تمكن لاعب منتخب المصارعة الحرة، سيف شكري، من الهروب من معسكر المنتخب الذي أقيم مؤخرا في قيرغيزستان استعدادًا لبطولة العالم تحت 23 سنة، وذلك أثناء وجوده بمطار دبي، ترانزيت، أمس الخميس، خلال رحلة العودة إلى القاهرة، ليكرر قصة هروب اللاعبين، وليضيف فضيحة جديدة لاتحاد المصارعة.

ويأتي هروب سيف، بعد ما ظهرت أزمة مصروف الجيب والطوارئ الخاص ببعثة المصارعة المشاركة بمعسكر الإعداد الدولي، والذي يقام بدولة المجر، استعدادًا لخوض منافسات بطولة العالم في صربيا الشهر المقبل، والمؤهلة مباشرة للمشاركة في أولمبياد باريس 2024، حيث لم يحصل لاعب المصارعة على أية بدلات بسبب صعوبة توفير النقد الأجنبي من قبل الاتحاد.

والجمعة، نشر سيف شكري منشورًا عبر صفحته بموقع "فيسبوك"، يظهر خلالها أنه موجود في وارسو عاصمة بولندا، وقال" أنا آسف جدًا لأحبابي وأصدقائي مش عارف أرد على حد.. أنا بخير متقلقوش عليا وإن شاء الله أطمنكو عليا قريب".

وهروب اللاعبين أصبحت أزمة متكررة في المصارعة، حيث شهدت الفترة الماضية أزمات ومشاكل عديدة داخل اتحاد المصارعة أبرزها هروب لاعب المنتخب أحمد فؤاد بغدودة أثناء مشاركته ببطولة أفريقيا المقامة في تونس، مايو 2023.

وفي أغسطس 2022، هرب لاعب منتخب المصارعة تحت 17 سنة، محمد عصام فتحي، أثناء مشاركته في معسكر الاتحاد الدولي للمصارعة المقام بإيطاليا، حسبما ذكرت وقتها وسائل إعلام محلية.

 

لماذا يهرب لاعبو المنتخبات؟

تكشف الناقدة الرياضية، دينا نبيل، عن عدة أسباب ومشكلات وراء "تكرار هروب لاعبي المصارعة"، فتقول إن رواتب اللاعبين الشهرية "زهيدة" وتتراوح بين 1500 إلى 2000 جنيه، والمكافآت التحفيزية "قليلة"، ويعاني من تلك المشكلات المالية جميع اللاعبون حتى الحاصلون على ميداليات أولمبية، وفقًا لموقع "الحرة".

وتؤكد أن "الرياضة هي حياة هؤلاء اللاعبين ولا يوجد لديها وظائف أو مصادر دخل أخرى". وعندما يتعرض أحدهم لـ"الإصابة" لا يسانده أحد ولا يقوم اتحاد المصارعة بدفع مصاريف العلاج، وهناك أزمة شهيرة تتعلق باللاعب، طارق عبدالسلام في عام 2017، والذي هرب وحصل على جنسية بلغاريا، وحصد بعد ذلك ذهبية أوروبا، وفقًا لما توضحه الناقدة الرياضية.

وقبل حصوله على الجنسية البلغارية، حقق عبدالسلام ميداليات عدة لمنتخب مصر للمصارعة ومنها ذهبية بطولة الألعاب الإفريقية، والميدالية الفضية في بطولة بلغاريا الدولية "نيقولا بتروف ودانكلوف"، وبرونزية دورة البحر المتوسط بتركيا، وكذلك برونزية بطولة العالم للشباب بمدينة صوفيا.

وتشير نبيل إلى أن لاعبي الرياضات الفردية بشكل عام يعانون من "قلة الدعم" وكلما وقعت مشكلة أو أزمة تعد الجهات المختصة بـ"وضع حلول" ولا يتم ذلك، ويكون الرد الأسهل "لدينا الكثيرين غيرهم"، وفق الناقدة الرياضية.

 

أسباب اجتماعية واقتصادية؟

ويوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق، أن هناك العديد من الأسباب "الاقتصادية والاجتماعية" التي تقف وراء تكرار هروب اللاعبين المصريين.

وبسبب تلك الأزمات يرى هؤلاء الشباب أن "المستقبل مظلم وغامض"، ما يدفعهم لـ"الهروب والهجرة خارج البلاد". ويتساءل "إذا كانت رواتب هؤلاء اللاعبين مجزية ويرون أن مستقبلهم مضمون.. فما الذي سيدفع للهروب وترك كل شيء خلفهم؟!".

ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي أن " الواسطة والمحسوبية والفساد الموجود داخل اتحادات تلك الألعاب". وعندما يشاهد أحد اللاعبين الشباب أن من سبقهم في الهروب قد استطاع تحقيق "النجاح"، يقدم على تكرار ذلك، فيما يشبه "دائرة مفرغة"، حسب توضيح صادق. ويشير إلى أن هؤلاء اللاعبين يسعون لـ"مستقبل أفضل"، ويرون أن السبيل الوحيد لتحقيقه هو "الهروب".

 

جوانب إيجابية وسلبية؟

ويشير خبير السكان ودراسات الهجرة، أيمن زهري، إلى جوانب إيجابية وأخرى سلبية فيما يتعلق بهروب هؤلاء الشباب خارج مصر. والجانب الإيجابي يتعلق بكون "الترقي في مجال الرياضة متاح للجميع، وعدم وجود نخبوية في المجال الرياضي، وامتلاك مصر مواهب رياضية"، حسبما يقول زهري.

ويوضح أن هؤلاء الشباب الذين يمثلون مصر في المحافل الرياضية الدولية" لم يتم اختيارهم بشكل فاسد وليسوا من النخبة، ويمثلون جزءًا من نسيج المجتمع وخاصة من الطبقات البسيطة". وطالما أن هؤلاء يمثلون عموم الشعب فمن الطبيعي أن يقدم بعضهم على "الهجرة غير النظامية" على غرار طبقات أخرى بالمجتمع تفكر في "الخلاص الفردي"، وفقًا لخبير السكان ودراسات الهجرة.

ويرى أن "الظروف الدافعة" لهجرة الشباب "موجودة ومازالت مستمرة وسوف تستمر"، وعلى رأس ذلك الوضع الاقتصادي الذي تمر به مصر، والذي حتمًا ما سيفرز هذا النوع من "الهجرة غير النظامية".

والبطالة بين الشباب "مرتفعة"، ومخرجات التعليم خلال العقود الماضية "لا تواكب المهارات الأساسية الواجب توافرها لدى أي شخص يبحث عن العمل"، وهي أزمات لا يوجد لها "حلول وقتية"، وفق زهري.

 

تداعيات مستقبلية سيئة

تحذر دينا نبيل من "تداعيات خطيرة وخسائر كبيرة" نتيجة تكرار هروب لاعبين بعد تأهيلهم وامتلاكهم مواهب تمكنهم من "تحقيق ميداليات باسم دول أخرى". وهناك أيضًا لاعبون من أعمار سنية "صغيرة" لديهم مشكلات مع الاتحادات بسبب وضع "عراقيل"، ما يهدد بتكرار ذلك السيناريو في المستقبل، وفق الناقدة الرياضية.

وتقول إن هناك بعض الدول التي تتابع "مشكلات اللاعبين المصريين"، وتضع أعينها على هؤلاء الأبطال وتعرض عليهم "التجنيس". ويجب الجلوس مع لاعبي "الرياضات الفردية" وتوفير متطلباتهم، وطالما لا يتم حل المشكلات بشكل جذري فالأمر مرشح للتكرار، حسبما تؤكد نبيل.

ومن جانبه، يرى سعيد صادق، أن "عدم حل مشكلات بعض اللاعبين"، قد يدفع آخرون لتكرار الأمر في المستقبل. ويشدد على أن اتباع مبدأ "لو مشيت هجيب غيرك"، سوف يضر بمستقبل الرياضة المصرية، لأن من الصعب "تعويض المواهب".

وليس لدى جميع الدول "مواهب كثيرة" يمكن تعويضها، وسيكون لذلك "تداعيات سلبية على مستقبل الرياضة في مصر". ويحذر من أن ذلك سيجعل مصر تفقد المزيد من "اللاعبين الموهوبين"، الذين سوف يلعبون باسم دول أخرى.

ويتفق معه أيمن زهري، الذي يؤكد أن عدم وضع حلول سيجعل مصر "تخسر مواهب شابة"، لكنه يقول "إذا لم يكن بالمقدور استغلال قدراتهم فلنترك العالم يستفاد منهم".