أعتبر مراقبون أن زيارة آبي أحمد إلى الخرطوم والبيان المشترك مع رئيس مجلس السيادرة العسكري عبدالفتاح البرهان بالتوافق التام على كل قضايا سد النهضة الخميس 26 يناير حدث خطير ويمثل إضعاف لمواقف التوافق بين القاهرة والخرطوم فيما يتعلق بسد النهضة.

وفي أول زيارة له إلى الخرطوم منذ الانقلاب الذي نفّذه البرهان على شركائه المدنيين في السلطة في أكتوبر 2021، عقد رئيس الوزراء الأثيوبي أبيي أحمد (راعي الحوار الأول أغسطس 2020 بين قادة حركة التغيير والجيش السوداني) سلسلة لقاءات في العاصمة السودانية توّجها بقمّة مع البرهان.


ونقل بيان رسمي سوداني عن "البرهان" قوله خلال القمّة: إنّ "السودان وإثيوبيا متوافقان ومتّفقان حول كافة قضايا سدّ النهضة".

 

بالمقابل، نقل البيان عن رئيس الوزراء الاثيوبي تأكيده أنّ "سدّ النهضة لن يسبّب أيّ ضرر على السودان، بل سيعود عليه بالنفع في مجال الكهرباء".

 

ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتّفاق حول ملء سدّ النهضة وتشغيله، إلا أنّ جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن اتفاقاً.

موقف البرهان يناقض ما صرحت به الدوائر الدبلوماسية للإنقلاب في أعقاب اجتماع الفريق عبد الفتاح البرهان بعبدالفتاح السيسي في الرياض الشهر الماضي، بتطابق الموقف بخصوص دعوة إثيوبيا للتوصل لاتفاق ملزم.

وكشف مراقبون أن التصريح الذي أصدره البرهان يرجح زيارة سريعة من رئيس المخابرات المصرية عباس كامل إلى الخرطوم التي زارها مطلع الشهر الجاري بعدما اتضحت فجوة بين القاهرة الخرطوم وتراجع الدور المصري في قضايا شقيق الوادي بالجنوب.

والتقى رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في أكتوبر الماضي، وأعلنا إمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الفنية لسد النهضة وأثارت (كما هو الآن) مخاوف المصريين من توافق الجانبين بشأن ملف المياه بمعزل عن القاهرة.


السفير المصري السابق فوزي عشماوي أعتبر عبر فيسبوك (Fawzy Elashmawy) أن تصريح رئيس مجلس السيادة السوداني "تصريح مهم وخطير وغريب من البرهان حول توافق واتفاق السودان واثيوبيا علي كل مايخص سد النهضة ! وهو تخلٍ سافر عن التنسيق الواحب والمطلوب بين مصر والسودان في مواجهة التعنت والمراوغة الاثيوبية وتكرار قيامها بالملء الاول والثاني والثالث بدون التنسيق والاتفاق مع دولتي المصب".

وأوضح أنه "حتي بافتراض ان السد سيفيد السودان في بعض الجوانب فهو سيضرها كثيرا في جوانب اخري اهمها الاضرار بسدودها لو تم الملء او التمرير بدون تنسيق مع السودان فضلا عن التهديد الجسيم لملايين السودانيين في حال وجود اي مشاكل في البناء والتصميم وهو مااثاره العديد من الخبراء السودانيين .. ".

وتساءل ".. لماذا كل هذا العزوف عن التنسيق بين السودان ومصر في مواجهة قضية مصيرية كهذه ؟ ومتي يكون هناك مصارحة ومكاشفة تؤدي لتنسيق المواقف والقرارات ؟".

وهو ما يعني برأي المراقبين أن "العودة الإثيوبية المرتقبة في تفاعلات وسياسات الإقليم، ودعوات أديس أبابا لحل المشاكل مع السودان، وتعزيز التعاون الثنائي بينهما، لاسيما في ملف عودة اللاجئين الإثيوبيين إلى بلادهم، يلقي ظلالًا على مدى تمسك الخرطوم بموقف متطابق مع القاهرة في ملف سد النهضة".


وقالت تقارير إن الاستثمارات المشتركة بين السودان وإثيوبيا، بدعم أطراف خليجية في قطاع الزراعة أعاد الارتباطات القوية بين الجانبين وتفاعلات المرحلة الانتقالية في السودان، قد يؤدي إلى تخفيف الخرطوم لهجتها في الملف في الفترة المقبلة.

 

زيارة هاكان فيدان

منصات المخابرات المصرية ومنها (OCTAGON) بدا أنها تتابع الشأن السوداني عن كثب (ويبقى التساؤل لماذا تتكرر تصريحات الخلاف في المواقف بشأن مياه النيل وسد النهضة؟!) فكتبت عن زيارة ".. هاكان فيدان رئيس المخابرات التوركيية في ضيافة حميدتي وعبد الفتاح البرهان ..المعلن عن الزيارة إنها في إطار إعادة التواصل و تفعيل الاتفاقيات التي ألغاها المجلس العسكري السوداني..".

تفسير المنصة المخابراتية لم يضع احتمالات بشأن سد النهضة والموقف التركي منه، بل أعتبرها في سياق بحث التراك عن "الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية بشتى الطرق و فتح منافذ في كافة الاتجاهات و خصوصا أفريقيا".

إلا أنهم لم ينفوا إجعاء أن الزيارة "كانت مباشرة بعد زيارة وفد المخابرات المصرية ..مما لاشك فيه يبرع الاتراك في الصيد في الميه العكرة و ايجاد اي ثغرة لدق اسفين بين اي طرفين و الهروب بالغنيمة".


زيارة عباس كامل
وفي 3 يناير زار عباس كامل مدير مكتب السيسي السابق السودان حاملا رسالة شفهية من السيسي للمجلس العسكري السوداني، بحسب تصريحات مبهمة رشح عن الزيارة أنها كانت لاستكمال توجهات القاهرة للتتعامل مع أزمات السودان التي يغلب عليها البعد الأمني، وحتى مناقشة القضايا السياسية يقوم بها مسؤولون أمنيون.

وفي 5 يناير صرح السفير هاني صلاح سفير مصر في الخرطوم أن كهرباء السودان "خلاص بقت من مصر وبدأت الشركات المصرية في التوريد".

وفي 11 يناير قال السفير المصري إنه تم الاتفاق مع البرهان لدى لقاءه بعباس كامل على توضيح عناصر المبادرة المصرية (لم يكشف عن تفاصيلها) بشكل أكبر وبصورة فاعلة لمختلف الدوائر الرسمية والإعلامية والشعبية بالسودان".

وغلب على ماقشات الزيارة بحسب ما رشح لبعض المواقع منها "العربي الجديد"، الالتفات إلى الخلاف بين الجيش والقوى المدنية التي يمكن أن ينسق معها البرهان، لضمان تحقيق جملة من الأهداف، ربما يكون في مقدمتها عدم السماح للمعسكر المناوئ للبرهان وفريقه بأن يكون هو الممثل الوحيد أو المسيطر على القوى المدنية، إضافة للاطلاع على المشهد السياسي ومحاولة إكلاء عباس مكون مدني بعينه، بإدعاء أنه يلقى قبولاً إقليمياً ودولياً.

وعن سد النهضة لفت الموقع إلى أن للسودان أهمية كبيرة لمصر كونه امتداداً للأمن القومي المصري من الجهة الجنوبية، وكذلك لحرص مصر على الحفاظ على موقف مصري سوداني موحد في مواجهة التعنت الإثيوبي في أزمة سد النهضة.

 

شكوى حلايب وشلاتين
وجدد السودان شكواه ضد مصر، أمام مجلس الأمن الدولي، فيما يتعلق بالسيادة على مثلث حلايب، وأرسل ممثل السودان الدائم في الأمم المتحدة، الحارث إدريس، رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي في 4 يناير الجاري، (اليوم التالي لزيارة عباس كامل)! حيث أبلغ، رئيس مجلس الأمن برغبة "حكومة السودان في إبقاء الرسالة المؤرخة في 1958 ضمن قائمة المسائل المعروضة على مجلس الأمن"، وفقًا لموقع "سودان تربيون".

وقال عماد بحر الدين، الباحث بجامعة أم درمان، أن الشكوى أثر من آثار التقارب الملحوظ بين السودان وإثيوبيا، بعد سيطرة السودان على غالبية أراضي الفشقة. وهو تقارب يبعث بمخاوف للجانب المصري. خاصة وأن الموقف السوداني متذبذب ويخلو من توجه واضح بشأن السد، ويتأرجح بين الجانب الإثيوبي والمصري في ظل تعدد الفاعلين السياسيين في السودان.

وأضاف محمد عبد الكريم، الكاتب والباحث في الشؤون الإفريقية، أن ملامح الموقف السوداني فيما يتعلق بسد النهضة يمكن تبينها في ضوء المتغيرات الحرجة التي تشهدها البلاد منذ أكتوبر 2021، وصعوبة موازنته بين علاقات وطيدة مع القاهرة ومتطلبات انخراطها في سياسات إقليمية مع بقية دول الجوار وخاصة إثيوبيا وإريتريا.