تعاني مصر في هذه الأيام من أسوأ أزمةٍ لنقص الدولار عبر سنوات، إلى الحد الذي تسبب في تخفيض الواردات، ومعاناة القطاع الصناعي، وتأخير جذب المستثمرين، ونشاط السوق السوداء.

ونشرت صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية تقريرًا عن “أسوأ أزمة عملات أجنبية تواجهها مصر منذ سنوات”، أن رواد أعمال حذروا من أن عدم اليقين بشأن سعر الصرف في مصر يخنق الأعمال ويعيق قدرتهم على التخطيط والاستثمار.

وقالت الصحيفة إن أرقام البنك المركزي تُظهر هذا الشهر انخفاض الواردات في النصف الثاني من عام 2022 إلى 37 مليار دولار، مقارنة بحوالي 42 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق.

 

خنق التصدير والاستيراد

وقال صاحب شركة استيراد وتصدير أجهزة هندسية، حسام عبد العظيم: "إن قطاع الاستيراد والتصدير يعاني من أزمة حادة منذ أكثر من سنة، وتتفاقم حاليًا، بسبب التضارب بين شروط البنك المركزي بالحصول على العملة الأجنبية اللازمة لإتمام صفقات الاستيراد والتصدير من خلاله فقط، وبين نقص الدولار في البنوك المصرية.

وأضاف أن المشكلة تتمحور في أن البنك يشترط أن تتم جميع معاملات الاستيراد والتصدير من خلاله، بمعنى أنه لابد من الحصول على العملة الأجنبية من البنك لكي تتمكن أي شركة من إتمام المعاملات الجمركية وإدخال البضائع التي تستوردها. وفي حالة التصدير، يجب أن يحصل البنك على المستندات المطلوبة المتعلقة بالصفقة ليقبل تحويل المبالغ المالية لحساب الشركة في مصر، وفقًا لـ"الحرة".

وأوضح عبد العظيم، 54 عامًا، أن البنك المركزي يُثبت سعر الدولار حاليًا عند 30.9 جنيه، وفي الوقت نفسه وبسبب نقص السيولة الأجنبية يرفض البنك أن يمنحك المبالغ الدولارية التي تحتاجها أي شركة لإتمام صفقات الاستيراد والتصدير.

وقال إن هذه الشروط غير المدروسة جيدًا أثرت على كثير من الشركات التي تعمل بالاستيراد، وتسببت في إفلاس بعضها وخروج البعض الآخر خارج مصر، إلى دول الخليج، على سبيل المثال.

وأضاف أن التعنت في هذه الشروط تسبب في ظهور أزمة جديدة، وهي احتجاز البضائع في الجمارك لأشهر عدة، ما يسبب خسارة كبيرة للتاجر ويتسبب في تلف البضائع ونقص السلع المعروضة في الأسواق، وبالتالي ارتفاع الأسعار.

وأوضح أن العديد من الأجهزة الهندسية الخاصة بالليزر التي يستوردها تظل في الجمارك لأشهر بسبب عدم قدرته على الحصول على العملة الأجنبية من البنوك، وبالتالي يتحمل خسائر كبيرة بسبب توقف عمله.

ويرى عبد العظيم أنه لا بديل لمصر إذا أرادت الخروج من أزمتها الاقتصادية سوى تشجيع التصنيع، وزيادة الصادرات، وتسهيل استيراد السلع الأساسية تجنبًا لحدوث عجز وأزمة في الأسواق.

وتابع عبد العظيم، الذي لديه ابنتان في الجامعة، أنه ظل طوال أكثر من 15 عامًا مصممًا على العمل في بناء شركته الهندسية في مصر ورفض العديد من العروض للعمل بالخارج سواء في أوروبا أو الخليج، لكنه الآن لا يستطيع أن يُكمل حياته وعمله في ظل هذا الوضع، وبدأ فعليًا في البحث عن فرص في الخارج.

 

السوق السوداء تستنزف الدولار

ويوضح المصرفيون سبب الانخفاض بأن هناك مصريين بالخارج يبيعون عملاتهم الأجنبية في السوق السوداء أو يحتفظون بها في توقع انخفاض قيمة الجنيه.

وقال تقرير الفايننشال تايمز إن سلسلة خفض قيمة الجنيه منذ مارس من العام الماضي، أدت لفقدان العملة المصرية نصف قيمتها، ومع هذا فقد فشلت في تعزيز تدفقات النقد الأجنبي.

وقال مصرفي مصري كبير للفايننشال تايمز إن هناك عملة أجنبية كبيرة في البلاد، تم جمعها من السياحة ومصادر أخرى، لكن الناس يحتفظون بالدولار في لتحقيق مكاسب أكبر من خفض قيمة الجنية أكثر.

ومن المتوقع حدوث تخفيض جديد في قيمة العملة، كما يقول الاقتصاديون وقادة الأعمال. لكن نقص الدولار أدى إلى ظهور سوق سوداء للعملات الأجنبية.

 

انخفاض تحويلات المصريين في الخارج

كما تراجعت تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وهي مصدر مهم للعملة الأجنبية، من 15.5 مليار دولار في النصف الثاني من عام 2021 إلى 12 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي.

وزادت أزمة العملة من الضغط على القطاع الخاص الذي يعاني بالفعل من ارتفاع التضخم، الذي بلغ 31.5 في المئة في إبريل، وارتفع سعر الفائدة 19%.

وتحدث طبيب جراحة العظام، أحمد هشام أبو المجد، الذي يعمل في ألمانيا، لموقع "الحرة"، عن تراجعه في الفترة الأخيرة عن إرسال المبالغ المالية لعائلته كما اعتاد في الأعوام السابقة، بسبب رفض البنك تسليم هذه المبالغ لأهله قبل تحويلها للجنيه وبسعر البنك، الذي يعتبر أقل بكثير من الرقم الذي يتم تداوله به في السوق السوداء.

وقال أبو المجد إنه في السابق وقبل تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية اعتاد تحويل مبلغ مالي شهري لعائلته لمساعدتهم في شؤون الحياة، ومن أجل استثمار هذه الأموال في امتلاك إحدى الشقق.

وأضاف أنه بعد الارتفاع الشديد في أسعار جميع السلع، ومع اشتراط البنك تحويل المبالغ بالجنيه ورفضه منح المبالغ بأي عملة أجنبية، أصبحت الخسارة كبيرة.

وتابع أنه مثل العديد من المصريين في الخارج حاليًا، أصبح ينتظر لأن يذهب إلى مصر في إجازة أو أحد من أصدقائه لكي يرسل معه المالغ الشهرية التي تحتاجها عائلته، ثم يحولونها من خلال السوق السوداء إلى الجنيه.