كشف البنك المركزي، في بيان الخميس الماضي، أن تحويلات المصريين العاملين في الخارج انخفضت بنسبة 21% في الربع الأول من العام المالي 2022 - 2023، حيث بلغت 6.4 مليارات دولار في الفترة بين يوليو وسبتمبر من عام 2022، مقارنة بـ8.1 مليارات دولار في الفترة نفسها من عام 2021.

وحققت تحويلات المصريين العاملين بالخارج أعلى مستوى لها تاريخيًا خلال السنة المالية 2021-2022 عندما سجلت نحو 31.9 مليار دولار، وسط توقعات باستمرار تحسن التحويلات من الخارج لتتجاوز هذا الرقم القياسي.

وتمثل تحويلات المصريين في الخارج أكبر مصدر للعملة الأجنبية في البلاد، تليها الصادرات والسياحة وإيرادات قناة السويس على الترتيب. وتزامن انخفاضها مع فترة تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار العام الماضي، وارتفاع سعر صرف العملة الأمريكية في السوق السوداء.

 

تحويلات المواطنين خلال السنوات السابقة

وفي حين عدّ مراقبون التراجع «أمرًا طبيعيًا» بالنظر إلى ارتفاع تكلفة المعيشة في دول عدة حول العالم خلال العام الماضي، فإنهم أشاروا إلى أنه «إشارة مهمة»، إذ تمثل تلك التحويلات موردًا رئيسيًا للاقتصاد المصري من العملات الأجنبية.

وكانت التحويلات قد بدأت في التراجع العام الماضي، وبلغت خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2022 نحو 20.9 مليار دولار، مقابل نحو 21.4 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق، بحسب بيان للبنك المركزي في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبلغت تحويلات المصريين في الخارج خلال العام المالي (2021 - 2022)، مستوى تاريخيًا عندما سجلت 31.9 مليار دولار، مقابل نحو 31.4 مليار دولار في (2020 – 2021)، ونحو 27.8 مليار دولار في العام المالي (2019 – 2020)، ما جعل مصر خامس أكبر متلقٍ للتحويلات الخارجية عالميًا، وفقًا لتقرير «الهجرة والتنمية» الصادر عن البنك الدولي في مايو الماضي.

 

أبز أسباب تراجع التحويلات

1 - تسريح أعداد كبيرة من المصريين العاملين بالخارج

يشير الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي إلى أن الحديث عن تراجع تلك التحويلات «أمر طبيعي» بالنظر إلى «الطفرة التي شهدتها فترات سابقة نتيجة تسريح أعداد كبيرة من المصريين العاملين بالخارج نتيجة تداعيات أزمة فيروس (كورونا) وتوقف شركات عدة عن العمل»، وفقًا لـ"الشرق الأوسط".

 

2 - انخفاض رواتب الكثير من العمالة المصرية بالخارج

ويضيف النحاس أن «انخفاض التحويلات خلال الأشهر الماضية، يرتبط بانخفاض رواتب أعداد غير قليلة من العمالة المصرية بالخارج، وارتفاع تكاليف الحياة بالنسبة لقطاعات واسعة منهم، وهو ما يُعرّض هذه القطاعات من العمالة إلى مخاطر تآكل الدخل، ويؤثر سلبًا في قدراتهم الادخارية، وبالتبعية يقلص تحويلاتهم لبلدانهم الأصلية».

 

3 - إعادة ترتيب أولويات الإنفاق

ويُرجع الدكتور إسلام جمال الدين شوقي، الخبير الاقتصادي، وعضو «الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي»، تراجع تحويلات المصريين بالخارج في الفترة الأخيرة إلى أسباب عدة منها «إعادة ترتيب أولويات الإنفاق لدى كثير من المصريين العاملين بالخارج نتيجة ارتفاع مستويات التضخم والمعيشة.

 

4 - تقلبات سعر صرف الدولار

وقال شوقي إن من أهم أسباب تراجع تحويلات المصريين بالخارج، هي تقلبات سعر الصرف، وانهيار الجنيه المستمر، ما جعل البعض منهم يرسل النفقات الضرورية لأسرهم في مصر والاحتفاظ بالدولار لأكبر فترة ممكنة.

ومنذ مارس الماضي تعرض الجنيه لهزات قوية وانخفض بنسبة 100% عدة مرات من مستوى الـ15.70 جنيه إلى 32.20 جنيه قبل أن يرتفع قليلا؛ بسبب توالي الضغوط على العملة المحلية الناجم عن شح الدولار وتخارج الأموال الساخنة، وتراكم الالتزامات البلاد الخارجية.

 

5 - وجود سوق موازية سوداء للدولار

وأضاف الخبير الاقتصادي أن من ضمن هذه الأسباب هي "وجود سوق موازية سوداء للدولار، ما يجعل الكثير من المصريين يفضلون التحويل بعيدًا عن البنوك»؛ بسبب وجود فرق واسع بين البنوك والسوق السوداء، تجاوز أحيانا حاجز الـ 20% ما جعل الكثيرين يعزفون عن استبدال العملة الأجنبية بالبنوك المحلية.

 

6 – اتباع المصريين لطريقة "المقاصة" في التحويلات

ويضيف شوقي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك طريقة تعرف باسم المقاصة، وتظهر على سبيل المثال عندما يريد تحويل مبلغ من الدولارات إلى مصر، فيسلمه لشخص موجود معه في الدولة نفسها، على أن يقوم شخص آخر يتبع متسلم الدولارات، بتسليم أهل الشخص المرسِل مقابل هذا الدولار في مصر بالجنيه، وذلك مقابل سعر أعلى من السعر المعلَن عنه في البنوك، وتدخل هذه التحويلات في نطاق عمليات تحويلية غير مرصودة لدى بيانات أجهزة الدولة الرسمية».

 

7 – منع أهالي المغتربين من سحب الأموال بالدولار

وصف خبير في الإدارة الإستراتيجية وإدارة الأزمات، الدكتور مراد علي، هذا التراجع "بالمفاجئ"، مؤكدًا أن هذا التراجع بهذه النسبة "يؤكد أن هناك أزمة ثقة بين المصريين العاملين بالخارج وبين النظام المصرفي في مصر والقائمين عليه ومرجعه السياسات النقدية الخاطئة التي انتهجها البنك المركزي مثل عدم قدرة ذوي المصريين بالخارج على سحب أموالهم بالعملة الصعبة"، وفقًا لـ"عربي 21".

 

8 - اهتزاز الثقة في الاقتصاد وحكومة الانقلاب

ويقول الخبير الاقتصادي واستشاري تمويل المشروعات، الدكتور علاء السيد: "لا شك أن هناك عدة أسباب لتراجع تحويلات المصريين في الخارج لأسرهم داخل مصر بنسبة 21% يأتي على رأسها اهتزاز الثقة في الاقتصاد المصري وفي قدرة الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي على النجاح فيما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الجديد المرتبط بآخر قرض لمصر.

 

9 - اضطراب سوق العقارات وفشل المبادرات الحكومية للمغتربين

وأضاف استشاري تمويل المشروعات: "أتصور أيضًا أن من أسباب هذا التراجع في التحويلات اضطراب سوق العقارات وفشل المطورين العقاريين في استكمال مشروعاتهم بسبب انهيار قيمة الجنيه المصري وتأثير ذلك على ارتفاع أسعار مستلزمات البناء، وأتوقع أن فشل المبادرات الحكومية الخاصة باستيراد سيارات للمغتربين وشراء أراضي بالدولار بسبب عدم معقولية الشروط وانعدام الثقة في الحكومة يعد أيضا من أسباب انخفاض إجمالي تحويلات المصريين بالخارج لمصر"، وفقًا لـ"عربي21".

ويُقدّر عدد المصريين العاملين بالخارج بنحو 12 مليون شخص، تحتضن المملكة العربية السعودية منهم نحو 2.5 مليون، تليها الإمارات والكويت، ويعمل بكل منهما نحو 600 ألف مصري، حسب تصريحات متلفزة أدلت بها سها جندي، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، في سبتمبر من العام الماضي.

وبسبب الأوضاع الاقتصادية العالمية المضطربة خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الوطني في العام الحالي 2022/2023 إلى 4%، مقارنة بتوقعاته السابقة عند 4.4% في أكتوبر الماضي.