أعلن إبراهيم عشماوي - نائب وزير التموين والتجارة الداخلية – أن احتياطيات الأرز تكفي استهلاك 4 أشهر، واحتياطيات القمح تكفي لاستهلاك أكثر من 5 أشهر، في حين أن احتياطي السكر يكفي 4 أشهر فقط.

 

وعلى الرغم من مرور ثلاثة أشهر على إعلان وزير التموين علي المصيلحي قراره الوزاري بتنظيم التداول والتعامل مع الأرز الشعير المحلي لموسم الحصاد 2022 الذي بدأ في 25 أغسطس الماضي ويستمر حتى 15 ديسمبر المقبل، إلا أن أزمة توفر الأرز في الأسواق لا تزال قائمة، إضافة إلى أزمة سعره المرتفع.

 

أزمة الأرز باختصار في نقاط

 

وتمثلت الأزمة في إجبار الوزارة المزارعين على توريد طن واحد من الأرز الشعير عن كل فدان مزروع (يعادل 25% من إنتاجية الفدان) لحساب هيئة السلع التموينية.

 

بلغ إجمالي المساحة المزروعة من الأرز الشعير هذا العام 1.5 مليون فدان، وتصل إنتاجية الفدان إلى 4 أطنان، بإجمالي إنتاجية 6 ملايين طن من الأرز الشعير، والمستهدف هو توريد 1.5 مليون طن لحساب هيئة السلع التموينية.

 

قامت الوزارة بتسعير الأرز الرفيع بـ6600 جنيه للطن، والأرز العريض بـ6850 جنيها للطن، ووصفت أسعار التوريد بأنها مجزية وتحمل هامش ربح عادل للمزارعين، وأنه جاء بعد حساب التكلفة الفعلية، وفقًا لـ"الجزيرة".

 

دخل القطاع الخاص في أزمة الأرز في مصر، وعرض على المزارعين شراء الطن الواحد بمبلغ 9 آلاف للطن ارتفعت بعدها لـ10 آلاف، أي أكثر مما عرضته الحكومة على المزارعين بـ3000 جنيه في الطن الواحد.

 

وفي المقابل، بلغ سعر الأرز بالشهر نفسه من العام الماضي 9 جنيهات للسائب و15 جنيها للمعبأ والأهم توافره حينذاك، وهي الوفرة التي ظل وزراء المجموعة الاقتصادية، خصوصا وزيري التموين والمالية، يتباهون بها مع الأزمة الروسية الأوكرانية.

 

صرحت الوزارة بأن إنتاج الأرز هذا الموسم كان جيدا بما يكفي الاحتياجات المحلية ويزيد، إلى جانب منع تصدير الأرز بما يعزز كفايته محليًا، ومع ذلك فلا يزال الناس يبحثون عن الأرز في المحلات ولا يجدونه، إضافة إلى الاكتفاء ببيع كيلوجرامين فقط للمستهلك في المولات الكبرى، ووصول أسعاره بالأسواق لأكثر من 20 جنيهًا وحتى 25 جنيهًا للكيلوجرام.

 

حكومة الانقلاب تُعقد أزمة الأرز ثم تتراجع

 

لم تكتف وزارة التموين بإجبار المزارعين على توريد طن واحد من الأرز الشعير عن كل فدان مزروع لحساب هيئة السلع التموينية، بل قامت بفرض عقوبات على الممتنعين عن التوريد من المزارعين.

 

وقامت الوزارة بتحديد عقوبة عدم توريد الأرز بالحبس من 6 أشهر لعامين، وسداد 10 آلاف جنيه عن كل طن لم يتم توريده، ومصادرة المضبوطات، إضافة إلى عدم السماح للمزارع بزراعة الأرز في العام التالي، وعدم صرف الأسمدة والمبيدات الزراعية المدعمة لمدة عام لكافة أنواع الزراعات.

 

ويرى الخبير الاقتصادي ونائب رئيس تحرير الأهرام، ممدوح الولي، أن الزراع وأصحاب مضارب الأرز الخاصة يرون أن الحكومة هي السبب في المشكلة، فمنذ أكثر من 30 عامًا يقوم المزارعون ببيع محصول الأرز لمن يدفع لهم السعر المناسب لِما تحملوه من تكاليف، وذلك بالمقارنة بين أسعار التوريد للحكومة أو لتجار القطاع الخاص والمضارب الخاصة.

ويواصل الولي، بأن السعر الذي عرضته للحكومة لشراء طن الأرز لم يُرضِ المزارعين فامتنع غالبيتهم عن التوريد، وبينما كانت وزارة التموين تأمل بتجميع 1.5 مليون طن لم يصلها سوى حوالي ربع مليون طن فقط!

 

وحسب بيانات البنك الدولي، كما يؤكد الخبير الاقتصادي، فقد بلغ سعر طن الأرز التايلندي الجيد بنسبة كسر 5% ما يقرب من 431 دولارًا، والأقل جودة بنسبة كسر 25% وصل إلى 420 دولارًا، والفيتنامي الجيد بنسبة كسر 5% إلى 409 دولارات، وهو ما يوازي أكثر من 10 آلاف جنيه للطن بسعر الصرف الحالي للدولار بمصر لكل النوعيات، بخلاف تكلفة النقل من تلك البلدان البعيدة جغرافيًا وتكاليف التأمين على الشحنات.

 

ومن أسباب المشكلة، كما يقول نائب رئيس تحرير الأهرام، أن حكومة الانقلاب قامت بتكرار أسلوب التسعير الجبري بتحديد سعر البيع للكيلو بالمحلات، للسائب 12 جنيها وللمعبأ 15 جنيها، ما أدى لاختفاء الأرز من المحلات التي تقول إن تكلفة شرائها للأرز أعلى من ذلك، وطلب بعضها مهلة لتصريف ما لديه من أرز، أو إمداد وزارة التموين لها بأرز بتلك الأسعار لبيعه بالأسعار الجبرية، لكن الوزارة لا تقوم بالإمداد بالأرز سوى للمجمعات الاستهلاكية التابعة لها.

 

ونظرًا لهذا الإجراء القاسي من الحكومة، قام التجار بتخزين الأرز أملا في بيعه بأسعار أفضل مستقبلا، خاصة أنه سلعة تتحمل التخزين، فإذا كان هناك نقصٌ بالأرز في موسم حصاده فيتوقع ارتفاع سعره بالشهور المقبلة، وحتى في حالة استيراد الوزارة للأرز لسد الفجوة فإن أسعار المستورد ستكون مرتفعة أيضًا، بحسب الولي.

 

ويؤكد الولي أن وزارة التموين اضطرت للتراجع، فبعد أن كانت تمنع مضارب القطاع الخاص من تجميع الأرز، فقد سمحت لها بذلك على أن تحصل على نصف الكمية التي تقوم بتجميعها، وتراجعت فيما يخص التسعير بالسماح ببيع الأرز المعبأ الفاخر بسعر 18 جنيهًا للكيلو، بعد 9 أسابيع من قرارها السابق بتحديده بسعر 15 جنيها.

 

الغريب أن الوزارة لم تتعلم من درس فشلها في التسعير الجبري للخبز وتحديد أوزانه، حسب قرار مجلس الوزراء رقم 21 لسنة 2022 الصادر في 20 مارس الماضي، والتهديد بعقاب المخالفين بغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه وحتى 5 ملايين جنيه، والاضطرار لتعديله بقرار وزارة التموين رقم 144 لسنة 2022 الصادر في 26 أكتوبر الماضي، والنزول بالعقوبة لغرامة 10 آلاف جنيه فقط مع تقديم دقيق بسعر أقل للمخابز.

 

5 خطوات لحل أزمة الأرز

 

ويجب على حكومة الانقلاب، إذا أرادت أن تحل أزمة الأرز التي تسببت فيها في البلاد، أن تقوم بهذه الإجراءات:

 

أولا - الابتعاد عن الأساليب الأمنية التي ثبت فشلها عمليًا في حل أي أزمة، كما يقول رئيس شعبة الأرز باتحاد الصناعات، فحين أوقفت وزارة التموين التوريد الإجباري منذ عام 1991، كانت الأمور تسير بشكل طبيعي وعندما أعادت التوريد الإجباري المفاجئ، فإنها لم تقم بالدعم والمساندة اللذين كانت الدولة تقوم بهما في سنوات التوريد الإجباري بالستينيات والسبعينيات من القرن الماضي مثل تحمل نصف تكاليف تنقية الحشائش.

 

ثانيًا - كما يمكن للحكومة، وفقًا للولي، أن تقدم التقاوي (البذور) بواقع 60 كيلوجرامًا للفدان وخدمة آلية آجلة الدفع، وأسمدة سلفات النشادر حسب المقررات التي تحددها وزارة الزراعة، بخلاف جوال سوبر فوسفات للفدان وسلف نقدية من بنك التنمية الزراعي.

 

ثالثًا - الاستفادة من إجراءات التوريد الإجباري بالسبعينيات يشير إلى إجراءات حكومية أكثر عدالة، حيث يشير قرار وزارة الزراعة رقم 62 لسنة 1977 بتوريد الأرز، لتحديد فترة 25 يومًا للمزارعين للطعن في مساحة الأرز، ومدى جودة الأرض التي تعامله الوزارة عليها، وبعد فرز الأرز لتحديد درجة نقاوته وجودته ووزنه تتيح له الطعن أيضًا بوجود تحكيم بينه وبين جهة الفرز.

رابعًا - إلغاء قرار التوريد الإجباري الأخير الذي يحدد كمية واحدة للجميع، بينما كانت قرارات التوريد بالسبعينيات تحدد كميات مختلفة حسب المراكز المنتجة بالمحافظات ترتبط بمدى جودة الأرض بكل منها.

 

خامسًا – إلغاء التسعير الجبري للأرز؛ لأن ذلك يغلق الباب أمام ظهور السوق السوداء، كما يقول الولي، كما يغلق الباب أمام التجار لعرض السلع الرديئة، إلا أن عدم القيام بذلك يمكن أن يدفع المنتجين لتقليل الإنتاج مثلما تفعل بعض شركات الدواء عندما ترى أن التسعير الجبري غير مجدٍ لها، كما أنه يخيف المستثمرين ويشككهم بمناخ الاستثمار، ويتعارض كلية مع البرنامج الإصلاحي الذي سيتم تنفيذه مع صندوق النقد الدولي بالشهور الـ46 المقبلة.