دخلت قضية حقوق الإنسان في مصر إلى مرحلة "البيات الشتوي"، بعد إعراض الغرب عن توجيه أي نقد رسمي في هذه القضية إلى حكومة الانقلاب في مصر، ما ألقى ارتياحًا لديها بخصوص هذا الملف منذ فترة طويلة.

ومؤخرًا، أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا يدعو فيه إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن عشرات المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحافيين والنشطاء السلميين والسياسيين والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، والتراجع عن الاستخدام المفرط للحبس الاحتياطي التعسفي.

ورأى المدير التنفيذي في "كوميتي فور جستس" (مقرها سويسرا) أحمد مفرح أن البيان "مؤثر جدًا، وجاء بشكل جيّد لمواصلة الضغط على النظام المصري لتحسين حالة حقوق الانسان".

ورحبت 12 منظمة مجتمع مدني دولية وإقليمية ومصرية بقرار البرلمان الأوروبي، معتبرة أنه سلّط الضوء على عدم وجود أي تحسن جوهري في حالة حقوق الإنسان في مصر.

 

1453 انتهاكًا في 3 أشهر

رصدت مؤسسة "كوميتي فور جستس" في تقريرها ربع السنوي عن حالة حقوق الإنسان والحريات في مصر، في الفترة الممتدة ما بين يوليو إلى سبتمبر 2022، حوالي 1453 انتهاكًا.

وأوضح التقرير أن الانتهاكات المتعلقة بالحرمان من الحرية تعسفيًا كان لها النسبة الأعلى بواقع 1351 انتهاكًا مرصودًا.

وجاءت الانتهاكات المتعلقة بالإخفاء القسري بواقع 48 انتهاكًا مرصودًا، ثمّ سوء أوضاع الاحتجاز بواقع 26 انتهاكًا مرصودًا، ثمّ الوفاة في مقار الاحتجاز والتعذيب بواقع 19 انتهاكًا و9 انتهاكات مرصودة على التوالي، وفقًا لـ"العربي الجديد".

وقعت النسبة الأكبر من الانتهاكات في شهر أغسطس 2022 بواقع 516 انتهاكًا مرصودًا، الأمر الذي يمثّل نحو 35% من إجمالي الانتهاكات المرصودة.

وتصدّرت القاهرة النسبة الأعلى من الانتهاكات بـ 64% تقريبًا من إجمالي الانتهاكات المرصودة بواقع 939 انتهاكًا مرصودًا.

واحتلت الأقسام والمراكز الشرطية صدارة قائمة مقار الاحتجاز المذكورة، إذ رُصد وقوع 306 انتهاكات فيها.

كان نصيب الضحايا الناشطين سياسيًا هو الأعلى بواقع 11 انتهاكًا مرصودًا مناصفة مع الضحايا أصحاب المهن الإعلامية والصحافية والضحايا أصحاب المهن الهندسية، يليهم المدافعون عن حقوق الإنسان بواقع 7 انتهاكات مرصودة.

جاء نصيب الضحايا الشباب (18 - 34 عامًا)، الأعلى من بين الانتهاكات المرصودة بواقع 33 انتهاكًا مرصودًا.

كان نصيب الضحايا الذكور من الانتهاكات هو الأعلى مع نحو 98% تقريبًا (1424/ 1453)، من إجمالي الانتهاكات المرصودة.

رصد التقرير تعرّض الإناث إلى 29 انتهاكًا توزّعت ما بين 27 انتهاكًا متعلقًا بالحرمان من الحرية تعسفيًا وحالتَي إخفاء قسري.

 

لاجئات تعرّضن للعنف الجنسي

وأشار تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، بأنّ حكومة الانقلاب تقاعست عن حماية اللاجئات وطالبات اللجوء المستضعفات من العنف الجنسي المتفشّي، وعن التحقيق في حوادث الاغتصاب والاعتداء الجنسي، وذلك بعدما وثّقت 11 حادثة عنف جنسي في مصر بين عامَي 2016 و2022 تعرّضت لها سبع لاجئات وطالبات لجوء من السودان واليمن، من بينهنّ طفلة.

وكشفت النساء الستّ، بمن فيهنّ امرأة ترانس (عابرة النوع الاجتماعي) لـ"هيومن رايتس ووتش" أنّ رجالًا اغتصبوهنّ. وأوضحت أربع نساء أنّهنّ تعرّضنّ للاعتداء في حادثتَين أو أكثر، فيما صرّحت والدة الطفلة بأنّ رجلًا اغتصب ابنتها البالغة من العمر 11 عامًا.

وقالت ثلاث نساء منهنّ إنّ الشرطة رفضت إعداد محاضر عن الحوادث، فيما بيّنت ثلاث أنهنّ تعرّضنَ للترهيب لدرجة أنّهنّ لم يتمكنّ من الإبلاغ عن الحادثة إطلاقًا. كذلك أفادت امرأة واحدة بأنّ أحد عناصر الشرطة تحرّش بها جنسيًا عندما حاولت الإبلاغ عن الاغتصاب.

وقالت مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" لمى فقيه: "لا تعيش النساء والفتيات اللاجئات في مصر أوضاعًا هشّة ويتعرّضنَ لخطر العنف الجنسي فحسب، ولكن يبدو أيضًا أنّ السلطات لا تهتمّ بحمايتهنّ أو التحقيق في الحوادث، أو تقديم المغتصبين إلى العدالة. وعدم اهتمام السلطات الواضح بهذه القضايا يترك اللاجئات بلا ملاذ للعدالة".

 

الرهان على الضغوط الغربية فاشل

وقال حقوقي مصري، تحفظ على ذكر اسمه، إن "الرهان على الضغوط الغربية لتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر، عادة ما يثبت أنه رهان خاسر، لأن الدول الغربية لا تراعي سوى مصالحها".

وأضاف أن "الدول الأوروبية لها مصالح مع مصر متمثلة حاليًا في دور القاهرة في توفير الغاز الطبيعي الذي تحتاجه أوروبا، هذا بالإضافة إلى كونها مشتريًا رئيسيًا للسلاح الأوروبي، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فمصلحتها مع النظام المصري تتمثل في كون القاهرة تلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على أمن إسرائيل، باستخدام علاقاتها بالفصائل الفلسطينية، وتتدخل في الوقت المناسب من أجل التهدئة في حال انفجر الوضع بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين"، وفقًا لـ"العربي الجديد".

وأكد أن "الواقع يؤكد أن النظام المصري، في الوقت الحالي، لا يضع أي اعتبار للضغوط الخارجية، بدليل أنه يتوسع في سياسات القمع والتخويف".

 

حكومة الانقلاب لا تعبأ بالقرارات الأوروبية

وقال دبلوماسي مصري سابق خبير في العلاقات الدولية، إن "ما يصدر عن البرلمان الأوروبي لا يعدو كونه بيانات سياسية حتى وإن كانت تكشف عن واقع معين". وأوضح أن "البرلمان الأوروبي يمثل شعوب الدول الأوروبية وليس الحكومات، وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن التقليل من شأن قراراته، ولكن في نهاية المطاف، لا تُمكن مقارنة ما يصدر عنه بما يصدر عن الاتحاد الأوروبي أو عن المجلس الأوروبي أو عن المفوضية الأوروبية".

أما عن موقف الدول الغربية من قضية حقوق الإنسان في مصر، فأكد أنه يعتمد في بواعثه على المصالح أكثر من الضغوط الشعبية والإعلامية، خصوصًا في ظل انشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية، وتأثيراتها الاقتصادية العنيفة على الدول الفقيرة والغنية على حد سواء".

وأشار إلى أن التصريحات التي صدرت عن المسؤولين الغربيين، الذين كانوا موجودين في أثناء انعقاد قمة المناخ في شرم الشيخ، مثلت موقفهم تجاه النظام المصري، إذ تحدث الرئيس الأمريكي عن حرصه على العلاقة (الإستراتيجية) مع مصر، ولم يذكر قضية حقوق الإنسان بشكل مباشر".