لا يزال مسلسل غرق المصريين المهاجرين بصورة غير شرعية يتكرر بشكل شبه يومي، حيث نشرت قناة ليبيا 24 قبل أسبوع، مقطع فيديو يظهر حوالي 25 طفلًا مصريًا تم القبض عليهم داخل أحد المخازن في "طبرق" الليبية، المدينة التي ارتبط اسمها خلال السنوات الأخيرة بعمليات الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا، والتي راح ضحيتها عشرات المصريين، غارقين بأحلامهم في البحر قبل وصولهم إلى الشواطئ الايطالية.

عشرات الأطفال ومئات الشباب يتدافعون للهجرة غير الشرعية، بعد دفع مبلغ مالي يصل إلى 150 ألف جنيه تقريبًا، على أمل أن يصل إلى إيطاليا مع عشرات غيره اتجهوا لنفس الطريقة لتغيير الظرف الاقتصادي الصعب الذي تعيشه العائلة، والذي فشل قائد الانقلاب وحكومته في تغييره بعد عشر سنوات من الانقلاب.

وفي ليل 13-14 يونيو الماضي، غرق زورق صيد قديم ينقل عددًا كبيرًا من المهاجرين أبحر من ليبيا فقضى فيه 82 شخصًا على الأقل وفقد المئات، في واحد من أكبر حوادث غرق مراكب الهجرة إلى أوروبا.

وقال والد أحد المواطنين الذين كانوا على متن القارب لوكالة فرانس برس "آخر مرة تحدثت فيها مع ابني كانت مساء السابع من يونيو، حينها قال لي إنهم سيبحرون" بعد يومين.

وتابع الرجل الذي طلب عدم ذكر اسمه "أنا لا أعرف سوى أنه كان على متن قارب متجه إلى إيطاليا كما يفعل العديد من أصدقائه في القرية"، في إشارة إلى نجله البالغ من العمر 14 عامًا. 

وقال بأسى "لم نتوصل إلى شيء حتى الآن ولم يتواصل أحد معنا منذ 15 يومًا".

وتم إنقاذ أكثر من 100 من ركاب القارب من مياه البحر، بحسب بيانات الأمم المتحدة التي أشارت إلى أن المركب كان مكتظا بـ400 إلى 750 راكبًا بينهم أطفال ونساء، ومن بين هؤلاء 200 مواطن مصري.

 

البحث عن العمل المفقود

ومثل المصريون، العام الماضي، واحدًا من كل خمسة مهاجرين وافدين إلى إيطاليا بهذه الطريقة، بحسب بيانات وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء، والتي أوضحت أن ثلث من وصل إلى إيطاليا في عام 2022 من أطفال بمفردهم أو منفصلين عن ذويهم، كانوا مصريين.

وأرجعت الوكالة أسباب بحث المصريين عن الهجرة إلى "العوامل الاقتصادية والبحث عن عمل"، خصوصًا في ظل أزمة اقتصادية تعاني منها مصر بسبب نقص النقد الأجنبي وارتفاع معدل التضخم.

كذلك لفتت إلى أن "من المحتمل أيضًا أن يكون وضع حقوق الإنسان في البلاد عاملًا مؤثرًا للعديد من المهاجرين المصريين الراغبين في السفر إلى الاتحاد الأوروبي"، مشيرة إلى قلق المنظمات الحقوقية "بشأن القيود المفروضة على حرية التعبير، وسوء أوضاع السجون، وحالات الاختفاء القسري"، وفقًا لموقع "الحرة".

ولا شك أن مصر تمر بظروف اقتصادية سيئة، وحالة من التردي الاجتماعي بسبب تلك الظروف، وهذا في حد ذاته يشكل سببا رئيسًا في لجوء الكثير من الشباب المصري العاطل عن العمل إلى ترك البلاد والبحث عن فرصة عمل في مكان آخر، ليس هذا فقط بل أيضًا وللحاصلين على شهادات عليا كالأطباء والمهندسين والعاملين في مجالات التكنولوجيا والحاسبات الآلية، فبينهم سباق كبير الآن على السفر في ظل احتياجات السوق الأوربية إلى تلك الكوادر، خاصة الأطباء المصريين الذين يتجهون بكثافة الآن إلى السوق الألمانية المفتوحة لهم منذ سنوات.

 

عسكرة الحدود ليست حلًا

وقال نور خليل، المدير التنفيذي لمنصة اللاجئين في مصر، أن "عسكرة الحدود ليست حلًا"، مشيرًا إلى أن ما يحدث الآن هو "انتقال المعضلة (إلى مكان آخر)، المصريون الآن يعبرون إلى ليبيا"، لبدء رحلتهم من الساحل الليبي.

وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أعربت في 12 يونيو عبر بيان عن "قلقها إزاء الاعتقال التعسفي الجماعي للمهاجرين وطالبي اللجوء، حيث اعتقلت السلطات الليبية آلاف الرجال والنساء والأطفال من الشوارع ومن منازلهم أو في أعقاب مداهمات لما يزعم بأنها مخيمات ومستودعات للمُتجِرين".

وفي هذا الصدد أشار خليل إلى تشديد "العقوبات المفروضة على المهربين وما يمتلكه خفر السواحل من أسلحة"، وعدم تمكن المراقبين الحقوقيين من الوصول إلى هذه المناطق.

ورأى أن رحلات الهجرة ستستمر "ما دام الجيل الجديد غير قادر على التعبير عن رأيه أو فتح آفاق اقتصادية في مصر".

 

أعداد كبيرة

وتشير الإحصاءات إلى أن عددًا وافرًا يخرج كل فترة من محافظات مصر للسفر إلى ليبيا والتي يقيمون فيها فترة ليست بالقصيرة، ومن ثم يتجهون في زوارق ومراكب صغيرة للهجرة، ولا يعرف عن مصيرهم شيئا إلا بعد عدة أشهر، فمن ينجو يتواصل مع أسرته، ومن هنا نعرف الناجي من الغارق، فنجد بيتا ينتحب وآخر تنطلق منه الزغاريد.

ووفقًا للمفوضية الأوربية لشؤون اللاجئين فإنه في سنة 2021 تم توقيف أكثر من 26 ألف مهاجر مصري على الحدود الليبية، وتشير وثيقة المفوضية إلى أنه من المرجح أن تشهد مصر “تدفقات كثيفة” من المهاجرين على المدى المتوسط إلى الطويل بسبب عدم الاستقرار الإقليمي وتغير المناخ والتحولات الديموغرافية وتراجع الفرص الاقتصادية وتقليص مناخ الحريات المسموح به، وفقًا لـ"الجزيرة".

كانت اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، أصدرت تقريرًا كشفت فيه أن 58% من المهاجرين غير الشرعيين المصريين أطفال دون الـ18 عامًا، وحسب عدة حوادث وفقًا لـ"المصري اليوم" خلال آخر عامين كانت النسبة متقاربة تقريبًا، حيث يغدو سن المقبلين على الهجرة غير الشرعية ما بين 12 إلى 18 عامًا تقريبًا.

ووفق تقديرات لمنظمة الهجرة الدولية عن مصر فإن 587 شخصًا غرقوا في البحر المتوسط نتيجة الهجرة غير الشرعية عام 2018، بينما أشارت اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر إلى أن نحو 1773 لقوا مصرعهم في عام 2017 بسبب الهجرة غير الشرعية.

أما عدد المهاجرين المصريين الذين هاجروا بشكل غير شرعي لإيطاليا عام 2017 فبلغ 988 مهاجرًا. وفي السنة نفسها، تم تسجيل 1773 حالة وفاة لمهاجرين غرقوا في طريقهم عبر البحر المتوسط، منهم 151 طفلًا، والذين تصل نسبتهم إلى 58% من المهاجرين غير الشرعيين المصريين كلهم دون الـ18 عامًا، طبقًا لإحصائية أعلنتها اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية.