تعامل حكومة الانقلاب المواطنين بصفتهم عملاء تبيعهم السلع والخدمات؛ وليس بصفتهم مواطنين لهم حقوق في عنقها وفقًا للدستور والقانون، وقد تمادت حكومة الانقلاب في أفعالها وأصبحت تاجرًا جشعًا يحتكر السلع والخدمات ويضارب في أسعارها.

وقبل أسبوع، وجّه وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، رسالة للغاضبين من ارتفاع أسعار السلع، وقال في مؤتمر صحفي، إن "أهم شيء هو وجود السلع وإتاحتها، وهناك أناس سوف تغضب مني، ثم يأتي موضوع ضبط الأسعار في مرحلة لاحقة".

وأضاف الوزير، في معرض حديثه عن أزمة ارتفاع أسعار السكر من متوسط 16 جنيهًا للكيلو إلى 29 جنيهًا بنسبة ارتفاع أكثر من 80%، "لو السلع اختفت تعلمون ماذا سوف يحدث"، في إشارة إلى حدوث اضطرابات اجتماعية.

 

ارتفاعات مستمرة

ورغم تأكيدات المسئولين بوزارة التموين المتكررة بثبات الأسعار وأن ارتفاع سعر الدولار لا يمس أسعار السلع الغذائية.. إلا أن جولة واحدة داخل محلات البقالة تكشف عكس ذلك، فالسعر يتزايد من يوم لآخر، وهناك تذبذب في أسعار السلع الغذائية حيث لوحظ وجود اختلافات في أسعار السلعة الواحدة من منطقة لأخري، فوصل سعر كيلو السكر إلى      28 و30 جنيها، والأرز يتراوح سعره ما بين 25 و35 جنيهًا للكيلو، وارتفعت أسعار زيت الخليط إلي 60 و65  جنيهًا للزجاجة زنة 800 جرام، وزيت عباد الشمس يباع بنحو 80 جنيهًا للزجاجة بينما يتراوح سعر زيت الذرة ما بين 90 و95 جنيهًا، وارتفعت أسعار المنظفات بشكل مبالغ والصلصة 28 جنيهًا للعبوة الواحدة زنة 360 جرامًا، والعبوة زنة 780 جرامًا وصلت إلى 50 جنيهًا، وارتفعت أسعار الشاي العبوة الصغيرة 40 جرامًا بـ 8 جنيهات وزنة 100 جرام وصلت إلى 16 جنيها.

كما ارتفعت أسعار البن فوصل سعر العبوة 100 جرام إلى 35 جنيهًا. كما سجلت أسعار البقوليات ارتفاعًا ملحوظًا في الأسواق فوصل سعر العدس إلى 55 جنيهًا للكيلو السائب، وهناك بعض الأنواع المعبأة يصل سعر 400 جرام إلى 40 جنيهًا، وتوقع بعض التجار ارتفاع الأسعار خلال الأيام المقبلة، فيما زاد سعر كيلو الفول المستورد ووصل 48 جنيهًا. سعر كيلو الدقيق وصل إلى 22 جنيهًا.

ومن جهة أخرى، عزفت الكثير من ربات البيوت عن شراء اللحوم بعد أن وصل سعر الكيلو إلى 400 جنيه، وكذلك الدواجن التي يتراوح سعر الكيلو بين 65 و70 جنيهًا للفراخ البيضاء و100 للبلدي. حتى الخضار الذي ارتفعت أسعاره مؤخرًا فالبطاطس التي كانت أرخص حاجة في السوق وصل سعر الكيلو إلى 15 جنيهًا، وقفزت الطماطم إلى 15 جنيهًا، والفاصوليا 30 جنيهًا، والبامية 35 جنيهًا، والباذنجان 18 جنيهًا، والخيار 18 جنيهًا.

وارتفعت أسعار السمك بشكل مبالغ فيه؛ فأصبح سعر الكيلو البلطي - أرخص الأنواع - إلى 70 و80 جنيهًا للكيلو، واتجهت أغلب السيدات إلى تقليل كميات الأكل بمقدار النصف؛ فبدلًا  من شراء كيلو أرز تكتفى الكثيرات بنصف كيلو؛ حتى المكرونة التي كانت بديلا للأرز عند بعض الأسر ارتفعت أسعارها إلى 10و11 جنيهات للكيس زنة 400 جرام.

 

حكومة الانقلاب تتحول إلى تاجر

وصف رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري تصريحات وزير التموين بأنها "كارثة سياسية، ولو قيل هذا التصريح في بلد يحكمه نظام يمتلك الحد الأدنى من الوطنية والعدل؛ لأقيل وقدم للمحاكمة، هذا التصريح هو معبر حقيقي عن وجه النظام الظالم، فسلعة مثل السكر هي سلعة حكومية ويبلغ إنتاج مصر من السكر 3.1 ملايين طن، تشمل 1.945 مليون طن من سكر البنجر، و900 ألف طن من قصب السكر، و250 ألف طن من سكر الفركتوز المنتج من حبوب الدرة".

وأضاف في تصريحات لـ"عربي21": "في المقابل، فإن حجم الاستهلاك المحلي من السكر 3.25 ملايين طن سنويًا، ويتم استيراد ما لا يزيد على 150 ألف طن لتغطية العجز البالغ 5% فقط، وتمتلك الحكومة 87% من الطاقة الإنتاجية لتصنيع السكر وبالتالي فهي المحتكر الأكبر لصناعة السكر، وكل جنيه ارتفاع في قيمة كيلو السكر؛ يزيد من إيرادات الحكومة بما يقارب 3 مليارات جنيه، لذلك هي من تقف وراء الغلاء كما يساعدها على ترويج بيع تلك الشركات لاحقًا".

ورأى الباحث المصري أن حكومة الانقلاب أصبحت تاجرًا جشعًا تحتكر السلع والخدمات وتضارب في أسعارها، تلك السياسات هي تعليمات صندوق النقد والبنك الدولي، حيث تصبح مصر سوقًا للعمالة الرخيصة من جهة وللسلع والخدمات التي ستديرها الشركات الأجنبية من جهة أخرى، وما النظام وحكومته إلا وسيط ينفذ الأمر وعندما ينتهي دوره سيتم الاستغناء عنه واستبداله بغيره.

 

تداعيات التعويم

فيما أكد د. نادر نور الدين، الأستاذ بكلية الزراعة بجامعة القاهرة ومستشار وزير التموين الأسبق، أن أغلب الدول التي تعتمد على الاستيراد وتتخذ قرار التعويم ينتج عنه ارتفاع الأسعار مثلما يحدث في مصر حاليًا، خاصة أننا دولة مستوردة للغذاء.

ويتابع نور الدين، في تصريحات لصحيفة "الأهالي"، بأن مصر تستورد 70% من القمح، و70% من الذرة الصفراء بواقع 12 مليون طن لكل منهما، ونستورد 100% من زيوت الطعام، و100% من العدس، و80% من الفول، و60% من اللحوم الحمراء والزبدة البقرى، و20% من السكر. وبالإضافة إلى كل مستلزمات الإنتاج والمواد الخام اللازمة للعديد من الصناعات الوطنية مثل الأدوية والدواجن والأحذية والملابس.

وبالتالي حدوث تعويم للعملة وانخفاض لقيمة الجنيه أمام الدولار سيؤدى إلى مزيد من ارتفاع الأسعار؛ فالسلعة سعرها نفس الأسعار العالمية وأحيانًا أكثر، ونشعر بالغلاء لأن دخل المواطن لا يساوى دخل المواطن في البلاد المنتجة للغذاء، ولذلك من توصيات البنك الدولي عند تعويم العملة توجيه مظلة حماية اجتماعية للفقراء، بمعنى زيادة الحصص التموينية للفقراء ورفع المرتبات والمعاشات.

ويضيف نور الدين، برغم أن الحكومة اتخذت بعض الإجراءات الحمائية الا انها لا تواكب الزيادة الرهيبة في الأسعار، وارتفاع معدلات التضخم تؤكد أن ارتفاعات الاسعار أعلى بكثير من الأجور؛ فالتضخم وصل في يونيو الماضي إلى 41% وفقًا لأرقام الحكومة، وانخفض حاليًا الى 37%، إلا أن بعض المنظمات الدولية تقدر التضخم في مصر بنسبة 66%، وأصبحت الأولوية عند غالبية المواطنين لشراء الأكل ثم التعليم، والنتيجة زيادة معدلات التسرب من التعليم خاصة في القرى الفقيرة، وكان من أهم تداعيات التعويم وارتفاع الأسعار انزلاق الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة تحت خط الفقر، فالعلاقة مثبتة علميًا بأن زيادة معدلات الأسعار يتبعه زيادة في مستويات الفقر

وأضاف مستشار وزير التموين الأسبق، أنه نتيجة نقص الغذاء الصحي زادت أمراض سوء التغذية للأطفال، والتقزم، وإجهاض الحوامل، وزيادة نسبة الأنيميا بين الشباب نتيجة ترشيد استهلاك المواطنين للأكل لارتفاع سعره، كما أن ارتفاع أسعار الأدوية ونقصها كان من أبرز الآثار المترتبة لتعويم الجنيه وهو الأمر الذى يدفع غالبية الفقراء وأصحاب المعاشات أصحاب الدخول المحدودة إلى الوفاة نتيجة عدم توافر الأدوية بأسعار معقولة.