ربط مقال للصحفي البريطاني "ديفيد هيرست" بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، بين جنوب المتوسط والحكام المستبدين، وشمال المتوسط وأوروبا التي تنتلص من إنقاذ اللاجئين مغدقة الأموال على حكام الجنوب.

وأشار هيرست إلى أنه "في جنوب البحر المتوسط، ستجد مستبدين ينفقون أموالاً لا حصر لها على التسلّح، أو مشروعات البذخ، أو محض رغباتهم. وهم أثناء ذلك لا يجرّون بلادهم إلى أتون العوز فحسب، بل ويرسلون كل عام مزيداً من فقراء هذه البلاد إلى القوارب، ويُقبلون على خوض المغامرات العسكرية بالخارج، ويزرعون الحرب ويبثون الفوضى أينما ذهبت قواتهم".

وفي المقابل، شمال البحر المتوسط، حيث دول أوروبا تنصَّلت من عمليات البحث والإنقاذ، وباتت مستعدة لفعل أي شيء -حتى لو كان إغداق الأموال على  المستبدين- لكبح تدفق المهاجرين، ويلوك كلا الطرفين الكلامَ المبتذل عن فظاعة الوفيات وعظم الكارثة.


 

وتحت عنوان "صفقات أوروبا مع الأنظمة العربية الاستبدادية.. كيف تسببت في كارثة القارب الغارق بسواحل اليونان؟" ترجمت مواقع مقال هيرست الذي تحدث عن كارثة بشعة بفقدان نحو 500 مهاجر من أصل 750 رجل وإمرأة وطفل قبالة سواحل بيلوس اليونانية الأسبوع الماضي.

حوادث مألوفة
واعتبر الكاتب أن الحادثة (الغرق الجماعي لقوارب اللاجئين) صار من المألوف وقوعها في مياه البحر المتوسط،  سواء كانت قادمة من ليبيا أم تونس أم مصر.

وأوضح أن أكثر من 1200 شخص غرقوا في "المتوسط" العام الماضي، وما يقرب من 25 ألف شخص منذ عام 2014؛ لقد صار جديراً بأن يُعرف باسم "البحر القاسي"، عوضا عن اللقب القديم "مهد الحضارة".

وألمح "هيرست" إلى تورط رسمي في الكارثة، مشيرا إلى أنها وقعت ببطء وعلى مرأى من سفينة حرس السواحل اليونانية التي ظلت تراقب ما يحدث بلا حراك، كما لم يرسلوا المساعدة إلا بعد ثلاث ساعات على الأقل من انقلاب القارب، حسب ناجين لصحيفة ذي صنداي تايمز البريطانية.

وأشار أيضا لتحقيق كشفت به BBC، أن القارب نفسه لم يتحرك من مكانه لسبع ساعات على الأقل، قبل أن ينقلب في النهاية. وقالت مجموعة Alarm Phone، المعنية بمراقبة السفن المعرضة  للخطر في البحار، إن السفينة طلبت المساعدة مساء الثلاثاء 13 يونيو، أي قبل يوم كامل من غرقها.

في المقابل، زعم خفر السواحل اليوناني أن السفينة رفضت تلقي المساعدة، وأنها كانت في طريقها إلى المياه الإيطالية.


حادث إيطاليا
ومما أشار إليه "هيرست" ما وقع في 26 فبراير، لسفينة أخرى قبالة ساحل مدينة “كروتوني” في إيطاليا. وكان على متن السفينة الغارقة ما يقرب من 200 لاجئ، معظمهم يحملون الجنسية الأفغانية، وتُوفي أثناء ذلك 94 طالب لجوء، منهم 35 طفلاً.

والتفت ديفيد هيرست إلى أن "القصة التي حاول خفر السواحل اليوناني بشأن قارب بيلوس" مختلقة ومطابقةً للرواية الإيطالية الرسمية عن واقعة الغرق في فبراير الماضي".

حادث ثالث
وعن حادث ثالث، أشار لقارب الرحلات التركي الخشبي “سمر لاف” الذي غرق بعد 6 ساعات من التقاط طائرة تابعة لـ”الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل” (فرونتكس) صوراً له، وإفادتها بأن السفينة "لم تظهر عليها علامات الاستغاثة".

واستعرض كذب فرونتكس، ممسكا بتقرير لموقع Lighthouse Reports الإخباري حصل على سجلات رحلة الطائرة التابعة لفرونتكس، كشف أن الطائرة واجهت رياحاً قوية قبل ساعتين من رصدها للقارب، ورصدت "بصمة حرارية كبيرة" أسفل سطح السفينة، تدل على أنها كانت تحمل عدداً غير عادي من الأشخاص على متنها، مؤكدا أن "هذه التفاصيل حُذفت من التقرير الرسمي بشأن الواقعة"!

وتقل عن (كلاس فان ديكين)، المتحدث باسم Lighthouse، أن السفينة كانت محمّلة بما يزيد على طاقة استيعابها من الركاب، وهذا أمر يسهل على طائرة فرونتكس اكتشافه، وقد علموا جميعاً بذلك، لكنهم لم يرسلوا سفينة إنقاذ، وكانت لهذا القرار عواقب وخيمة على ركاب السفينة الغارقة.

 

وشدد أن فرونتكس لا تتخذ قرارات الحياة والموت هذه بمعزل عن التأثيرات السياسية، فاليونان -التي انتقدت المفوضية الأوروبية من قبل سياسة “التصدي العنيف” التي تتبعها في مواجهة اللاجئين- لا تنفق على قدرات البحث والإنقاذ سوى 600 ألف يورو (654 ألف دولار)، أي 0,07% فقط من إجمالي الميزانية المخصصة لإدارة الحدود.


تمويل المستبدين

وعن دعم أوروبا للمستبدين، نقل عن كاثرين وولارد، مديرة المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين، إن الاتحاد الأوروبي قدَّم لليونان خلال المدة من عام 2021 إلى عام 2027، أكثر من 819 مليون يورو (894 مليون دولار) من أموال ميزانيته، لإبعاد اللاجئين عن أوروبا، وقد أنفقت اليونان بالفعل معظم هذه الأموال.

وأشار إلى أن رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتطرفة، جورجيا ميلوني، بذلت قصارى جهدها لإعادة ضبط علاقات إيطاليا مع الأنظمة المستبدة جنوب البحر المتوسط.

فأشار لاجتماع "ميلوني" وخليفة حفتر، الذي يوصف معقله في منطقة برقة شرقي ليبيا بمحطة الانطلاق الرئيسية للمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى إيطاليا.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي يعلم أنه ما دام يقدم الأموال إلى حفتر، فإنه يمول التجارة التي تجري بين خفر السواحل الليبي والمهربين. فقد اتهمت بعثة تقصٍّ للحقائق تتبع للأمم المتحدة في ليبيا مسؤولين في خفر السواحل الليبي، وإدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية التابعة لها، بالتعاون مع مهربي البشر وتجار التهريب.

وأردف أن أوليفر فارهيلي، مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الجوار والتوسع في وقت سابق من 2023، سلّم سفن دوريات بحرية إلى خفر السواحل الليبي، وأعلن عن حزمة بقيمة 800 مليون يورو (873 مليون دولار) لتمويل مساعي وقف الهجرة من إفريقيا.

وأكمل أن حفتر بالمقابل مسؤول عن زيادة اللاجئين أكثر من أي شخص آخر في ساحل شمال إفريقيا، ربما باستثناء داعمه السابق، عبد الفتاح السيسي.

ولفت "هيرست" إلى أنه مع 10 سنوات على استيلاء السيسي على السلطة بالانقلاب العسكري الذي أطاح فيه بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر، أشارت بيانات وزارة الداخلية الإيطالية إلى أن السواحل الإيطالية شهدت وصول نحو 20 ألف مصري عبر ليبيا في عام 2022 وحده، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف الواصلين في عام 2021. وتذهب التقديرات إلى معظم اللاجئين الذين باتوا يصلون حالياً إلى إيطاليا هم من المصريين.

 

لن يعودوا
ونبه إلى إقرار وزيرة الدولة لشؤون الهجرة في حكومة السيسي، سهى الجندي في مكالمة هاتفية الأحد 18 يونيو، بحقيقةٍ واضحة: أن المصريين الذين نجوا من كارثة السفينة الغارقة قبالة الساحل اليوناني مستعدون لفعل أي شيء لتجنُّب العودة إلى ديارهم. وقد نُقل ثلاثة وأربعون منهم إلى مخيم للاجئين في اليونان.


الديكتاتور الثالث
وأشار المقال إلى أن الديكتاتور التونسي قيس سعيِّد على نهج حفتر والسيسي، فاستضاف زعماء إيطاليا وهولندا والاتحاد الأوروبي طلباً للمساعدات، مضيفا أنه نجح بمدة قصيرة من توليه منصب الرئاسة بإفلاس تونس لدرجة أنها أوشكت على التخلف عن سداد ديونها الخارجية.

وابدى تعجبا من تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية، (أورسولا فون دير لاين) من أن "الاتحاد الأوروبي يدعم مسيرة تونس إلى الديمقراطية منذ عام 2011. إنها طريق طويلة، ووعرة أحياناً. ولكن هذه العقبات يمكن تجاوزها"، وعلق هيرست أن (فون دير لاين) تحدثت عن عقبات الديمقراطية وسعيِّد العقبة الرئيسية أمام استعادة الديمقراطية البرلمانية، يقف بجوارها مباشرة"!

إغداق الأموال
وعن نموذج لإغداق الأموال، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الإثنين، لنظيره المصري إن الاتحاد الأوروبي سيمنح القاهرة 20 مليون يورو من أجل التعامل مع 200 ألف لاجئ من السودان. وطالب بمنح الـ80 مليون يورو، التي تعهد بها الاتحاد الأوروبي لمصر العام الماضي لإدارة الحدود.

وللمقارنة، كشف "هيرست" أنه "أموال زهيدة" مقارنةً بالأموال التي جنتها دول الاتحاد الأوروبي من صادرات الأسلحة إلى مصر. في السنوات العشر التي تلت الانقلاب العسكري للسيسي، صدَّرت دول الاتحاد الأوروبي -ومن ضمنها المملكة المتحدة- أو رخَّصت ما قيمته 12.4 مليار دولار من الأسلحة إلى مصر، وفقاً للحملة ضد تجارة الأسلحة.

وتوقع الكاتب أن الأموال "تسقط في ثقب أسود كبير، مثل أي أموال أخرى تُمنَح للسيسي"، موضحا بمثال أن "إنفاق السيسي على السلاح إلى إفقار المصريين، وضع مصر ضمن أكبر عشرة مستوردين للأسلحة في جميع أنحاء العالم. بين عامي 2010 و2020، اشترت مصر أسلحةً بقيمة 22 مليار دولار".

دموع التماسيح
وتساءل "لماذا تذرف الدموع من أجل الديمقراطية، في حين أن الاستبداد جيد للأعمال التجارية"؟

وأضاف، "لقد تخلَّى الاتحاد الأوروبي عن أجندة الديمقراطية التي يروّج لها جهراً في أوكرانيا في ما يتعلق بشمال إفريقيا والدول الفقيرة للغاية التي ترقد في فنائها الخلفي".

وتابع أنه "عندما قاطع التونسيون خطوة سعيد لتدشين برلمانه بعد حل المجلس الأعلى للقضاء، دعا بوريل إلى "استعادة الاستقرار المؤسسي في أسرع وقت ممكن".

وأردف، "سعيد كان حريصاً للغاية على اعتقال راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة، أكبر حزب في البرلمان القديم. ومع كل خطوة، حصل سعيد على الضوء الأخضر للمُضي قُدماً في غياب أي إجراء ذي مغزى من قبل الاتحاد الأوروبي".
وأشار إلى اعتراف وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، الذي قوبل في اجتماع عقدته مؤخراً لجنة الشؤون الخارجية في المملكة المتحدة، بتحدٍ بشأن ما تفعله بريطانيا لتأمين الإفراج عن الغنوشي، لم يكن وزير الخارجية يعرف حتى من الوزير المسؤول عن تونس، ناهيكم عما قاله.

قال كليفرلي للجنة: “بدت تونس وكأنها النقطة المضيئة في الربيع العربي. إنه لأمر مخيب للآمال أن نرى التقدم الذي أحرزوه يتراجع في الاتجاه المعاكس. لقد انخرطنا في الأمر. سوف أتحقق مرة أخرى من الوقت الذي انخرطنا فيه آخر مرة. إنه ليس شيئاً قمت به شخصياً. إنه شيء نشعر به بقوة”.

وعلق هيرست "طالما رفضت بريطانيا والاتحاد الأوروبي تسمية الانقلابات العسكرية بأساميها الحقيقية، واستمرت في دعم الحكام المستبدين الشرسين، فإن تدفق المهاجرين سيزداد".

وخلص إلى أنه مثلما كانت فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والبرتغال قوى استعمارية، فإنهم اليوم يغذون الأسباب الحقيقية لعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الإقليمي الذي أدى إلى تدفقات اللاجئين هذه.

وعن مثال ذلك، قال: "الجيش المصري هو السبب الرئيسي للانهيار الاقتصادي في البلاد لأن الكثير من قطاعات الاقتصاد بين يديه. وقبضة المجمع الصناعي العسكري السوفييتي على الاقتصاد الفاشل في العقود الأخيرة من الإمبراطورية السوفييتية تبدو متواضعة بالمقارنة به.. ومع ذلك، تعمل فرنسا وبريطانيا وألمانيا على تعزيز الجيش الفاسد من خلال بيع الأسلحة له. ".
 

واعتبر هيرست أن "هذه سياسة واعية وليست مصادفة تاريخية".
وعن خطأ السياسة الآوروبية، حذر هيرست من أن اعتقاد قادة الاتحاد الأوروبي أنهم قادرون على إنقاذ أوروبا من خلال رعاية الديكتاتوريين، وعن طريق التخلي عن القوارب لتغرق، فهناك مفاجأة في انتظارهم. مضيفا "بدأت تدفقات المهاجرين من مصر وتونس للتوّ. هناك ملايين من المصريين والتونسيين والسودانيين والأفغان يخططون لنفس الرحلة ويدّخرون لها".