يظل الحج هو الفريضة الاستثنائية التي فرضها الله تبارك وتعالي؛ لما يحمله من شعائر خاصة تجمع ما اشتملت عليه الفرائض الأخرى من صلاة وزكاة وصيام، ناهيك عن توحيد الله تعالى الذي يتجسد في كل عمل في فريضة الحج.

ولا تزال أعناق المسلمين تشرئب لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة، الذي أوجبه الله - سبحانه وتعالى - على المستطيع من عباده في قوله جل شأنه: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا".

وأصبح المسلمون يتقاطرون من شتى بقاع الأرض على اختلاف أجناسهم وتعدد ألوانهم واختلاف قبائلهم وأنسابهم؛ تلبيةً لنداء ربهم، والذي أذن به إبراهيم عليه السلام.

فجاءت قوافل المؤمنين من كل فج عميق ليطوفوا بالبيت العتيق، قال تعالى: "وَإِذْ بَوَّأنا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرَ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلَّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأنْعَامَ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير".

وأضحت رحلة الحج والوصول إلى مكة المكرمة والنظر إلى الكعبة المشرفة والوقوف في المشاعر المقدسة؛ غاية كل مسلم وأمنية كل مؤمن، لذلك شدت إلى هذه البقاع الرحال وقطعت من أجلها القفار.

 

توسعة المسجد الحرام في عهد الصحابة

كانت المساحة الإجمالية للمسجد الحرام في عصر ما قبل الإسلام والعصر النبوي وصولًا لعصر الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه - بحسب ما أورده مدير عام مركز تاريخ مكة المكرمة – سابقًا - الدكتور فواز بن علي الدهاس، في كتابه "الحج عبر العصور" تقدر بـ 1490م2.

وفي عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وتحديدًا في العام (17هـ) ضرب سيل جارف عُرف بسيل "أم نهشل"؛ وقد اقتلع السيل مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام من موضعه الحالي، فقام عمر بن الخطاب بردّ الحجر إلى مكانه، ولم يكن بالمسجد جدران تحيطه، إنما كانت الدور تطل عليه من كل مكان، فضاق على الناس المكان.

فقرر أمير المؤمنين عمر الخطاب - رضي الله عنه - شراء البيوت القريبة من الحرم وهدمها، وقد رفض البعض أن يأخذ ثمن البيت، وامتنع آخرون من البيع.

فوضعت أثمان بيوتهم في خزانة الكعبة حتى أخذوها فيما بعد، وأحاط الخليفة عمر بن الخطاب المسجد بجدار قصير وقال مقولته الشهيرة: "إنما نزلتم على الكعبة فهَو فناؤها، ولم تنزل الكعبة عليكم".

وكانت تلك أول توسعة للحرم المكي، حيث تمت زيادة مساحته بـ 860م2؛ لتصبح المساحة الإجمالية 2350م2، وفقًا لوكالة "واس" السعودية.

وفي عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- زيدت المساحة 2040م2؛ ليكون الإجمالي 4390م2.

وشهدت مساحة المسجد الحرام في عهد عبدالله بن الزبير رضي الله عنه توسعة بـ 4050م2، ليكون الإجمالي 8440م2.

 

توسعة المسجد الحرام في عهد خلفاء المسلمين

وفي عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك زيدت المساحة 2300م2، لتكون مساحة المسجد الحرام الإجمالي 10.740م2.

وفي عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور زيت المساحة بـ 4700م2، ليبلغ إجمالي مساحة المسجد الحرام 15.440م2.

وتمت في عصر الخليفة العباسي المهدي زيادتان؛ الأولى بـ7950م2، والأخرى بـ2360م2، لتصل المساحة إلى 25.750م2.

كما تمت توسعة المسجد الحرام في عهد الخليفة العباسي المعتضد بـ 1250م2، وتوسعة أخرى في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله بـ 850م2، ليكون إجمالي مساحة المسجد الحرام 27.850م2.

 

توسعة المسجد الحرام في عهد الدولة السعودية

توسعة الملك عبد العزيز آل سعود

وفي عهد الدولة السعودية، بدأت رحلة توسعة المسجد الحرام تأخذ منحى آخر من التطوير والاهتمام وفق أحدث وسائل التقدم المعماري.

وأمر الملك عبدالعزيز - رحمه الله - سنة 1344هـ بترميم المسجد الحرام ترميمًا كاملًا وإصلاح كل ما يقتضي إصلاحه.

وكذلك ترخيم عموم المسجد، وفي سنة 1345هـ أمر بوضع السرادقات في صحن المسجد لتقي المصلين حر الشمس.

ويروي الدكتور الدهاس أن الملك عبد العزيز أمر في العام نفسه بفرش أرضية المسعى الممتدة بطول 395.35 وبعرض 20.5م بحجر الصوان المربعة، وثبت بالحصى والنورة.

كما أنه أمر - رحمه الله - في سنة 1346هـ بإصلاح آخر للمسجد الحرام، شمل الترميم والطلاء، كما أصلح مظلة إبراهيم، وقبة زمزم وشاذروان الكعبة المشرفة.

وفي مستهل العام 1373هـ أمر الملك سعود – رحمه الله - بتركيب مضخة لرفع مياه زمزم وبعدها بعام في 1374هـ أمر بإنشاء بناية لسقيا زمزم أمام بئر زمزم.

وفي سنة 1375هـ أمر باستبدال الشمعدانات الستة بحجر إسماعيل عليه السلام بأضواء الكهرباء، كما أمر بتبليط أرض المسعى.

 

توسعة الملك سعود

وألقى الملك سعود في العام 1375هـ خطابه التاريخي بالشروع في توسعة المسجد الحرام التي أمر بها الملك عبد العزيز - رحمه الله - وبدأ العمل في 4 ربيع الآخر عام 1375هـ.

وتضمنت هذه التوسعة ثلاثة طوابق، وهي الأقبية، والطابق الأرضي، والطابق الأول، مع بناء المسعى بطابقيه وتوسعة المطاف، وأصبح بئر زمزم في القبو.

 

توسعة الملك فيصل

وفي عهد الملك فيصل – رحمه الله - عام 1387هـ تمت إزالة البناء القائم على مقام إبراهيم توسعة للطائفين، ووضع المقام في غطاء بلوري.

وفي عام 1391هـ أمر ببناء مبنى لمكتبة الحرم المكي الشريف، وفي عام 1392هـ أمر ببناء مصنع كسوة الكعبة المشرفة في موقعه الجديد في أم الجود، وتوسيع أعماله.

 

توسعة الملك خالد

وفي العام 1396هـ أتم الملك خالد - رحمه الله - ما تبقى من عمارة وتوسعة المسجد الحرام الأولى، كما تم في عهده افتتاح مصنع الكسوة بعد تمام البناء والتأثيث، عام 1397هـ.

وفي عام 1398هـ تم توسيع المطاف في شكله الحالي، كما فُرشت أرضيته برخام مقاوم للحرارة جُلب من اليونان مما زاد من راحة المصلين والطائفين.

وشملت توسعة المطاف نقل المنبر والمكبرية وتوسيع قبو زمزم، وجعل مدخله قريبًا من حافة المسجد القديم في جهة المسعى، وركبت صنابير لشرب الماء وجُعل للبئر حاجز زجاجي.

 

توسعة الملك فهد

وفي مستهل العام 1406هـ أمر الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - بتبليط سطح التوسعة السعودية الأولى بالرخام البارد المقاوم للحرارة.

كما أنه في العام 1409هـ وضع - رحمه الله - حجر الأساس للبدء في التوسعة السعودية الثانية.

وفي عام 1411هـ أُحدثت ساحات كبيرة محيطة بالمسجد الحرام، وهُيئت للصلاة، ولا سيما في أوقات الزحام، حيث بُلطت برخام بارد ومقاوم للحرارة وأُنيرت وفُرشت، وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه الساحات (88.000م2).

وفي عام 1415هـ وُسعت منطقة الصفا في الطابق الأول تسهيلًا للساعين وذلك بتضييق دائرة فتحة الصفا الواقعة تحت قبة الصفا.

وفي عام 1418هـ أُنشئ جسر الراقوبة الذي يربط سطح المسجد الحرام بمنطقة الراقوبة من جهة المروة، لتسهيل الدخول والخروج إلى سطح المسجد الحرام.

 

أكبر توسعة في تاريخ المسجد الحرام

وفي مطلع العام 1432هـ دشن الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - أكبر توسعة في تاريخ المسجد الحرام، حيث رُفعت الطاقة الاستيعابية للحرم إلى مليون و850 ألف مصل.

وبدأت مراحل العمل على مضاعفة الطاقة الاستيعابية بصحن الطواف إلى 3 أضعاف طاقته السابقة ليتمكن 150 ألف شخص من الطواف كل ساعة.

بالإضافة إلى أنظمة الصوت والإضاءة والتكييف ومنظومة طواف المشاة.

 

خمسة مشاريع للملك سلمان

ودشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – في العام 1436هـ خمسة مشاريع رئيسة ضمن المشروع الشامل للتوسعة السعودية الثالثة.

وهي مشروع مبنى التوسعة الرئيس، ومشروع الساحات، ومشروع أنفاق المشاة، ومشروع محطة الخدمات المركزية للمسجد الحرام.

وتشمل التوسعة السعودية الثالثة (4) منارات بارتفاع (135م)، ويبلغ عدد القباب السماوية بمبنى التوسعة (12) قبة سماوية متحركة و(6) قباب سماوية ثابتة.

ويبلغ عدد السلالم الكهربائية بكامل المشروع (680) سلمًا لتسهيل عملية تنقل الزوار، كما تقدر مساحة مسطحات كامل المشروع بـ (1.371.000م2).

 

أعداد مليونية وخدمات تكاملية

شهدت منظومة الحج والعمرة نجاحات كبرى عامًا تلو آخر، ضمن تشاركية فاعلة بين جميع الجهات الأمنية والصحية واللوجستية.

ودشّن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، برنامج خدمة ضيوف الرحمن كأحد برامج تحقيق رؤية السعودية 2030، بهدف رفع مستوى الخدمات المقدمة لهم، وإثراء تجربتهم الدينية والثقافية.

وتطورت منظومة الحج والعمرة خلال الأعوام القليلة الماضية تطورات عدة ومهمة نظرًا لما يُمثله قطاع الحج والعمرة من أولوية قصوى؛ مما ساعد في إطلاق العديد من المبادرات لتنظيم القطاع والارتقاء بجودة الخدمات فيه، مثل:

- إتاحة التأشيرات الإلكترونية للحجاج والمعتمرين من جميع الدول.

- تمديد فترة موسم العمرة، وإطلاق مشروع حافلات مكة وتطوير المواقع التاريخية الإسلامية.

- تسهيل قدوم المعتمرين من خارج المملكة عبر عدد من التأشيرات، مثل: التأشيرة السياحية عند القدوم إلى منافذ المملكة، والتأشيرة السياحية الإلكترونية، وتأشيرات الزيارة، وغيرها من الأنواع.

- مبادرات وزارة الحج والعمرة الإلكترونية -مثل: تطبيق "اعتمرنا"، و"بطاقات الحج الذكية"، ومبادرة حج بلا حقيبة، وكذلك "مبادرة طريق مكة" بالشراكة مع عدة جهات لتسهيل إجراءات دخول ضيوف الرحمن عبر المنافذ دون انتظار، وغيرها من المبادرات والخدمات الهادفة إلى خدمة الحجاج، وتأديتهم الفريضة بكل يسر واطمئنان في أجواء إيمانية.

 

99 مليون حاج

وبحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء، فقد بلغ إجمالي عدد الحجاج منذ بدأت الهيئة عملية الإحصاء في العام 1390هـ تحت مسمى "مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات"، حتى العام الماضي 1443هـ، أكثر من (99 مليون حاج).

وتهدف المملكة العربية السعودية إلى توفير كل ما من شأنه خدمة حجاج بيت الله الحرام وزيادة القدرة الاستيعابية، واستقبال أكثر 30 مليون معتمر في العام 2030.