مع تجاوز سن الأربعين مرورا بالخمسين وصولا إلى قرب الستين يكون الزوجان كأنهما كانا في مشوار مرهق وقد آن لهما أن يستريحا بعد أن كبر الأولاد أو أكثرهم، تزوجوا وجاء الأحفاد، فتشعر الزوجة بكبر السن وتُراجع مشوار حياتها الذي فيه تعبت، ولأولادها ولزوجها بذلت، فتشعر بحاجتها على وضع عصا الترحال التي رحلت بها من قبل صارفة بالاتكاء عليها كل اهتمام إلى زوجها وأولادها، وها هي الآن تعزم على التفرغ لنفسها ولربها، وكأنها لم تكن في رحلتها السابقة تعمل لربها وآخرتها وهنا تبدأ المشكلة.
بدايات الغفلة:
بناء على ما سبق فإن الكثيرات من الصالحات في هذه المرحلة السنية يقبلن على حفظ القرآن وكثير منهن تفرغ ساعات للتحفيظ، فتصرف الساعات الطوال بين الحفظ والتحفيظ والمراجعة، وتكثر من التطوع بالصيام، وتكثف من أورادها فتحرص على صلاة الليل ربما بالساعات، وتلاوة أجزاء يومية من كتاب الله تعالى، ولا تفارق مسبحتها يدها حتى في حديثها مع زوجها، وكثير من الصالحات تلتحق بدورات شرعية ومجالس علم وتكثر من الحج والعمرة.
وقد رأيت الكثيرات يزداد اهتمامهن بالحجاب والمبالغة في التستر في هذه المرحلة بصورة أكبر بكثير مما كانت عليه أيام شبابها فتتحول في جملة حياتها كأنها راهبة.
وقد يسأل سائل وهل فيما سبق بأس أو حرج؟ وأي غفلة في هذا وحياة المرأة هكذا كلها ذكر وطاعة وعبادة؟
أليس الله تعالى قد أمرنا رجالا ونساء بالمسارعة في الخيرات والاجتهاد في عمل الصالحات؟ لماذا تذكر كل هذا تحت عنوان غفلة الصالحات وكل أعمالها التي ذكرت هي صحوة إيمانية ويقظة قلب، كأنك تعيب على المرأة شيئا؟
أقول وبكل صراحة ومن خلال واقع حالات ومشكلات تبلغني ورأيتها رأي عين:
إن الزوجة الصالحة في خضم ما سبق غفلت شيئا مهما بل أشياء، وأوقعت نفسها في مشكلة ضخمة، فقد غفلت بحسن نية أن لها زوجا رجلا، ما زال يحتفظ برجولته، بغرائزه وبحاجاته الجسدية، ما زال يحتاج إلى زوجة لا شيخة، زوجة لا راهبة، يحتاج إلى من يحنو عليه ويؤانسه، إلى من يغذي عاطفته ويهتم به كزوج، إنه ما زال حيا يغدو ويروح في بيئة وظيفية فرضت عليه أن يخالط فيها النساء والرجال، وبيئة ألكترونية ربما تقع عينه فيها على شيء محرم، أمامه النساء في الأسواق والشوارع، ولربما وجد أحدهم من تطارده بالاتصال وتحوم حوله لإنشاء علاقة حلالا كانت أو حراما.
وصاحبتنا الصالحة في غفلة عن كل هذا، فتجدها لفرط اجتهادها في العبادة قد أهملت زينتها، وجسدها، وفراشها بل ربما كرهت العلاقة الزوجية الخاصة وتعتبرها مضيعة للأوقات غير لائقة بهما في هذه السن، بل اخبرتني بعض الصالحات أنها تظل تبكي بكاء شديدا بعد العلاقة الحميمة بينها وبين زوجها، وأنها فقط تمثل أنها قابلة لهذه العلاقة، إنها تشعر وكأنها بنت السبعين والثمانين مع أنها ما زالت في نهاية الأربعينات أو بين الخمسين والستين، والأنكى والأشد أن تشعر زوجها بأنه قد شاخ وكبر وعيب عليه أن يهتم بحاجاته الجسدية، وأنه ينبغي عليه أن يدخل في حالة الرهبنة التي سبقته هي إليها، وغاية اهتمام المرأة بزوجها أن تقدم له طعامه وتقوم ببعض أعمال المنزل على عجل لانشغالها بأورادها.
ردود أفعال الرجال تجاه تلك الغفلات:
لا تستفيق الصالحات الغافلات على هذا النحو الذي اختصرته إلا على إضاءات حمراء قد أضيئت وأشارت إلى حصول الخطر لا قرب حصوله، لأنها لغفلتها لم تتنبه إلى إشارات كانت تظهر أحيانا وتختفي، ولفرط غفلتها عن تلك الإشارات استمرت غفلتها حتى وقع ما لم تكن تحذره، حيث توقعت أن زوجها هذا في جيبها مضمون كما يقولون، وأنه مجرد شخص عليه أن يأكل ويشرب ويتابع شئون وظيفته وعمله وأسرته لا أكثر لأنه ابن الخمسين أو الستين أو غير ذلك.
بعض الرجال تنقطع علاقته النفسية والروحية بتلك الزوجة الصالحة الغافلة فيقع بينهما ما يسميه المعاصرون "الطلاق العاطفي" ومعناه : حالة غياب المشاعر والعواطف من الحياة الزوجية فيعيشان في مكان واحد وتحت سقف واحد وكأنهما غريبان عن بعضهما وهما مضطران إلى ذلك إما حفاظا على شكل الأسرة أمام المجتمع الذي يستنكر الطلاق الفعلي أو حفاظا على الأولاد من الضياع".
وعرف بعضهم الطلاق العاطفي بأنه: " توقف العلاقة العاطفية ين الزوجين حتى يضعف التعبير عن الحاجات والرغبات النفسية والحسية بين الزوجين". وهذا النوع أكثر أنواع الطلاق حضورا وأشده ألما، إذ يشعر الزوجان بفقدان معنى الحياة، مع ألم لا يستطيعان التخلص منه للاعتبارات المذكورة.
وقد يقوي هذا الطلاق العاطفي إضافة إلى ما ذكرناه من غفلة الصالحات عن حاجات الأزواج، أن تكون المرأة ذات طباع خاصة كأن تكون المرأة عنيفة في طباعها، أو قاسية في طبعها، أو صاخبة الصوت أو غير ذلك مما كان سهلا على الرجل تجاوزه يوم كانت المرأة زوجة تراعي احتياجات زوجها قبل الدخول في حالة رهبنتها إن صح التعبير.
وبعد الطلاق العاطفي قد ينصرف الرجل إلى علاقة محرمة والعياذ بالله إن كان لا يخاف الله تعالى، أو تفاجأ الزوجة – على أحسن الأحوال أن زوجها قد بحث عن بغيته في الحلال فتزوج بأخرى.
وهنا تستفيق المرأة على خبر كالصاعقة في رأيها، وما أدراك وقع مثل هذا الخبر على مسامع المرأة الشرقية عموما.
فإذا بها تثور وتغضب، وتبكي وتحزن، وتكيل لزوجها الاتهامات، وتنعته بأوصاف أن: عينه فارغة – أو أنه شهواني يحب النساء – ولو أنه هكذا ما فعل مافعل، وقد نسيت صاحبتنا أن غفلتها أو صلت زوجها إلى ما وصل إليه.
نحن لا نحرم التعدد لأنه من مظاهر رحمات الله تعالى بخلقه لو فهمه الناس، ولا أجرد المرأة من عاطفتها وغيرتها إن وقع ذلك من زوجها، ولكني فقط أبحث عن سبب حصول ذلك من الزوج.
أيتها الأخت الصالحة الغافلة:
هل كان الزوج سيفعل ذلك إن حافظت على نفسك كزوجة، عاطفية رقيقة تهتمين برغبات زوجك، وتطورين من علاقته به وتتفننين في إبقائه محبا لك متعلقا بك؟
أم أنه مطلوب منه كبت غرائزه والوقوع في الحرام أو الألم النفسي مقابل زوجة لا تفهم طبيعة الرجل بل وتنسى نفسها كأنثى حينما تحولت إلى راهبة غاية ما تفعله أن تقدم له طعامه وكأنها بذلك فعلت كل شيء يوجب على الزوج أن يكون أسيرا لها؟
فيا أيتها الأخت المسلمة الصالحة تمثلي قول النبي صلى الله عليه وسلم " أعط كل ذي حق حقه". تفهمي طبيعة الرجل، ولا تنسي طبيعتك الأنثوية التي يريدك الرجل عليها.
اهتمي بأنوثتك، بجمالك، بزينتك، بفراشك، بكلماتك، برشاقة جسدك، اجعلي زوجك الاهتمام الأكبر بعد الله تعالى، واعلمي أن رضا الله تعالى من رضا زوجك، فإن فعلت كنت لزوجك وكان لك، وإن أهملت ودخلت في حالة "غفلة الصالحات تلك " فلا تلومين إلا نفسك لا لوم على زوجك حينئذ.
وانت أيها الأخ الصالح صارح زوجتك بما تريد منها، وأيقظها من غفلتها الزوجية، وجدد معها طرائق الحياة وأساليب المعاملة حتى تكملا الطريق على خير.
وسيكون للأزواج كلام لاحق.