تشهد مصر التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين يعيش ثلثهم تحت خطّ الفقر، أزمة اقتصادية خانقة تسببت في "مشكلات ديون"، قد تصل إلى التخلف عن سداد المستحقات الخارجية.

ويعاني الاقتصاد المصري من تداعيات سنوات من الأزمات والهزات الأمنية، تلتها جائحة كوفيد وتأثيرات الحرب الأوكرانية، إذ إن روسيا وأوكرانيا هما البلدان الأساسيان اللذان كانت مصر تستورد منهما القمح، كما أنهما كانا مصدران أساسيان للسياح الذين يزورون بلاد النيل.

وقفزت الأسعار بشكل هائل في خضم أزمة في العملة الصعبة تسببت في خفض قيمة العملة ثلاث مرات بنحو 50% منذ مارس 2022، ويرى الكثير من المصريين أن ظروفهم المعيشية تدهورت.

ولذلك يشير الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، إلى أن مصر "مثقلة بالديون الداخلية والخارجية"، لكن الأزمة تتعلق بالتزاماتها للخارج.

وهناك ديون خارجية على مصر تقدر بـ165 مليار دولار، وهي مطالبة خلال شهر سبتمبر بسداد 240 مليون دولار لصندوق النقد الدولي، ولديها التزامات تجاه الصندوق "أقساط وفوائد" تقارب مليار و450 مليون دولار، ويجب سدادها خلال 3 أشهر، وفق الخبير الاقتصادي.

ولدى أكبر اقتصاد في شمال إفريقيا نحو 100 مليار دولار من الديون بالعملة الصعبة، معظمها مقوم بالدولار، والتي يتعين على مصر سدادها على مدى السنوات الخمس المقبلة، منها سندات ضخمة بقيمة 3.3 مليار دولار العام المقبل.

وتنفق حكومة الانقلاب أكثر من 40% من إيراداتها على مدفوعات فوائد الديون فقط، وفق وكالة "رويترز".

وفي مواجهة هذه المشكلة فإما أن الحكومة لديها "رؤية لا تريد الإفصاح عنها أو مشاركتها مع المواطنين أو المؤسسات الدولية"، أو "لا توجد رؤية" لديها وتنتظر مثلها مثل باقي المصريين "اشتداد الأزمة ثم انفراجها لاحقًا"، حسب الخبير الاقتصادي.

 

رقم مرعب

وكشفت بيانات من موقع إحصائي دولي متخصص في بيانات السوق، توقعات "مرعبة" لحجم الدين القومي لمصر على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وأوضحت شركة "Statista" الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، في شهر أغسطس الماضي، أنه من المتوقع أن يكون الدين العام لمصر 510.32 مليارات دولار في عام 2028، مقارنة بـ 132.86 مليار دولار في عام 2018، بزيادة أكثر من 284% على مدى العشر سنوات المقبلة.

وتابعت أن إجمالي الدين الحكومي العام يتكون من جميع الالتزامات التي تتطلب السداد أو مدفوعات الفائدة أو سداد أصل الدين من المدين إلى الدائن في تاريخ أو تواريخ في المستقبل، وفقًا لما نقله موقع "ميدل إيست مونيتور.

وسابقًا توقع وزير المالية أن يصل معدل الدين إلى 95.6% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي 2022-2023؛ بسبب تقلبات سعر الصرف وانهيار قيمة الجنيه أمام الدولار.

حيث قال الوزير، إن "انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار أدى إلى ارتفاع قيمة الدين الحكومي بمقدار 1.3 تريليون جنيه بنسبة 13.1% من الناتج المحلي الإجمالي".

ويشكل الارتفاع المطرد في الدين العام (الداخلي والخارجي) في مصر مصدر قلق كبير للنظام، ويضع ضغوطًا سالبة على مؤشرات أداء الاقتصاد الذي يعاني من تراكم الديون وصعوبة الاقتراض في الوقت نفسه، وسط مؤشرات على استمرار الأزمة.

بدورهم، وصف اقتصاديون تقرير موقع "Statista" لحجم الدين القومي المصري خلال السنوات الخمس المقبلة بـ "المرعبة"، وأكدوا أن هذه أرقام "فلكية قد لا تستطيع الحكومة المصرية دفعها".

وقال التقرير إن مصر شرعت في مشاريع باهظة التكلفة منذ عام 2015 لا تحقق عوائد مالية كبيرة مماثلة.

وتشمل هذه المشاريع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، شرق القاهرة، بتكلفة 58 مليار دولار، ومحطة للطاقة النووية على ساحل البحر الأبيض المتوسط بتكلفة 25 مليار دولار؛ وإنشاء شبكة سكك حديدية عالية السرعة يبلغ طولها 2000 كيلومتر بتكلفة 23 مليار دولار؛ واستيراد أسلحة بمليارات الدولارات جعل مصر ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم.

تم الإبلاغ عن هذه الأرقام من قبل "رويترز"، وأكدتها بيانات من "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام".

 

هل توجد حلول؟

منذ عام 2017، حصلت مصر على أربعة قروض من صندوق النقد الدولي لمواجهة النقص في الدولار ودعم الموازنة، لكن ما زالت مؤشرات التعافي من الأزمة الاقتصادية سلبية.

وخلال عام واحد خسرت مصر 20% من احتياطات النقد الأجنبي التي تراجعت إلى 34.45 مليار دولار خلال عام 2023.

ويشمل احتياطي النقد الأجنبي لمصر 28 مليار دولار من ودائع دول الخليج الحليفة لمصر لدى البنك المركزي.

ويؤكد عبدالمطلب أن تحتاج مصر لسداد أقساط وفوائد مستحقة تجاه صندوق النقد الدولي، ويمكنها الوصول لـ"تسويات" فيما يتعلق بمستحقات "دول الخليج" وذلك بتأجيل السداد أو الحصول على "مساعدات غير منظورة".

ومصر "غير معرضة لمخاطر التخلف عن سداد ديونها الخارجية"، لكون ذلك "لم يحدث سابقًا في تاريخها، ولن تسمح الحكومة بحدوثه نظرًا لتداعياته السلبية على البلاد"، وفق الخبير الاقتصادي.