تشهد أسعار اللحوم البلدية في مصر ارتفاعًا غير مسبوق وصلت في بعض مناطق الحضر إلى 250 جنيهًا، بينما لا تقل عند أدنى مستوياتها عند 220 جنيهًا، وسط توقعات أن يصل سعرها إلى 300 جنيه، الأمر الذي أرجعه مسؤولون بشعبة القصابين التابعة لاتحاد الغرف التجارية إلى زيادة سعر كيلو العلف نتيجة تعطيل حركة الاستيراد خلال الأشهر الماضية، إلى جانب تنامي ظاهرة الذبح العشوائي لصغار الماشية.

وكشف الصحفي محمد جمال عرفة أن "المحال الكبرى مثل كارفور، ومترو، وألفا ماركت، وسعودي، تبيع كيلو اللحمة بـ300 جنيه، ومحال الأحياء الشعبية تبيعها بـ240 جنيها، والقليل يبيعها بـ200 جنيه"، ناقلا عبر صفحته على "فيسبوك" عن جزارين أن السعر سيرتفع لـ350 جنيهًا للكيلو بشهر رمضان.

أصحاب مستويات مرتفعة من الدخل من المصريين اشتكوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أسعار اللحوم، بينهم السفير السابق فوزي العشماوي، الذي أكد عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أن كيلو اللحمة بلغ 326 جنيهًا.

 

بالتقسيط والكمبيالات

وفي ظل إحجام بعض المصريين عن شراء اللحوم، وعجز نسبة ليست بالقليلة عن الشراء، قرر بعض التجار بيع اللحوم للأهالي بالتقسيط، مقابل دفع مبلغ مالي كمقدم يصل لـ50 جنيهًا وسداد الباقي بالتقسيط، بواقع 20 جنيهًا كل أسبوع مقابل توقيع إيصال أمانة للجزار.

هذا ما لخصه مقطع فيديو مثير للجدل زادت معه تفاعلات المواطنين الغاضبة من سياسات قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، والساخرة منه أيضًا، روجه أحد الجزارين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بمدينة دمياط، وفقًا لـ"عربي 21".

العديد من النساء الريفيات، أكدن رفضهن لفكرة تقسيط سعر اللحوم، مشددات على أنهن لن يأكلن بالدين، ولن يضعن أنفسهن في السجن مقابل وجبة لحوم.

شراء اللحوم بالنسبة لهن كان يجري بشكل منتظم مرة كل أسبوع، بحسب سوق القرية الأسبوعي، ولكن هذا توقف مع ارتفاع سعر اللحوم الجملي المفضلة لديهم إلى ما بين 180 إلى 200 جنيه، ارتفاعًا من 100 و120 جنيهًا قبل نحو عام.

وأوضحن أن كثيرات تجتمعن مع جيرانهن وأقاربهن على شراء بعض العجول أو الجمال وذبحها خاصة في عيد الأضحى، ووضعها في ثلاجات تكفيهن عدة شهور، ما يمثل سعرا منخفضا عن سعر الجزار بنحو الثلث، تقريبا.

 

هل تجدي المقاطعة؟

انتشرت في الأسابيع الماضية حملات غير منظمة لمقاطعة شراء اللحوم بسبب ارتفاعها في مناطق كثيرة عن 250 جنيهًا، بهدف الضغط على الجزارين، لضبط الأسعار من جديد.

أحمد سميح، موظف أربعيني ورب اسرة، كان من بين المقاطعين ولكنه يوضح: "أقاطع الشراء بشكل إجباري وليس استجابة اختيارية للحملة. لم أعد أستطيع أتناول البروتين إلا مرة واحدة أسبوعيًا، لو هقدر أجيب فرختين بتمن كيلو اللحمة (سعر الكيلو من الدواجن المذبوحة يصل 180 جنيهًا)، مثلًا يبقى وجبة الغداء هتكلفني 250 على الأقل، ولو لحمة يبقي 300 جنيه"، وفقًا لـ"رصيف22".

ولفتت بعض النساء إلى حرصهن على شراء اللحوم على الأقل مرتين في الشهر، وتعويض النقص بالدواجن البيضاء، مؤكدات أن المقاطعة أصبحت إجبارية وليست خيارا يملكنه، وأن التي كانت تشتري 2 كيلو أو كيلو ونصف لأسرة من 6 أفراد أصبحت تكتفي بكيلو واحد.

بحسب بيانات حديثة للجهاز المركزي المركزي للإحصاء، فقد تأثر نمط استهلاك 65.8% من الأسر المصرية في إنفاقها على السلع، فيما انخفض استهلاك حوالي 90% من الأسر من البروتينات "لحوم وطيور وأسماك"، مقابل زيادة في استهلاك المصريين من الخبز والبقوليات.

وترجع دراسة المركزي للإحصاء أسباب انخفاض الاستهلاك إلى ارتفاع أسعار السلع و"جشع التجار" الذي دفع كثيرين إلى تغيير نمط إنفاقهم.

"المقاطعة عمرها ما هتنجح سواء من الجزارين أو المواطنين لأن عددنا كبير ولا نقدر الاستغناء عن اللحمة في حياتنا مهما بلغ سعرها" يتحدث الجزار أحمد الصغير عن تقديراته لحملات المقاطعة التي ينتشر صداها في الأسواق وصفحات التواصل الاجتماعي احتجاجا على ارتفاع أسعار اللحوم بشكل مبالغ فيه في الآونة الآخيرة.

يرصد محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء، إغلاق الكثير من أصحاب محال الجزارة خلال الأسابيع الماضية لتعذر حصولهم على عجول من وسطاء المذبح بأسعار تحقق هامش ربح لهم بعد خصم تكاليف التشغيل، وهو ما يعتبره حلا مؤقتا لوقف نزيف الخسائر بالنسبة للجزارين.

غير أن ما ينتظرهم العسقلاني أن يقاطعوا اللحوم ليسوا الجزارين وسطاء هذه التجارة بل المواطنين بهدف الضغط على أصحاب المزارع والمتحكمين في صناعة الأعلاف لتخفيض سعر الكيلو الواحد من العجول الحية، حيث تخطى سعر البيع الماشية من المزارع مؤخرا الـ100 جنيه بزيادة تقدر 40% عن سعرها.

 

السعر العادل لكيلو اللحمة

أكدت سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك، أن ثقافة المقاطعة غير موجودة عند المصريين منذ فترة طويلة ولكن الوضع يختلف الآن والمقاطعة للسلع المرتفعة سيؤدي لنتيجة، قائلة: نعاني من استغلال كبير ولازم يكون في موقف من المستهلك نفسه ضد التجار.

وأضافت الديب، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "حديث القاهرة"، مع الاعلامية كريمة عوض، على قناة القاهرة والناس، أن المصريين قادرين على إجبار التجار المحتكرين على التراجع عن الاستغلال، مطالبة بمقاطعة اللحوم شهر واحد فقط كتجربة لإيقاف التجار عن استغلال المواطنين، وفقًا لـ"موقع البوابة".

وأوضحت أن ما يحدث من ارتفاع لأسعار اللحوم نوع من الاحتكار المدمر وما يحدث يؤدي إلى انقلاب مجتمعي ستكون عواقبه سيئة جدًا، مشيرة إلى أن السعر العادل لكيلو اللحمة هو 110 جنيهات ولا يزيد عن 140 بأي حال من الأحوال.

 

الجيش هو المستفيد

وفي تقديره لحجم أزمة البروتين واللحوم الحمراء والبيضاء والبيض في مصر، قال مستشار وزير التموين المصري الأسبق، الدكتور عبد التواب بركات: "يعاني المواطن من أزمات معيشية متكررة منذ سنة 2014، فاللحوم زاد سعرها من 55 جنيهًا إلى 220 – 250 جنيهًا، والأسماك والدواجن، والبيض الذي زاد سعره من 30 جنيهًا للكرتونة حتى تخطى الـ100 جنيه مؤخرًا.

وبشأن دعوة شراء اللحوم بالتقسيط، قال إن "رأس النظام يروج لمقاطعة السلع من حين لآخر لإلقاء اللوم على التجار، ولفت النظر عن سياساته الاقتصادية الفاشلة، وقال أكثر من مرة: (السلعة اللي يزيد سعرها ما تشتروهاش)، وفقًا لـ"عربي 21".

وأضاف: "كذلك يطلق الإعلام الموالي للنظام حملات مقاطعة منظمة وممنهجة للسلع المحلية على وجه الخصوص، مثل حملة بلاها لحمة، بلاها فراخ، وخليها تعفن، وغيرها".

وأوضح أنه في المقابل، "لم توجه حملة مقاطعة واحدة طوال سنوات حكم السيسي للحوم المجمدة أو الدواجن المجمدة، لأن الشركات التابعة للجيش هي التي تقوم باستيراد هذه السلع".

تقول وزارة الزراعة إنها تحقق 60% من الاكتفاء الذاتي من اللحوم، في وقت تشير بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء إلى انخفاض أعداد رؤوس الماشية والحيوانات في مصر بنسبة تبلغ 62.1% خلال الفترة بين العامين 2014 و2020، وتراجع أعداد المذبوحات من الماشية من 7.5 مليون رأس في عام 2015 إلى 3.9 مليون رأس عام 2020.

وتستورد مصر ما بين 40 و50% من استهلاكها من اللحوم، بنحو 1.2 مليون طن سنويًا، والنسبة المتبقية من اللحوم البلدية، بحسب وزارة التموين.