أرسل قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي في فبراير الماضي رسالة إلى حلفائه الخليجيين، قائلا في القمة العالمية للحكومات في دبي، حيث كان ضيف شرف، إن "أهم نقطة هنا هي الدعم من إخواننا".

وكان يشير إلى عمليات الدعم بعشرات المليارات من الدولارات التي تلقتها مصر من دول الخليج الغنية على مدار العقد الماضي.

غير أن الدائنين الخليجيين يغيرون الآن الطريقة التي يقدمون بها الدعم المالي لحليفهم في شمال إفريقيا، ويبتعدون عن الدفعات غير المشروطة وودائع البنك المركزي ويتجهون نحو الحصول على حصص كبيرة في بعض أصول مصر المميزة. وطالما كان العديد من هذه الأصول تحت سيطرة الجيش، وهو عملاق اقتصادي والعمود الفقري لسلطة السيسي.

 

العوائد قبل الدعم

وينظر الجيران إلى مصر على أنها أساسية للاستقرار الإقليمي وقد وجدت في كثير من الأحيان يد المساعدة من الدول العربية الأكثر ثراءً. لكن هذه المرة، يريد الحلفاء الخليجيون -خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- رؤية عوائد.

تم التعبير عن التحول الواضح في السياسة من قبل محمد الجدعان، وزير المالية السعودي، في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في سويسرا، في يناير الماضي.

وقال إنهم اعتادوا على تقديم منح وإيداعات مباشرة "دون قيود"، لكنه لم يذكر المستفيدين تحديدًا. وأضاف: "نحن نغير ذلك بينما نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول في الواقع إننا نريد رؤية الإصلاحات".

ويأتي النهج الخليجي الجديد للمساعدة في الوقت الذي تطبق فيه مصر إصلاحات اقتصادية صعبة بعد اتفاقية قرض بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، والذي يقول محللون إنه تأثر بشدة بدول الخليج.

كانت مصر قد لجأت إلى صندوق النقد الدولي 3 مرات من أجل عمليات الإنقاذ في السنوات الست الماضية قبل الجولة الأخيرة. بحلول الربع الأول من السنة المالية الحالية، بلغت الديون الخارجية 155 مليار دولار، وفقًا لوسائل الإعلام الحكومية. وهذا يعادل حوالي 86% من ناتجها الاقتصادي السنوي.

تعاني اليوم مصر والتي يبلغ عدد سكانها 106 ملايين نسمة، من أزمة عملة وتضخم شديد، مما يجعل ملايين المواطنين غير قادرين على تحمل تكاليف السلع الأساسية. بلغ التضخم أعلى مستوى في خمس سنوات، وفقد الجنيه ما يقرب من نصف قيمته في سلسلة من التخفيضات منذ مارس 2022.

تعهدت دول الخليج في العام الماضي وحده، بتقديم 22 مليار دولار لمصر في الوقت الذي واجهت فيه أزمة اقتصادية ناجمة جزئيًا عن تداعيات الحرب الأوكرانية، حسبما ذكرت وكالة رويترز.

 

"مهمة جدًا لدرجة لا يُسمح بسقوطها"

قال جمال سيف الجروان، الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين الدوليين، وهو تجمع لأكبر المستثمرين الدوليين في الإمارات، لشبكة CNN إن مصر مهمة جدًا لدرجة لا يُسمح بسقوطها وستحظى دائمًا بدعم الإمارات. لكنه أضاف أن الطلبات المتكررة للمساعدة يمكن أن تختبر صبرها.

وتابع قائلا: "بالعودة مرارًا وتكرارًا (للحصول على قروض)، قد تفقد ماء الوجه من جهة، ومن جهة أخرى قد تفقد المصداقية".

وافقت مصر في اتفاقها الأخير مع صندوق النقد الدولي، على عدد من الإصلاحات غير المسبوقة بما فيها تقليص بصمة الدولة والجيش في الاقتصاد وإخضاع المؤسسات المملوكة للدولة والجيش للإفصاحات المالية الإلزامية.

كما وعدت بتبني سعر صرف مرن وطرح حصص في عدة مؤسسات حكومية رئيسة للبيع.

ومع ذلك، لقد كان التقدم للوفاء بهذه الشروط بطيئًا، ويقول المحللون إن الصد من قبل الجيش -المؤسسة التي قد تظهر باعتبارها الخاسر الأكبر في اتفاقية صندوق النقد الدولي- قد يكون وراء ذلك.

قال تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن، إنه "داخل مصر، من الواضح أن النظام في حالة صراع"، وفقًا لـ"CNN".

وأضاف: "من الواضح أن الجيش هو الذي حقق أكبر مكاسب، وبالتالي لديه الكثير ليخسره من صفقة كهذه. ولكن يحتاج السيسي أيضًا في نهاية المطاف للحفاظ على العمود الفقري لنظامه موحدًا وراءه". وتابع بالقول: "أتخيل أن هذا هو ما يتفاوضون عليه الآن، من سيتخلى عن ماذا، وأين يقع العبء".

قال مجلس الوزراء المصري في الشهر الماضي إنه سيبيع حصصًا في 32 شركة مملوكة للدولة والجيش، بينهم بنوك بارزة وشركتان مملوكتان للجيش على الأقل.

وقال الجروان: "مصر بحاجة إلى إجراء إصلاحات.. وفي بعض الأحيان قد لا تحظى تلك الإصلاحات بشعبية كبيرة"، مضيفًا أن مقاومة الجيش أمر طبيعي، لكنه سيشرع في الخصخصة لإنقاذ الاقتصاد. وأضاف أن التغييرات ستجعل البلاد "أقوى بكثير وأكثر انضباطًا وأكثر إصلاحًا".

وتابع الجروان بالقول إن الإمارات تراقب جهود الخصخصة في مصر "عن كثب"؛ لأنها تريد زيادة استثماراتها في البلاد من 20 مليار دولار حاليًا إلى 35 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، وتأمل في تجاوز هذا الرقم في النهاية.

ويقول محللون إن دول الخليج دفعت مصر لقبول شروط صندوق النقد الدولي خاصة تلك المتعلقة بالخصخصة.

وقال الجروان إن الإمارات لا تتدخل في مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي، لكنه أضاف أن المصريين "يستمعون إلينا عن كثب".

وأضاف أن الجيش المصري "تصرف كقطاع خاص" لسنوات لدعم الاقتصاد وقد حان الوقت الآن لإفساح المجال للخصخصة مع دخول مصر "الموجة التالية من الرأسمالية".

 

الخيار الوحيد لمصر

لكن لا يتوق الجميع لرؤية زيادة الاستثمار الأجنبي من الخليج. كان هناك قلق بين المصريين غير الراضين عن بيع أصول الدولة للجيران. وقال كالداس: "هناك قلق بالفعل في مصر بشأن الحجم الذي يتم فيه بيع الدولة قطعة قطعة إلى الخليج".

من جانبه، رأى عبدالخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في الإمارات، أن مخاوف المصريين لا أساس لها من الصحة. وقال لشبكة CNN: "بين الحين والآخر، يظهر هؤلاء الذين يريدون حماية الشركات المصرية". وأضاف أن النقاد يتجاهلون الفوائد التي ستأتي.

وتابع قائلا: "أعتقد أنهم (النقاد) لا يفهمون أن الاستثمارات لا تجلب الأموال فحسب، ولكن (أيضًا) التكنولوجيا والخبرة ويفتحون البلاد". مؤكدًا أن الإمارات حليف ملتزم لمصر.

قال المسؤولون المصريون مرارًا وتكرارًا إنه بعد ثورة عام 2011، لم يستطع القطاع الخاص تحمل الأعباء التي أعقبت ذلك، مما أجبر الدولة والجيش على التدخل.

يقول محللون إن بيع أصول الدولة هو السبيل الوحيد لمصر للخروج من أزمتها الاقتصادية. ومن المتوقع أن يكون المشترون الأكثر احتمالًا من المستثمرين الأجانب، وخاصة من الخليج.

قال كالداس: "هل هناك آلية لإنقاذ مصر دون أموال خليجية؟ ليست واقعية إن وُجدت. وأضاف: "إنهم (مصر) عالقون حقًا، ومن الناحية العملية، قد يكون هذا النظام تحت حكم السيسي مسؤولًا عن إضعاف مصر بشدة من الناحية الجيوسياسية بسبب ضعفها المالي".