"لم يكن بهدف التنمية" أبرز ما كشفت عنه BBC News  كهدف لبناء السد الاثيوبي المعروف ب"النهضة" بعدما استعرض موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" وثائق بريطانية قال إن بناء إثيوبيا لسد النهضة جاء لتحدي مصر وإبطال حقوقها في نهر النيل، مشيرة إلى أن التقارير الدبلوماسية البريطانية توقعت منذ نحو نصف قرن بناء أديس أبابا للسد.


وأشارت الوثائق إلى توقع البريطانيون في 1961 "بأنه إذا امتلك الإثيوبيون المال، فسوف يدفعهم هذا إلى اتخاذ سياسات مائية تضع مصر في موقف بالغ الصعوبة"، حتى أن التقارير الدبولماسية التي رضدت ذلك عبرت عن "الشفقة" على وضع مصر في هذه الحالة!


واعتبر التقرير أن نبوءة بريطانيا تحققت بعد نصف قرن، وأنه في أثناء ثورة 25 يناير 2011، نفذ الإثيوبيون مشروعهم. وشرعت إثيوبيا في بناء سد النهضة الكبير على الشريان الرئيسي لمياه نهر النيل. مضيفا أنه رغم توقيع إثيوبيا ومصر والسودان اتفاق إعلان المباديء بشأن مشروع السد عام 2015، فإن الخلافات بشأن مراحل ملئه لاتزال تخيم على العلاقات بين أديس أبابا والقاهرة.


حيث واصلت إثيوبيا بناء المشروع، رغم الاحتجاجات المصرية والسودانية والمفاوضات الماراثونية الثلاثية التي شاركت فيها الولايات المتحدة أحيانا، وبدأت بالفعل في توليد الكهرباء منه، وهو ما احتجت عليه مصر.


ولا تزال مخاوف قوية تساور المصريين، من تأثير سد النهضة على تدفق المياه على مصر، الأمر الذي يضر بحياة الملايين منهم، خاصة في قطاع الزراعة الحيوي.


إقرار بالهدف اللعين


ووفق الوثائق، التي أطلعت عليها، فإن الإثيوبيين أبلغوا البريطانيين قبل ثلاثة عقود مضت، أن إبطال حقوق المصريين أهم الدوافع وراء مشاريع إثيوبيا لإنشاء سدود على النيل الأزرق، مصدر أكثر من 80 % من مياه نهر النيل الرئيسي، كما تكشف وثائق بريطانية.


واستعرض التقرير المنشور على صفحة الموقع الرئيسية وثائق تعود لديسمبر 1992، كجزء من اوراق بحثية لمؤتمر نظمته كلية الدراسات الشرقية والأفريقية "سواس" في جامعة لندن بعنوان؛ "المياه في الشرق الأوسط: العواقب القانونية والسياسية والتجارية".


جوانب سيئة


وسبق أن استعرضت بي بي سي وثائق تتعلق بالطمع في النيل، قالت إن: "إسرائيل" وضعت خطة لنقل مياه النهر إلى قطاع غزة قبل 35 عاما"..


واشار التقرير إلى أن الوثائق كان تقييم للموقف والتصريحات بعثها الباحث شيبلاند في "برقية بالغة السرية" إلى "سواس" رئيس إدارة البحوث والتحليل، وهي إحدى الجهات الرئيسية التي توفر المعلومات لصانعي القرار في وزارة الخارجية البريطانية.


وأضاف "شيبلاند" أن "الافتقاد المعتاد للتفاهم بين المصريين والإثيوبيين" و "بين العرب والإسرائيليين" بشأن المياه من الجوانب السلبية.


واستعرض الباحث البريطاني كا ءجاء بكلمة المستشار الدكتور عوض محمد المر، رئيس المحكمة الدستورية العليا المصرية آنذاك، رئيس وفد مصر في مؤتمر 92 بلندن، الذي قال فيه إن "لمصر حقوق مكتسبة بخصوص كمية مياه النيل التي تستخدمها حاليا، ويعتمد أمن مصر الزراعي على الاعتراف بهذه الحقوق المكتسبة، ومصر لن تتسامح أبدا مع بناء إثيوبيا أي سدود على النيل الأزرق. والنيل الأزرق هو مصدر أكثر من 80 % من مياه نهر النيل العام".


واعتبر شيبلاند، أن كلام المر لم يكن مقنعا. وقال إن "موقف المصريين هنا ضعيف، ومن المرجح أن يفشل" في كسب التأييد.


واستند الدبلوماسي البريطاني، في تقييمه، إلى أن الاستخدام الفعلي للمياه ليس هو العامل الوحيد الحاسم في تحديد كمية المياه التي تحصل عليها أي دولة، وأشار إلى ضرورة مراعاة "الإنصاف" في توزيع حصص المياه.


اعتراف إثيوبي


واشار التقرير إلى أنه في عام 2015، وقع رئيس وزراء إثيوبيا آنذاك هايلي مريام ديسالين والرئيس السوداني عمر البشير وعبد الفتاح السيسي اتفاق إعلان مبادىء بشأن سد النهضة. وبعد مرور 7 سنوات، لا تزال الخلافات قائمة، مقارنا ذلك بوقت مؤتمر 1992 حيث "كانت مصر، ولا تزال حتى الآن، تصر على أن لها "حصة واقعية" قائمة منذ سنوات طويلة تعتبرها حقا تاريخيا، وهي 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا من مياه نهر النيل"، وأن مصر دأبت على التحذير من المساس بـ "حصتها" من المياه، وشددت على حقها في أن تُخطر بأي مشروعات على منبع النهر شريان حياة مصر، وفق الاتفاقيات الدولية.


واستعرضت الوثائق نصيحة الانجليز لإثيوبيا: "تذكروا حساسية المصريين تجاه النيل".


نصائح للأطراف


وعن معلومات على هامش رؤية ألطراف قال إن آخر أباطرة إثيوبيا "سعى لمنع التقارب بين مصر والسودان" بعد انتهاء الاحتلال البريطاني، وأن "نظام عبد الناصر "استخفَّ بقدرة الإثيوبيين على حجز مياه النيل"، وأن "بريطانيا توقعت ألا تتمكن مصر من إقناع إثيوبيا بتقديم تنازلات بشأن المياه"، رغم نصيحة سيبلاند للمسؤول الإثيوبي بأنه من "الممكن أن تكون هناك مشكلات بشأن النيل بين دول الحوض أقل مما يعتقد المعلقون لو سعت إثيوبيا لتنمية الأنهار الأخرى في شمال البلاد"، مع استبعاد النيل الأزرق. وأضاف أن مثل هذا السلوك "سيكون أكثر جدوى اقتصاديا لإثيوبيا".


وأضاف "شيبلاند" أن "المسؤول المائي الإثيوبي أقر بصحة هذا الطرح"، في حين انتقد الدبلوماسي البريطاني الطرح المصري، في مؤتمر "سواس"، الذي رآه رافضا لفكرة "تطور القانون الدولي".


ورأى أن "عدم استعداد المصريين لقبول تطور القانون الدولي سيء وينطوي على مشكلة". ويشير إلى عدم إدراك المصريين الواضح بأن موقفهم مستفز للإثيوبيين، ومن ثم يأتي بنتائج عكسية أسوأ، ومن المحتمل أن يضر بمصالحهم".


ولفت إلى أن "الدكتور تيسفات"-رئيس الهيئة الإثيوبية لدراسات تنمية الأودية- في ذلك الوقت قال إن "إثيوبيا قد تختار تنمية النيل الأزرق أولا كي تؤكد حقها في استخدام مياه هذا النهر، إذا ظل الإثيوبيون يستمعون دائما إلى هذا النوع من الأقوال التي سمعناها في وقت سابق اليوم من (رئيس وفد مصر) عوض المر".


واستعرض "شيبلاند"، رؤية المسؤول الإثيوبي الذي رأى "تناقض" بين موقفي المهندسين المصريين من ناحية والمسؤولين المصريين من ناحية أخرى من مسألة حقوق المياه التاريخية.


واعتبر أن هذا الري محل زعم، أن "مهندسي المياه المصريين الذين يتحدثون في السر يظهرون أنهم أكثر وعيا باحتياجات الآخرين من الوعي الذي يبديه المسؤولون والسياسيون المصريون في العلن".


ولم تكشف الوثائق ما إذا كان البريطانيون قد أبلغوا، في حينه، مصر سواء بموقفهم من الطرح المصري أو بالتبرير الإثيوبي لمشاريع بناء السدود على النيل الأزرق.


استعرضت بي بي سي وثائق أخرى،  كشفت عن أن بريطانيا خلصت عام 1990، إلى أن مصر "لن تقبل أن تكون رهينة لسلاح المياه الاستراتيجي".

 

النيل الأزرق


وبحيرة تانا منبع النيل الأزرق الذي يسهم بما بين 80 : 85 % من مياه النيل المتدفقة على مصر والسودان، وتحصل مصر منذ أكثر من 6 عقود على 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا من النيل، ومع التزايد المستمر في عدد سكانها، الذي تجاوز 110 ملايين نسمة، تشكو مصر من أن هذه الحصة غير كافية وألقت بالبلاد في فقر مائي.


وكمية المياه هذه هي نتيجة "اتفاق الاستخدام الكامل لمياه النيل" المبرم يوم 8 نوفمبر عام 1959 بين مصر والسودان، ووفق هذا الاتفاق، فقد أقر البلدان متوسطا سنويا لتدفق مياه النيل عند أسوان قُدر بـ 84 كليومترا مكعبا. واتفق على تقسيمه على النحو الآتي:


مصر تحصل على 55.5 كيلومترا مكعبا.


السودان يتلقى 18.5 كيلومترا مكعبا.


والباقي، اعتبر خسائر مائية نتيجة التبخر والتسرب في السد العالي، تعادل 10 كيلومترات مكعبة.


غير أن إثيوبيا، البالغ عدد سكانها قرابة 122 مليون نسمة، تشدد على عدم اعترافها بهذا الاتفاق وأنها لم تعتمد هذه الحصص.


ولا تزال أديس أبابا ترفض قبول مسألة "الحقوق المكتسبة" أو" التاريخية" لمصر.


وفي عام 1956، أعلنت أنها "سوف تحتفظ بمياه النيل في أراضيها لاستخدامها بالطريقة التي تراها مناسبة."


https://www.bbc.com/arabic/middleeast-63779552