلة، التي يمكن أن يجنيها حملة الدولار، وأصحاب رؤوس الأموال.

كشفت تصريحات السيسي عن وعود بزيادة علاوة غلاء معيشة استثنائية من 300 جنيه إلى 600 جنيه، للعاملين بالدولة والهيئات الحكومية والقطاع العام، وزيادة الحد الأدنى بالدرجة السادسة، وهي أقل الوظائف الرسمية من 3500 جنيه إلى 4 آلاف جنيه، مع رفع حد الإعفاء الضريبي من 36 ألفًا إلى 45 ألف جنيه، بنسبة 25%، ومضاعفة منحة 11 مليون شخص من أصحاب المعاشات من 300 إلى 600 جنيه، وبالقيمة ذاتها لأعضاء نقابة الصحافيين، وإعفاء المزارعين المتأخرين عن سداد مستحقات البنك الزراعي، من غرامات تأخير الأقساط المقررة.

 

الحد الأدنى المطلوب للإنفاق على المعيشة

"هناك فارق كبير بين الحد الأدنى للأجور والحد الأدنى المطلوب للإنفاق على المعيشة اليومية"، هكذا بدأ أحمد حسن، وهو عامل بناء في القطاع الخاص، حديثه وهو يجتر آلامه ومعاناته كل يوم في توفير ما يحتاجه من متطلبات المعيشة لنفسه ولأسرته.

وقال أحمد حسن إن "الحكومة دائمًا ما تدعم موظفيها الحاليين أو موظفيها السابقين (أصحاب المعاشات) مع كل طوفان غلاء، بينما نحن عمال القطاع الخاص لا مهرب ولا واق لنا من نيران الغلاء"، وفقًا لـ"إندبندنت عربية".

وأوضح عامل البناء "أعمل بنظام اليومية وهي بالطبع غير منتظمة، إذ أعمل يومين أو ثلاثة على الأكثر بينما بقية أيام الأسبوع متعطل من العمل وتصل قيمة اليومية إلى نحو 300 جنيه، مضيفًا "هذا هو إجمالي الدخل الذي قد يصل إلى 4500 جنيه شهريًا في حال عملي ثلاثة أيام كل أسبوع".

أما عن مستوى الإنفاق فقال عامل البناء "لدي أربعة من الأبناء أولهم في مرحلة الحضانة يصل حجم الإنفاق الشهري عليه ذهابًا وعودة ومأكلًا ومشربًا وأدوات مدرسية إلى نحو 1000 جنيه، بينما الثاني في السنة الثالثة من المرحلة الإعدادية تصل نفقاته الشهرية إلى ما لا يقل عن 1500 جنيه، في حين الولد الثالث في السنة النهائية من المرحلة الثانوية الفنية وتصل مصروفاته الشهرية إلى 1000 جنيه على رغم أنه يعمل بجانب الدراسة، بينما الولد الأخير يتكفل بمصروفاته، إذ أنه تخرج في الجامعة العام الماضي"، مضيفًا "3500 جنيه فحسب مصروفات الأولاد الدراسية بعيدًا من نفقات المأكل والمشرب وكلفة الإيجار والمرافق من غاز وكهرباء ومياه".

 

وجبة الغذاء تخطت الـ600 جنيه

وأشار حسن إلى أن "وجبة غداء أو عشاء في حال تضمنت لحومًا أو دواجن تصل إلى 600 جنيه، إذ إن كيلو اللحوم تخطى 300 جنيه، وأسعار الخضراوات وصلت إلى مستويات قياسية، فإن كيلو الطماطم أحد الخضراوات الأساسية في إعداد الوجبات وصل إلى 20 جنيهًا، والبصل وصل إلى 30 جنيهًا، وهما عنصران أساسيان لا يمكن الاستغناء عنهما، وبعيدًا من اللحوم والدواجن فإن قيمة وجبة الإفطار التي تتضمن فولًا وخبزًا للعائلة تصل إلى 30 جنيهًا يوميًا.

وأشار حسن إلى أن "هذا هو مستوى دخلي الشهري الذي يقل عن نفقات أسرتي الشهرية من دون احتساب الملبس والأدوية في حال مرض أحد أفراد الأسر"، متسائلًا "حتى لو كنت أعمل موظفًا عامًا فهل يكفيني أجر بقيمة 4 آلاف جنيه (129.45 دولار) شهريًا لتلبية احتياجات أسرتي المكونة من ستة أفراد؟"، مختتمًا حديثه قائلًا "المعيشة أصبحت صعبة في ظل هذا الغلاء المستوحش".

 

استعادة شعبية تتهاوى

يصف سياسيون واقتصاديون الوعود الرئاسية بأنها تستهدف استعادة شعبية تتهاوى أمام موجات غلاء متتالية وأزمة اقتصادية طاحنة، فجّرت موجات غضب شعبية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي أحاديث المصريين اليومية، يخشى النظام أن تدفع إلى عدم الاستقرار الاجتماعي في مرحلة الانتخابات.

تعد الزيادة بالأجور والمعاشات الثانية من نوعها في أقل من 6 أشهر، والثالثة خلال عام، منذ يوليو 2022، والذي شهد تراجعًا أكثر من 50% من قيمة الجنيه أمام الدولار. ويشير سياسيون إلى أن الزيادات المتوقعة، لا يمكن إقرارها قبل عودة البرلمان للانعقاد، في نوفمبر المقبل، إذ تحتاج إلى تعديل بالموازنة الحالية، من أجل تدبير 30 مليار جنيه، إضافية لدعم العلاوات الحكومية، بالإضافة على تعديل قوانين المعاشات، وفقًا لـ"العربي الجديد".

ولفتت مصادر برلمانية إلى أن علاج أزمات الغلاء لا يحتاج أن يتحول البرلمان إلى جهاز إطفاء لنيران الأسعار، التي تشهدها الأسواق، وإنما بمنح النواب فرصة حقيقية لإدارة موارد المالية العامة التي أصبحت تدار بعيدًا عن عيون الناس والنواب، لخدمة مشروعات غير منتجة، وسداد قروض تقررها الرئاسة والأجهزة الأمنية والسيادية، بما يخالف الأسس التاريخية التي أنشئت من أجلها النظم البرلمانية في العالم.

ويبدي مراقبون مخاوفهم من توجه حكومة الانقلاب إلى فرض مزيد من الضرائب، لتمويل الزيادات الرئاسية المرتقبة، وتعويض العجز في إيرادات الدولة.

وشكل وزير التموين، على مصيلحي، لجانًا فنية وأمنية للتفتيش والرقابة على الأسواق، للتأكد من جودة ومواصفات السلع المعروضة والخبز والدقيق، وصلاحيتها للاستهلاك الآدمي، مع تهديده بإغلاق المنشآت المخالفة، بخاصة المتعلقة بالجودة. وأشار الوزير في بيان صحافي إلى زيادة الدعم المدرج بالموازنة الحالية، 2022/2023، للسلع التموينية من 91 مليار جنيه إلى 127 مليار جنيه.

ومن جانبه، أعرب وكيل مجلس النواب، أحمد سعد الدين، في تصريحات صحافية عن خشيته من استغلال "التجار الجشعين" الوعود الرئاسية بالتخفيف عن المواطنين، ورفع الأسعار في وقت يئن فيه المواطنون من ارتفاع غلاء المعيشة.

وفي المقابل، يستبعد عضو شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية، حازم المنوفي، مسئولية التجار عن ارتفاع السلع الغذائية خلال الأيام الماضية، محملًا الشركات والمنتجين مسؤولية الزيادة في الأسعار، بغرض تحقيق المكاسب بطريقة مبالغ بها، توافقت مع ارتفاع الأسعار عالميًا، وتكلفة الفرصة البديلة.

ويشير المنوفي إلى رفض المنتجين استبدال السلع التالفة، والمرتجعات من التجار والموزعين، بما يرفع من أخطار عمليات التوزيع، ويزيد قيمة تكاليف السلع، والتي ترحل في نهاية الأمر على المستهلك.

وتصل قوة العمل في مصر إلى نحو 30 مليون عامل وموظف، يعمل نحو 17% منهم لدى القطاع الحكومي والعام بنحو 5 ملايين موظف وعامل، بينما يعمل البقية الذين يصل عددهم إلى 25 مليون عامل في القطاع الخاص بنسبة 83%، بينما يصل عدد أصحاب المعاشات في مصر إلى نحو 10 ملايين مواطن.