يستمر نظام الانقلاب في التمسك بطريقته في التعامل مع المعارضين، المتمثلة في ممارسة التنكيل إلى أقصى درجة، والتي تصل إلى حد القتل بالحرمان من العلاج داخل السجون، وكان آخرها ارتقاء الشهيد جهاد عبد الغني، البالغ من العمر 32 عاما، والذي كان يحاصره الموت، ورفضت إدارة سجن بدر السماح له بالعلاج على حسابه الشخصي في إحدى المستشفيات الخاصة على غرار رجل الأعمال محمد الأمين، بالإضافة لارتقاء معتقل آخر في سجن برج العرب بعده بساعات.

 

رفض رغم المناشدات

ومع قيام العديد من المنظمات بتوثيق الحالة الطبية للمعتقل جهاد عبدالغني المصاب بسرطان الحلق، والتي تستوجب علاجه خارج السجن كما يفعل مع غير السياسيين، إلا أن إدارة سجن بدر تعنتت حتى في زيارة أولاده له ليموت بعيدا عنهم، رغم مناشدته وأمنيته أن يموت وسط أسرته بعد أن علم باقتراب أجله، لتتركه الإدارة الظالمة ليلقى ربه وحيدا مريضا.

 

رسالة لم تجد الطريق

في الأيام الأخيرة قبل موت جهاد، أرسل برسالة تلقتها المنظمات الحقوقية تطالب بإنقاذه من المعاناة والألم الذي يعيش فيه ولكن ربما ضلت تلك الرسالة عن أعين المسؤولين، والتي رغم أنها أبكت كل من قرأها إلا أنها لم تحرك ساكنا في طريق إنقاذه وتخفيف معاناته، ثم بعد أن يأس بعث برسالة صغيرة " أمنيتي أن أموت وسط أولادي" ليلقى ربه بعد أسبوعين من إرسالها.

 

الوفاة الثانية في أقل من 24 ساعة

وفي غمرة الحزن على وفاة المعتقل جهاد عبدالغني ارتقى صديقه المعتقل أشرف عبد السلام إبراهيم منصور وشهرته أشرف سلمي، داخل سجن برج العرب جراء ظروف الاحتجاز السيئة وانعدام الرعاية الصحية.

يذكر أن المعتقل أشرف من مركز أبوكبير بمحافظة الشرقية، ويبلغ من العمر 46 عامًا، ومتزوج ولديه 4 بنات، ويعمل مدرس تربية رياضية، وجرى اعتقاله يوم 17 نوفمبر 2014.

والمتوفي دخل في إضراب مفتوح عن الطعام في 9 نوفمبر 2021 احتجاجًا على سوء المعاملة في سجن الزقازيق العمومي، فتم الاعتداء عليه بالضرب المبرح وإيداعه التأديب ثم ترحيله لاحقًا إلى سجن برج العرب الذي لقي حتفه به.

 

ألف وفاة بالإهمال الطبي حتى عام 2021

ووثقت 6 منظمات حقوقية وصول عدد الوفيات نتيجة الإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز منذ يونيو 2013 وحتى مارس الماضي، إلى نحو ألف حالة، من بينهم الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي.

والمنظمات الست هي "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، و"الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، و"المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، "ومركز النديم"، و"مبادرة الحرية"، و"مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، و"منظمة "كوميتي فور جستس"، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية".

 

توثيق 21 وفاة بـ3 شهور

ووثقت منظمة "كوميتي فور جستس"، في تقريرها الربع السنوي الثالث عن الفترة بين يوليو وسبتمبر 2022، 19 حالة وفاة داخل مقار الاحتجاز.

 

لماذا لا يعامل جميع السجناء بعدالة؟

يعتمد النظام القمعي في مصر على التنكيل بجميع المعارضين بشتى انتماءتهم سواء الإسلاميين أو العلمانيين، فالكل سواسية في القمع لكن الإسلاميين لهم نصيب الأسد من القمع نظرا لأن عددهم أضعاف المعتقلين الآخرين، كما أن هناك تعمدا لإيذائهم والتنكيل بهم.

وعن هذا المشهد المؤلم، يرى رئيس مركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، المحامي خلف بيومي، أن حالة رجل الأعمال الراحل محمد الأمين تجسد حالة الانتقائية الحكومية داخل السجون، إذ سمحت للأمين بالذهاب إلى مستشفى دولي خاص في أثناء قضاء فترة محكوميته من دون صعوبات وفي سرية، كما سمحت بذلك للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ورجال نظامه، حينما تعرضوا لأزمات صحية داخل السجن. فيما يحدث العكس مع السياسيين المحبوسين حاليا،

مضيفا: "لم نرصد حالة واحدة نُقل فيها (أحدهم) لمستشفى محترم بقدر ما تستوجب حالتهم، إذ يتم التعامل معهم من خلال مستشفيات السجون غير المؤهلة، في حين يتم نقلهم للمستشفيات الخارجية في اللحظات الأخيرة، مما تسبب في وفاة عدد غير قليل".

ويؤكد الحقوقي المصري أنه "لا توجد عدالة صحية للسجناء في مصر، وأن التعسف لا يزال سيد قراره في السجون، خاصة عدم السماح بالعلاج أو إدخال الأدوية أو النقل للمستشفيات، كما يحدث مع المرشح الرئاسي الأسبق عبد المنعم أبو الفتوح والعضوة السابقة بمجلس حقوق الإنسان هدى عبد المنعم".