قبل 46 عامًا وتحديدًا في ما عرف بانتفاضة يوم 18 و19 يناير 1977، تظاهر المواطنون ضد ارتفاع أسعار اللحوم، وهتفوا باسم رئيس وزراء مصر قائلين: "سيد مرعي يا سيد بيه، كيلو اللحمة بقى بجنيه"، فماذا يمكن أن يقولوا اليوم لقائد الانقلاب وعصابته؟!

وتبيع المحال الكبرى مثل كارفور، ومترو، وألفا ماركت، وسعودي، كيلو اللحمة بـ300 جنيه، ومحال الأحياء الشعبية تبيعها من 230 إلى 250 جنيهًا، ويقول بعض الجزارين إن السعر سيرتفع لـ350 جنيهًا للكيلو بشهر رمضان!

وأدت هذه الأزمة إلى إغلاق الكثير من الجزارين محلاتهم خلال الأسابيع الماضية؛ لتعذر حصولهم على عجول من وسطاء المذبح بأسعار تحقق هامش ربح لهم بعد خصم تكاليف التشغيل، حيث تخطى سعر الكيلو الواحد من العجول الحية، مؤخرًا الـ100 جنيه بزيادة تقدر 40% عن سعرها؛ فما أهم أسباب أزمة ارتفاع أسعار اللحوم؟

 

جشع التجار

يرصد محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء، إغلاق الكثير من أصحاب محال الجزارة خلال الأسابيع الماضية لتعذر حصولهم على عجول من وسطاء المذبح بأسعار تحقق هامش ربح لهم بعد خصم تكاليف التشغيل، وهو ما يعتبره حلا مؤقتا لوقف نزيف الخسائر بالنسبة للجزارين.

ويرى محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء، أن من أهم أسباب ارتفاع أسعار اللحوم هي الزيادة المستمرة في أسعار علف الماشية رغم إعلان الحكومة الإفراج عن البضائع المكدسة بالموانئ على خلفية أزمة تعطيل الاستيراد التي تسبب فيها شح العملة الصعبة وخروج الأموال الساخنة من أدوات الدين المحلية، مطالبا الحكومة.

وبحسب تقديرات خبراء، يتراوح سعر علف الماشية من 5 آلاف جنيه إلى 12 ألف جنيه للطن الواحد، تستهلك رأس الماشية 2% من وزنها يوميا أعلاف، لذا تحتاج إلى عشرة كيلو علف يوميا، يكلف المربي من 50 إلى 120 جنيه قبل إضافة بقية تكاليف الإنتاج الأخرى، مما ترتب عليه ارتفاع أسعار اللحم بهذا الشكل، وفقًا لـ"رصيف 22".

وبحسب تقرير سابق لوزارة الزراعة الأمريكية، صادر في أكتوبر 2021، تتراوح تكلفة أعلاف الحيوان في مصر بين 45 جنيهًا إلى 60 جنيهًا في اليوم، زادت هذه التكلفة بشكل كبير بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار الأعلاف نتيجة تعطيل الاستيراد.

وحتى أواخر العام الماضي، أفرجت الحكومة عن نحو 1.5 مليون طن من إجمالي مستلزمات الأعلاف، في إطار تحركات الحكومة لإنهاء تكدس السلع والمواد الخام بالموانئ نتيجة لغياب السيولة الدولارية.

 

أزمة الدولار

تعتبر أزمة تناقص الدولار في البنوك المصرية أحد أسباب ارتفاع أسعار اللحوم، حيث سجل التضخم في مصر أعلى مستوى بـ5 سنوات في يناير، مع الارتفاع القياسي لأسعار المواد الغذائية بفعل تراجع قيمة الجنيه لنحو 90% من قيمته أمام الدولار خلال نحو عام.

وكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الخميس الماضي، أن التضخم السنوي في المدن قفز إلى 25.8%، فيما جاءت نسب ارتفاع مجموعة اللحوم والدواجن نحو 20.6%.

ويرى الحاج عبدالله الجزار، أنه "منذ مطلع العام تزيد أسعار اللحوم بمعدل أسبوعي بنحو ما بين 10 و20 جنيها"، مبينا أنه كان يبيع "اللحم الجملي بـ140 جنيها مع نهاية العام الماضي، لتصل اليوم ما بين 180 و200 جنيه"، وفقًا لـ"عربي21".

وأكد أن "الأزمة غير مصطنعة ولها جانبان، الأول: ارتفاع سعر المستورد من اللحوم والماشية والجمال، والثاني: غلاء سعر غذاء الحيوانات بسب نقص المعروض من الأعلاف والذرة وغيرها، وكلاهما بفعل ضعف قيمة الجنيه مقابل الدولار".

 

غياب دور الدولة

سبب آخر جوهري أشار إليه رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء" محمود العسقلاني هو غياب دور الدولة في دعم الثروة الحيوانية حيث تستورد مصر 40% من احتياجاتها على الأقل من اللحوم، في وقت تغض أجهزة الدولة الطرف عن ذبح إناث المواشي خارج المجازر الرسمية، ما يهدد الثروة الحيوانية، ويقل من المعروض ما يتسبب في خلق حالة مضاربة بالأسعار لمن يملك الماشية.

ومن جهته، قال مستشار وزير التموين الأسبق، الدكتور عبد التواب بركات: "السبب الرئيس لأزمة الغذاء في مصر ترجع لتعمد السيسي إهدار فرص الاكتفاء الذاتي من الإنتاج المحلي، وإلغاء دعم المزارعين وإفقارهم".

وأكد أنه إن "لم يتراجع النظام عن هذه السياسة ويدعم مشاريع الإنتاج المحلي ويعالج مشكلة البطالة لتحسين دخل المواطن وزيادة القوة الشرائية اللازمة لدوران عجلة الاقتصاد المصري فسوف تزيد أزمة الغذاء وترتفع الأسعار وتختفي السلع الغذائية من الأسواق"، وفقًا لـ"عربي 21".

ولا يستبعد أن "تتسبب أزمات الغذاء المتزامنة من سياسة القمع وبطش القبضة الأمنية بحريات المواطنين في اندلاع احتجاجات شعبية تهدد نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي وقد تسقطه كما حدث في ثورة يناير".

 

تحقيق أكبر استفادة لشركات الجيش

ويرى بركات أن "رأس النظام يروج لمقاطعة السلع من حين لآخر لإلقاء اللوم على التجار، ولفت النظر عن سياساته الاقتصادية الفاشلة، وقال أكثر من مرة: (السلعة اللي يزيد سعرها ما تشتروهاش).

وأضاف: "كذلك يطلق الإعلام الموالي للنظام حملات مقاطعة منظمة وممنهجة للسلع المحلية على وجه الخصوص، مثل حملة بلاها لحمة، بلاها فراخ، وخليها تعفن، وغيرها".

وأوضح أنه في المقابل، "لم توجه حملة مقاطعة واحدة طوال سنوات حكم الجنرال السيسي للحوم المجمدة أو الدواجن المجمدة، لأن الشركات التابعة للجيش هي التي تقوم باستيراد هذه السلع". ومن ثم يصب ارتفاع أسعار اللحوم في مصلحة الجيش، حيث ينصرف المواطنون عن اللحوم الحية إلى اللحوم المستوردة التي تقوم باستيرادها شركات الجيش، وهو ما يضاعف أرباحهم أكثر من مرة على حساب المواطن.

 

فشل مشروع البتلو

سعت الدولة منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى تبني مشروع قومي لتعزيز إنتاج لحوم البتلو، من خلال منح القروض الميسرة لمربي المواشي، جددته وزارة الزراعة في 2017، مصحوبًا بقرارات عدم ذبح عجول الجاموس والبقر من الذكور قبل بلوغ وزن 400 كيلو جرام، لتعزيز فرص تكاثر المواشي المحلية، إلا أن جزارين قالوا إنهم لم يلمسوا تأثير ذلك على حجم المعروض في ظل تناقص الإنتاج.

ودافع وزير الزراعة في وقت سابق عن ما اعتبره البعض "فشل مشروع البتلو"، قائلًا: "مش أي حد يتكلم في الميديا وهو مش عارف، مشروع البتلو له لجنة وإدارة وبنوك ويتابع من القيادة السياسية، موضحًا أن إجمالي ما تم ضخه في مشروع البتلو 7 مليارات جنيه، مشيرًا إلى أن عدد المستفيدين وصل إلى 41 ألف مستفيد.

الوزير أردف: لولا مشروع البتلو لارتفعت أسعار اللحوم خلال الفترة الماضية، عازيًا ارتفاع أسعار اللحوم إلى زيادة أسعار الأعلاف عالميًا، تأثرا بالأزمة الروسية الأوكرانية.

تقول وزارة الزراعة إنها تحقق 60% من الاكتفاء الذاتي من اللحوم، في وقت تشير بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء إلى انخفاض أعداد رؤوس الماشية والحيوانات في مصر بنسبة تبلغ 62.1% خلال الفترة بين العامين 2014 و2020، وتراجع أعداد المذبوحات من الماشية من 7.5 مليون رأس في عام 2015 إلى 3.9 مليون رأس عام 2020.