“انتهى عهد الانقلابات والأنظمة العسكرية”.. هكذا أعلن أردوغان، أمس السبت، بعد أن وضع إكليلاً من الزهور على قبر معلمه رئيس الوزراء الأسبق، عدنان مندريس.

وزار أردوغان ضريح عدنان مندريس في إسطنبول لتقديم احترامه للزعيم التركي السابق الذي حوكم وأعدم بعد عام من الانقلاب العسكري عام 1960.

قال أردوغان لمؤيديه في يناير إنه يريد مواصلة نضال مندريس من أجل الحقوق الدينية والقضايا القومية. مشيدًا بسلفه الذي أُعدم يوم السبت في محاولة منه لتنبيه الشعب التركي بخطورة الانتخابات على المسار الديمقراطي للبلاد.

فمن هو عدنان مندريس، شهيد الأذان والديمقراطية في تركيا؟

 

أول انقلاب في تاريخ تركيا

في مثل هذا اليوم، 27 مايو، قبل 63 عامًا، شهدت تركيا يومًا من أسوأ الأيام في تاريخ ديمقراطيتها، إذ انقلب الجيش على رئيس الوزراء، عدنان مندريس عام 1960 لتشهد الجمهورية التركية أول انقلاب في تاريخها.

في صباح ذلك اليوم قامت مجموعة من الضباط الانقلابيين، بالانقلاب على حكومة الحزب الديمقراطي المنتخب من قبل الشعب. وتم تشكيل لجنة مكونة من 38 ضابطًا أطلقت على نفسها اسم "لجنة الوحدة الوطنية" برئاسة الجنرال جمال غورسيل.

قامت لجنة الوحدة الوطنية بإحالة 235 جنرالاً وخمسة آلاف ضابط بالجيش بينهم رئيس هيئة الأركان على التقاعد. كما قامت باعتقال مسؤولي الدولة والمسؤولين رفيعي المستوى في القطاع الحكومي وقيادات الحزب الديمقراطي الحاكم بقيادة عدنان مندريس.

وأجريت محاكمات لـ 592 شخصًا، تمت المطالبة بإعدام 288 شخصًا منهم.

وصدر الحكم بالإعدام لـ 15 شخصًا على رأسهم رئيس الوزراء عدنان مندريس ووزيرا الخارجية فاتن روشتو زورلو والمالية حسن بولاطقان. كما عوقب 31 شخصًا بالسجن المؤبّد.

وتم تنفيذ حكم الإعدام للوزيرين زورلو وبولاطقان في 16 سبتمبر 1961، فيما أعدم عدنان مندريس يوم 17 سبتمبر 1961 في جزيرة "ياسي أدا" في بحر مرمرة.

بانقلاب 1960 بدأت سلسلة الانقلابات العسكرية على الحكومات المنتخبة وتدخلات الجيش وفرض وصايته على الحياة السياسية في البلاد والتي كانت تحدث تقريبًا مرة كل عشرة أعوام.

وبعد 29 عامًا، أقر البرلمان التركي، في 11 إبريل 1990، قانونا أعاد فيه الاعتبار إلى عدنان مندريس وأصدقائه الذي أعدموا معه.

وبموجب هذا القانون، نُقل رفات مندريس، وبولات قان وزورولو من جزيرة "إمرالي" في بحر مرمرة، ودفنوا بمراسم رسمية في شارع الوطن بإسطنبول، يوم 17 سبتمبر 1990.

وعقب مرور 52 عامًا على الانقلاب، وبالتحديد في إبريل 2012، شكل البرلمان التركي لجنة التحقيق في الانقلابات والمذكّرات التحذيرية للحكومة. وفي نوفمبر عام 2013، تمت تسمية جزيرة "ياسي أدا" بجزيرة "الديمقراطية والحرية"، ليتم بذلك مسح أثر آخر من آثار الانقلاب، وفقًا لصحيفة "يني شفق" التركية.

 

عدنان مندريس

ولد علي عدنان مندريس عام 1899 في ولاية أيدين (غرب)، من أب يدعى أدهم، وأم تدعى توحيدة.

عقب وفاة والديه وشقيقته وإنهائه دراسته انتقل إلى مزرعة في قرية "تشاكير بيلي"، ورثها عن جده.

وفي 1928 تزوج مندريس من السيدة "فاطمة برين"، وهي تنتمي إلى أسرة معروفة في ولاية إزمير الساحلية (غرب)، ورزق منها بثلاثة أطفال ذكور: هم "يوكسال"، و"موتلو"، و"أيدن".

 

الحياة البرلمانية

كان مندريس عضوًا في حزب "الشعب الجمهوري"، الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، وأصبح نائبًا عن الحزب عبر الانتخابات المبكرة، عام 1931.

ثم أصبح نائبًا للحزب عن ولاية "أيدين" في انتخابات 1935 و1939 و1943، وتولى طوال هذه الفترة مهام في الكتلة البرلمانية لـ"الشعب الجمهوري".

في 7 يونيو عام 1945، قدم مندريس مع 3 نواب آخرين عن "الشعب الجمهوري"، وهم فؤاد كوبريلي، وجلال بيار، ورفيق كورالتان، اقتراحًا إلى الكتلة البرلمانية لإزالة المواد المناهضة للديمقراطية في النظام الأساسي للحزب، وهو ما يُعرف في الحياة السياسية التركية بـ"التقرير الرباعي".

وفي 21 سبتمبر 1945 قرر ديوان الحزب، الذي اجتمع برئاسة رئيس الوزراء آنذاك، شكري سراج أوغلو، إبعاد مندريس وكوبريلي عن الحزب، لدفاعهما عن الديمقراطية في البلاد.

ولاحقا أبعد الحزب كورالتان، عقب انتقاده قرار إبعاد مندريس وكوبريلي، فيما استقال بيار، بعد رفض الحزب مقترحًا لتعديل المادتين الـ 17 و50 المقيدتين لحرية الصحافة.

 

تأسيس الحزب "الديمقراطي"

أُسس الحزب "الديمقراطي" في 7 يناير 1946، على أيدي جلال بيار، وعدنان مندريس، وفؤاد كوبريلي، ورفيق كورالتان.

في العام نفسه، فاز حزب "الشعب الجمهوري" بالانتخابات البرلمانية، وحصل مندريس على مقعد برلماني عن ولاية كوتاهية (وسط).

قال نواب الحزب "الديمقراطي" إن الانتخابات شابها تزوير، ودعوا إلى إلغائها، لكن رُفض طلبهم.

قررت حكومة حزب "الشعب الجمهوري" إجراء تعديلات على قانون الإعلام.

لكن الحزب قصر التعديلات على المادة الـ 50 من القانون، وهو ما عرضه للانتقادات، وطالب مندريس بأن يشمل التغيير المواد المقيدة لحرية الفكر والتعبير.

 

الفوز بانتخابات 1950

حصل الحزب "الديمقراطي" على 53% من أصوات المقترعين في انتخابات 14 مايو 1950، ما مكنه من حصد 84% من مقاعد البرلمان.

وفاز مؤسسو الحزب الأربعة بمقاعد برلمانية.

وصف مندريس فوز حزبه بالانتخابات قائلاً: "سيُذكر يوم 14 مايو دائمًا باعتباره يومًا تاريخيًا استثنائيًا، أنهى حقبة وبدأ حقبة جديدة. سنذكر هذا اليوم على أنه يوم نصر ليس لحزبنا، فقط ولكن للديمقراطية التركية".

بعد الانتخابات اختارت الكتلة البرلمانية للحزب "الديمقراطي" جلال بيار رئيسا للجمهورية، وكلف بدوره مندريس بتشكيل الحكومة.

شكل مندريس حكومته في 22 مايو 1950، وأعلن برنامجه في 28 من الشهر نفسه.

 

عودة الأذان بالعربية

خلال تولي حزبه الحكم، أنهى مندريس سياسات عديدة لم تكن مقبولة لدى الشعب التركي، حيث ألغى مثلا حظر رفع الأذان باللغة العربية، بعد 18 عامًا من حظر بدأ في 1932.

كما أعاد مندريس مادة التربية الدينية إلى المناهج التعليمية، بعد منعها بدعوى علمانية المؤسسات التعليمية.

وبدأ تدريس مادة التربية الدينية اعتبارًا من السنة الرابعة للمرحلة الابتدائية، بشرط أن يطلب ذلك أولياء أمور الطلاب.

 

حرب كوريا وعضوية "ناتو"

قررت حكومة مندريس، في 25 يوليو 1950، إرسال قوة عسكرية تركية إلى كوريا الجنوبية، لمساعدتها في الحرب ضد جارتها الشمالية.

وهو قرار انتقده حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، لـ "عدم استشارة الحكومة للحزب وللبرلمان".

حقق الجنود الأتراك نجاحًا عسكريًا في كوريا الجنوبية، ما لعب دورًا مهمًا في حصول أنقرة على عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في 1952.

 

تنمية اقتصادية كبيرة

منذ اليوم الأول لوصوله السلطة، انتهج مندريس سياسة اقتصادية ليبرالية، وشهدت تركيا في عهده تنمية اقتصادية كبيرة، وانتقلت إلى اقتصاد السوق الحر.

ورفعت حكومة مندريس جميع القيود أمام الواردات، وخفضت نسبة الفائدة لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار.

وأقرت الحكومة تعديلات قانونية لخصخصة المؤسسات الاقتصادية الحكومية، بهدف تشجيع دخول الأموال الأجنبية إلى تركيا.

واستفادت الحكومة من مخصصات "مشروع مارشال" الأمريكي، لبناء منشآت صناعية جديدة في تركيا، كما تم تأسيس بنك "وقف" التركي، في 1954.

وخلال هذه الفترة حقق الناتج القومي الإجمالي لتركيا نموًا بنسبة 9%.

 

أعلى نسبة فوز

شهدت تركيا انتخابات برلمانية، في 2 مايو 1954، وبلغت نسبة المشاركة فيها نحو 88.63%.

وحصل الحزب "الديمقراطي" على 56% من الأصوات، ليفوز بـ93% من مقاعد البرلمان، محققًا بذلك أعلى نسبة في تاريخ تركيا.

 

أحداث 6-7 سبتمبر

بدأت انعكاسات الأزمات التي وقعت في قبرص تجد لها أصداء واسعة في تركيا، عقب فوز الحزب "الديمقراطي" في 1954.

وشهدت العاصمة البريطانية لندن، في 29 أغسطس 1955، مفاوضات حول أزمة قبرص، لكن لم تصل إلى نتيجة؛ بسبب أحداث وقعت يومي 6 و7 سبتمبر في تركيا.

هذه الأحداث بدأت بخبر عن "تفجير" منزل أتاتورك، ولم يتم إخمادها إلا عبر فرض الأحكام العرفية.

وجاءت خطوة الأحكام بعد أن تسببت الأحداث في حرق كنائس ومدارس ومحال تجارية تابعة للروم في إسطنبول (شمال غرب)، ما اضطر آلاف الروم إلى مغادرة أراضيهم.

 

تراجع انتخابي في 1957

في انتخابات 27 أكتوبر 1957، حصل الحزب "الديمقراطي" على 47.30 % من الأصوات. لم تكن النتيجة مطمئنة بالقدر الكافي لمندريس، بسبب خسارة حزبه 8.7% من أصوات الشعب. وأرجع مندريس ذلك إلى عدم عمل كوادر الحزب بالشكل المطلوب منهم، وإلى أخبار زائفة في وسائل الإعلام.

 

حديث إينونو عن "الثورة"

في عام 1960، شكّل 15 نائبًا من الحزب" الديمقراطي" لجنة في البرلمان التركي، للتحقيق في أنشطة المعارضة والإعلام.

وإثر تشكيل اللجنة، اتهمت قيادة حزب "الشعب الجمهوري" الحزب "الديمقراطي" بتحويل تركيا إلى الديكتاتورية.

حينها، قال رئيس حزب "الشعب الجمهوري"، عصمت إينونو، عبارته الشهيرة: "أيها الأصدقاء.. إن الثورة حق مشروع للشعب عندما تكتمل شروطها".

 

محاولة خنق مندريس

وقعت أحداث واحتجاجات بين الطلاب؛ جراء أخبار كاذبة تناقلها الإعلام آنذاك، وكان أكبرها في ميدان "قزل آي" وسط العاصمة أنقرة، في 19 إبريل 1960.

وفي 5 مايو اجتمع الطلاب مجددا في "قزل آي"، فذهب مندريس إلى الميدان الذي يحتجون فيه ضده، واختلط بين المتظاهرين.

في هذه الأثناء لفّ شاب يديه حول عنق مندريس محاولاً خنقه، فسأله مندريس: "ماذا تريد (؟)".

وأجاب الشاب: "أريد حرّية"، فرد مندريس: "أنت الآن تلفّ عنق رئيس الوزراء.. هل توجد حرية أفضل من هذا (؟!)".

وفي مظاهرة بجامعة إسطنبول، قُتل شاب برصاص الشرطة.

وتناقلت وسائل إعلام أخبارًا كاذبة ادعت أن مندريس "جمع الطلاب وفرم لحمهم في مفرمة، وألقاها على قارعة الطريق".

وهو ما أثار ضجة كبيرة في تركيا، ولم تُكشف حقيقة هذا الادعاء الكاذب إلا بعد انقلاب 1960.