ربط العديد من المحللين زيادة أسعار البنزين بالشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي على مصر، ورجحوا اتجاه حكومة الانقلاب إلى ربط سعر الوقود محليًا بالتكلفة الفعلية عالميًا والتي ترضي صندوق النقد الدولي.

 

الإذعان لشروط صندوق النقد

وفي تصريحات سابقة، عقب الزيادة الرابعة لأسعار البنزين في 2019، علق محمد أبو باشا، نائب رئيس قطاع البحوث بالمجموعة المالية هيرميس قائلًا إن "من المتوقع في المستقبل أن يتم ربط زيادة الوقود بسعر التكلفة، والتي تتحدد من خلال سعري صرف النقد الأجنبي وبرميل خام برنت عالميًا"، وفقًا لـ"CNN".

وعلى الرغم من مرور 4 سنوات كاملة على هذه التصريحات الصحافية، إلا أن الواقع يؤكدها، خاصة بعد شروط النقد التي أذعنت لها حكومة الانقلاب وكان منها أن تقوم الحكومة باستعادة ما تم إنفاقه على دعم الوقود خلال السنوات السابقة!

قال ياسين أحمد، الخبير الاقتصادي، "إن توجه الحكومة نحو رفع أسعار المنتجات البترولية محليًا كان حتميًا، لتغطية الزيادات العالمية في أسعار النفط الخام، خاصة مع اقتراب موعد الحصول على دفعة جديدة من صندوق النقد الدولي، موضحًا أن من أهم شروطه رفع أسعار الوقود في مصر، مما ينتج عنه تخفيض للجنيه أمام الدولار مرة أخرى"، وفقًا لـ"أهل مصر".

 

تطور أسعار النفط العالمية

وشهد عام 2022، ثلاثة قرارات بزيادة سعر البنزين (بدلًا من أربعة) أحدها تضمن زيادة واحدة للسولار.

أي أنه خلال عام 2022 لم يرفع بنزين 92 واسع الاستخدام إلا بمقدار ضئيل من 8.5 جنيه إلى 9.25 للتر، رغم القفزة غير المسبوقة منذ سنوات لأسعار النفط عالميًا، وكان واضحًا أن هذا محاولة لتجنب ضغوط تضخمية إضافية لتلك الناتجة عن ارتفاع سعر الدولار بمقدار الضعف، وانتظارًا للاتفاق مع صندوق النقد، وفقًا لـ"عربي بوست".

وتطورت أسعار النفط العالمية خلال السنوات الماضية كالآتي:

43.67 دولارًا للبرميل في عام 2016.

54.25 دولارًا للبرميل في عام 2017.

65.00 دولارًا للبرميل في عام 2018.

56.99 دولارًا للبرميل في عام 2019 (انخفض بسبب جائحة كورونا).

39.68 دولارًا للبرميل في عام 2020 (انخفض بسبب جائحة كورونا).

68.17 دولارًا للبرميل في عام 2021.

94.53 دولارًا للبرميل في عام 2022 (ارتفع بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا).

77.00 دولارًا للبرميل في الشهور الأولى من عام 2023.

 

ما سعر البنزين الذي يرضي صندوق النقد؟

وقبل موجات تخفيض الجنيه التي بدأت في مارس 2022، وبناء على ما سبق يمكن افتراض أن سعر بنزين 92 كان يدور حول ثمانية جنيهات، ليكون غير مدعم بالمعايير التي يتقبلها صندوق النقد، وذلك في حال كان سعر برميل النفط عالميًا يدور في نطاق الستينيات مثلما كان في عامي 2018 و2021، وهو سعر يمكن اعتباره مرجعيًا، لأنه ليس مرتفعًا كما يحدث في أوقات الأزمات السياسية مثل عام 2022، وليس منخفضًا بشكل مبالغ فيه مثلما يحدث في أوقات تخمة النفط، حينما يتراجع الاستهلاك العالمي، كما جرى في عام 2020 أثناء جائحة كورونا.

ولكن الآن أصبح سعر ثمانية جنيهات لبنزين 92 منخفضًا جدًا بالمعايير السابقة المرضية لصندوق النقد، نظرًا لأن سعر الدولار تضاعف أمام الجنيه من 15.5 إلى نحو 31.7 جنيهًا.

ولذا لكي يتم تعويض انخفاض الجنيه الكبير، فإن السعر الذي يجعل الوقود غير مدعم يدور حول ضعف سعر 8 جنيهات لبنزين 92 الأكثر شيوعًا.

 

زيادة أسعار البنزين

ولكن يجب ملاحظة أن متوسط أسعار النفط قد ارتفعت بعد الأزمة الأوكرانية مقارنة بالسنوات السابقة، التي يمكن اعتبارها مرجعية مثل 2018، و2021.

ووفقًا لـ"عربي بوست"، يُعتقد أن أسعار النفط ستدور في عام 2023، و2024 حول معدل أقل قليلًا من المتوسط المسجل في العام الماضي، مع تأكد الأسواق الدولية من استقرار إمدادات النفط العالمية، ونهاية المخاوف من تأثرها بالأزمة والعقوبات الغربية على روسيا.

وبالفعل ترى إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن متوسط ​​سعر خام برنت الفوري سيكون عند 83.63 دولار للبرميل في عام 2023، و77.57 دولار للبرميل في عام 2024.

يعني هذا أن أسعار النفط العالمية سوف تكون أعلى في المتوسط خلال العام الحالي، بنسبة تدور حول الربع، مقارنةً بعامي 2018، و2021 المرجعيين.

وهذا يعني أنه إضافة للحاجة لمضاعفة سعر بنزين 92، لتعويض هبوط الجنيه، سوف تكون هناك زيادة بنحو الربع لتعويض ارتفاع متوسط سعر النفط المتوقع العام الحالي، وقد تنخفض هذه النسبة لنحو 10% في عام 2024، حسب التوقعات لأسعار النفط.

ويعني هذا أننا أمام سعر متوقع - لو طبقت هذه المعايير - يتراوح بين 18 إلى 20 جنيهًا لبنزين 92 الأكثر شيوعًا.

 

هل يصل سعر البنزين إلى 20 جنيهًا؟

هذا لن يتم في الغالب دفعة واحدة، بل عبر زيادات كل ثلاثة أشهر تتراوح كل واحدة منها بين نصف جنيه إلى جنيه على مدار العام الحالي، الذي تبقى منه ثلاث زيادات وكذلك العام القادم.

أي تبقى لحكومة الانقلاب نحو سبعة فصول من الزيادات، كل منها بمتوسط جنيه أو أقل، وهو قد لا يكفي لتحقيق السعر المستهدف، لأن الزيادة بمعدل 6 جنيهات قد تصل بالبنزين 92 إلى 16 جنيهًا، بينما السعر الذي قد يرتضيه الصندوق ويقلل دعم البنزين لأقصى حد، يمكن أن يتراوح بين 18 إلى 20 جنيهًا، وفقًا لهذا التحليل.

 وبالتالي قد تبقى هناك حاجة لإقرار زيادة في عام 2025، وقد تتخلى الحكومة عن هذا المسار الصعودي لسعر الوقود، إذا تحسنت أوضاعها المالية، وأصبحت قادرة على التملص من ضغوط صندوق النقد، علمًا أن برنامج الصندوق مداه الزمني 46 شهرًا.

ولكن حكومة الانقلاب قد تصبح أمام مأزق لو تراجع الجنيه بشكل كبير أمام الدولار، وهناك توقعات بوصوله لمستوى 34 (وهو تراجع ليس كبيرًا مقارنة بالتراجعات السابقة، إذ يعادل نحو 10% من قيمة الجنيه الحالية).