يحتفل عمال مصر مع سائر عمال العالم، اليوم الأول من مايو، بيوم العمال العالمي الذي يُجسد مراحل نضال العمال من أجل تحقيق مطالبهم واستخلاص حقوقهم من بين أيدي الطبقات المسيطرة على رأس المال.

ويمر عيد العمال في مصر هذا العام ومازالوا يبحثون عن العديد من التشريعات والتعديلات بالقوانين التي سنها نظام الانقلاب في مصر والتي قلصت حقوقهم التي تتيح لهم التمتع بمظلة حماية قانونية وتضمن له حقوقهم الاقتصادية كالتأمينات والمعاشات وحرية العمل النقابي.

كما تاتي احتفالية هذا العام في وقت وصل فيه التضخم إلى معدلات قياسية وسط تضاعف أسعار السلع والغذاء وتراجع قيمة العملة المحلية وهو ما يقع عبئه بشكل مباشر على العمال وأسرهم، وسط إجراءات وإعانات حكومية هزيلة ومحدودة لم تصمد أمام تضاعف الأسعار لا سيما وأنها لا تتعلق بالعاملين في القطاع الخاص.

 

تشريعات مجحفة

مازال العمال يبحثون عن تشريعات تحقق لهم قدرًا من عدالة التعامل، تغيير “قانون العمل الجديد” الذي به العديد من التشريعات المجحفة بحقهم، والذي أثار جدلا كبيرًا حول معظم بنوده، في ظل غياب حوار مجتمعي بصدده.

ووصف حقوقيون ونقابيون سابقون قانون العمل الجديد بالسالب لحقوق العمال وسط إصرار الحكومة على عدم إجراء حوار مجتمعي بشأنه، وعدم الاستماع لرأي الطرف الرئيسي في علاقات العمل، وهم العمال، وتجاهل طلبات المنظمات النقابية “المستقلة” التي أنشأها العمال طبقاً لقانون الحرية النقابية وحق التنظيم بعقد جلسات استماع لها، عند مناقشة المشروع في مجلس الشيوخ، ثم في مجلس النواب، سيؤدي بالضرورة إلى تزايد التوترات في بيئة العمل، التي يشكل استقرارها أهم عوامل الاستقرار الاجتماعي.

وأكدوا أن مواصلة الحكومة منفردة، ودون الاستماع لأي آراء أخرى، تنفيذ نفس سياساتها المتسببة في تفاقم الأزمات، والتمادي في إصدار تشريعات اجتماعية دون حوار مع الطبقات صاحبة المصلحة فيها، مكتفية بالتحاور مع رجال الأعمال، لتزيد من إهدار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال والكادحين وتدفع بالمزيد من شرائح الطبقة الوسطى إلى مهاوي الفقر والبطالة.

وأوضحوا أن استسهال إصدار القانون مع استبعاد قطاعات عديدة من العاملين من الفئات المخاطبة بشأنه، والتي تشمل قطاعات واسعة من العمالة غير المنتظمة وعمال المنازل وغيرهم، يعني حرمانهم من أي غطاء تشريعي يضمن حقوقهم، ويشكل انتهاكاً للمبادئ الدستورية والاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التي وقعت عليها مصر وأصبحت قانوناً واجب التطبيق محلياً.

 

إضرابات بسبب ضعف الرواتب

وعلى مدار العام السابق نظم عدد من العمال في شركات وقطاعات مختلفة في مصراحتجاجات بسبب ضعف الرواتب والدخول والعلاوات الخاصة الممنوحة لهم، مقابل التضخم الكبير والمستمر في الأسعار.

 فدخل العاملون في إدارة التواصل الهاتفي لخدمة عملاء البنك العربي الأفريقي، في إضراب عن العمل في 12 إبريل؛ بسبب أزمة في زيادة الرواتب، وتجاهل البنك لمطالب نحو 100 من العاملين لتوفيق أوضاعهم، وزيادة الرواتب بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية الراهنة، رغم الوعود المتكررة من إدارة البنك بتسوية الأزمة.

وقبلها، امتنع نحو ثمانية آلاف من عمال شركة غزل المحلة عن تقاضي "منحة رمضان، احتجاجًا على قلة قيمتها باحتسابها على الراتب الأساسي للعمال، الذي تغير على مدار السنوات.

وطالبوا بصرف زيادة في الأجر بقيمة ألف جنيه كان قد أقرها عبدالفتاح السيسي لجميع العاملين في الحكومة. لكن الشركة تحايلت على تنفيذ القرار، بادعاء أنه "لا ينطبق على العاملين بالقطاعين العام والأعمال العام"، ما أثار غضب العمال ودفعهم الاحتجاج والامتناع عن صرف المنحة.

في واقع الأمر، هذه الاحتجاجات العمالية، على قلتها -خشية القبضة الأمنية الحديدية في مصر منذ صيف 2013- فإنها تعبر بصدق عن أغلب قطاعات العمال والعاملين والموظفين في مصر؛ وذلك بوضع العمال في قلب المشهد العالمي المأزوم اقتصاديًا بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية على نحو غير مسبوق نتيجة حرب روسيا وأوكرانيا، التي أثرت على دول وشعوب العالم الثالث أكثر من غيرها.

 

تعويم الجنيه خسف بالعلاوات والزيادات

وبتحليل خبراء اقتصاد للزيادات التي منحها السيسي للعمال وجد أن البيانات، تكشف أن العامل الذي حصل على علاوة سنوية قيمتها 7%، فقط انخفض أجره فعلياً بنسبة 24.2% أي حوالي الربع، ليتزايد أنين العمال المكتوم، برفض نسبة العلاوة التي وصفوها بـ"الزهيدة".

ويعادل الحد الأدنى الجديد للأجور بالقطاع الخاص البالغ 2700 جنيه 87 دولارا فقط مقابل 153 دولارا بعد قرار البنك المركزي المصري خفض قيمة الجنيه من مستوى 15.7 جنيها إلى 31 جنيها بسبب نقص العملة الأجنبية، وتراجع التدفقات النقدية من العملة الصعبة، وزيادة التزامات مصر الخارجية نحو الدائنين.

ودانالمجلس القومي مخالفة الأجور، لقانون العمل، بينما هو الجهة المنوط بها "وضع الحد الأدنى للعلاوات السنوية الدورية بما لا يقل عن 7% من الأجر الأساسي الذي تحسب على أساسه اشتراكات التأمينات الاجتماعية"، بينما تم الإعلان عن صرف 3% فقط من الحد الأدنى لقيمة الاشتراك التأميني.

ونظراً لما تعانيه الأسر المصرية جراء ضيق تدني قدرتهم على الوفاء بالاحتياجات الأساسية"، حيث أن الحد الأدنى المقدر بـ 2700 جنيه للقطاع الخاص و3000 للعاملين بالدولة، أصبحت نسبة لا تتوافق مع الارتفاعات الجنونية للأسعار.

احتجاجات وانتهاكات وانتحار

وتم توثيق 10634 انتهاكاً بحق العمال، تم تفصيلها في 900 انتهاك متمثل في تصفية العمالة، و6762 انتهاكًا متمثلًا في تأخر صرف الرواتب، و94 انتهاكًا متمثلًا في الفصل التعسفي، و76 انتهاكًا متمثلًا في قرارات وقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، وغيرها من الانتهاكات.

وأجج انتحار أحد عمال شركة يونيفرسال بمدينة السادس من أكتوبر يوم 22 فبراير2022، الغضب العمالي الذي تجسد في تظاهرات احتجاجية قامت القوات الأمنية بتفريقها بالقنابل المسيلة للدموع، مع القبض على ثلاثة عمال قبل إطلاق سراحهم ليلاً.

وأرجعت الدار في تقريرها، أزمة العمال في مصر، إلى "تعسف أصحاب العمل الذين يضربون بمعايير العمل الأساسية عرض الحائط، بل وبقانون العمل المصري ذاته، بينما تتراخى الأجهزة الحكومية وربما تتواطأ على مخالفة القانون وإهدار حقوق العمال".

هذه الأزمات العمالية المكتومة، ترجع أيضًا إلى عدم السماح للعمال بتكوين لجانهم النقابية التي تعبر عنهم داخل الشركات والمصانع، ومن ثم تنظيم أنفسهم في نقابات وكيانات عمالية تدافع عنهم.

فعلى سبيل المثال؛ عمد عمال شركة يونيفرسال إلى تأسيس منظمة نقابية، واستكملوا جميع إجراءاتها لدى مديرية القوى العاملة منذ 17 نوفمبر 2021، غير أن المديرية استنكفت عن إيداع الأوراق وتسجيل منظمتهم النقابية إلى ما بعد واقعة الانتحار والإضراب في أبريل/نيسان من العام الماضي.

وهو ما حدث أيضًا عمال مع شركة النيل للمواد العازلة بالإسكندرية (بيتونيل) التي شرع عمالها في تأسيس لجنتهم النقابية، إلى مديرية القوى العاملة بالإسكندرية في سبتمبر2021، وحصلوا منها على ما يفيد تسلمها الأوراق، غير أنها أيضاً عطلت تسجيل منظمتهم النقابية واكتسابها شخصيتها الاعتبارية.

 

التضييق على العمل النقابي
وتحتجز سلطات الانقلاب عددا من القيادات العمالية المعروفة بعملها الميداني ضد سياسات الخصخصة وتهميش دور النقابات المستقلة، والوقوف إلى جانب مطالب العمال إزاء تعسف بعض الشركات والمصانع مع عمالها، ودعمهم من الحكومة على حساب العمال.

وامتدت الاحتجاجات على الغلاء من العمال في المصانع والشركات إلى طلاب إحدى الجامعات، حيث نظم عشرات من طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة مظاهرة مؤخرا؛ اعتراضا على زيادة المصروفات الدراسية الخاصة بالفصل الدراسي الثاني، بسبب الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي.