مع تزايد وتيرة صفقات الاستحواذ التي تنتهجها الإمارات على الأصول المصرية خلال الأشهر الأخيرة بصورة غير مسبوقة، والتي امتدت أطماعها على شركات الجيش وقناة السويس، تطرأ على السطح حالة من الغضب الكبيرة والارتياب الشديد لدى الجيش والمخابرات المصرية من التغول الإماراتي في الاقتصاد المصري،  وذلك بحسب موقع "أفريكا إنتليجنس" الفرنسي.


ووفقا لمصادر استخبارتية فإن رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة “محمد بن زايد” يمارس ضغوطا على نظام العسكر الخائن للإسراع ببيع أصول للدولة إلى مستثمرين إماراتيين، خاصة تلك التي تقع على ضفاف قناة السويس.


تهديد السيادة


وأكد الموقع أن الجيش والمخابرات، يرون أن تزايد نفوذ الإمارات على هذا النحو يمثل تهديدا للسيادة المصرية في منطقة استراتيجية شديدة الحساسية، حيث تعد الإمارات من أشرس المنافسين في سباق الحصول على موطئ قدم بمنطقة القناة منذ عام 2018، من خلال استثمارات شركة موانئ دبي العالمية في ميناء العين السخنة المصري.


بالإضافة إلى  مناطق جديدة في قلب القاهرة منها جزيرة "الوراق"، وسط نهر النيل، ومبنى وزارة الخارجية المطل على ضفة نيل القاهرة، مع انتقال مقر الوزارة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وأيضا شركات تابعة لإمبراطورية الجيش الاقتصادية، وأهمها شركة "وطنية" للبترول. ما يجعل حصةً مهمة من إمبراطورية الجيش الاقتصادية على المحك، وفقاً لما أورده موقع “أفريكا إنتليجنس”.


وقال الموقع، إنه أمام ضغوط ابن زايد، فإن السيسي، في حيرة من الاستجابة لمطالب الأول، وبين الاستجابة لضغوط الجيش والمخابرات، الذين لا ينظرون بارتياح للتحمس الذي تبديه الإمارات في السباق بين دول الخليج على تأمين استثمارات لنفسها على ضفاف قناة السويس.


ضغوط إماراتية


مع توقع العديد من المراقبين والاقتصاديين، زيادة الهرولة الإماراتية للاستحواذ على الأصول المصرية، وخاصة الموانئ والشركات التابعة للجيش، في الأيام القادمة، أثار كل هذا الكثير من التساؤلات عن طبيعة تلك الاستثمارات ومدى رضاء الجيش عنها، حيث أشار "أفريكا إنتليجنس"، إلى أن السيسي، في حاجة كبيرة للأموال بفعل الديون المتفاقمة، لكنه لم يجب على السؤال: هل يخضع السيسي لمطالب ورغبات وأطماع ابن زايد في قناة السويس وشركات الجيش وبمناطق القاهرة الهامة، أم يرضخ لضغوط المخابرات والجيش؟.


وأشار مراقبون إلى أن الحالة الوحيدة (لوقف التوغل الإماراتي في مصر) هي حدوث احتجاجات شعبية تجعل السيسي يتراجع عن هذا التوجه مؤكدًا أن السيسي يغامر طوال 9 سنوات بسحق أي معارض له في الجيش، ولعل حبس السيسي للفريق سامي عنان، إثر إعلان نيته الترشح لانتخابات الرئاسة بمواجهته، "نموذج" لما قد يفعله السيسي بأي جناح مخالف له بالأجهزة الأمنية وفي الجيش.
تهديد وأطماع ابن زايد


وتنوع الاستهداف الإماراتي، للأصول المصرية في مساراته بين البنوك والشركات العقارية والمؤسسات النفطية وشركات الدواء والأسمدة والحاويات والموانئ، ولم تترك مجالًا ناجحًا إلا وطرقت بابه، دون أن تقترب من القطاعات التي تعاني من أزمات.


وللحفاظ على أطماعها وتعزيز نفوذها داخل مصر، قال الكاتب الصحفي صابر طنطاوي، إن الإمارات تتطلع للهيمنة وفرض حضورها بشكل مكثف في مصر عبر أداة الإعلام الذي تحول في وقت قصير إلى سلاح قوي لتعزيز الوجود الإماراتي مصريًا، ومن جهة أخرى تكون أداة لتخويف عبدالفتاح  السيسي فمولت إنشاء العديد من الكيانات الإعلامية، من صحف ومواقع وقنوات فضائية، وكونت جيشًا جرارًا من الإعلاميين الموالين لها.


خطر الاستحواذ الإماراتي على الاقتصاد المصري


فيما أشار عدد من الخبراء إلى أن طبيعة الاستثمارات الإماراتية في مصر لا تراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي للمصريين، فهي وبمنطق برغماتي بحت تسعى للكسب دون أي اعتبارات أخرى، فيما يرى آخرون أنها لا تقدم أي إضافات للاقتصاد المصري، كونها تستولي على أصول موجودة بالفعل وتحقق أرباح كبيرة، وعليه فهي تنقل تلك الأرباح من داخل مصر إلى خارجها، دون إثراء المشهد بأي جديد يذكر، ومن ثم فهي لا تتناسب مطلقًا مع توجهات الدولة في جذب الاستثمارات الأجنبية، الأمر الذي أثار الكثير من الشكوك حيالها.


ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الاقتصادية والسياسية محمد حيدر أنها "تمثل خطرا قوميا يمس كافة الشعب المصري"، خاصة في ظل شبهات التجسس التي لاحقت الإمارات من قبل في قضايا عالمية عدة.


ومع تقلب بيئة الاستثمار في مصر وعدم استقرارها، يعتبر حيدر حرص أبو ظبي على الاستثمار في تلك القطاعات أمرا يثير الكثير من الشكوك، محذرا من احتمال وجود حالة من التهرب أو تبييض الأموال من شركات تسيطر عليها أبو ظبي.


وتابع أنه بخلاف ما هو معروف في عرف الاستثمار من خلق كل مليون دولار لفرص عمل لأربعين شخصا، لم توفر استثمارات الإمارات في التقديرات الدنيا لها، والتي تبلغ قرابة 7 مليارات دولار، إلى نحو 19 ألف فرصة عمل، في الوقت الذي ينبغي فيه أن توفر فيه قرابة 250 ألف فرصة عمل.


الاستثمار الإماراتي في مصر


وحسب تقارير رسمية، فإن الإمارات تحتل المرتبة الأولى في قائمة الدول التي تستثمر في مصر من حيث عدد المشروعات، وفي المرتبة الثالثة بين أكثر عشر دول تستثمر بالبلاد بقيمة استثمارات بلغت 14.7 مليار دولار خلال الفترة بين 2013 و2017.


وحسب تلك التقارير، فإن القطاعات غير الإنتاجية تحظى بالنسبة الأعلى من الاستثمارات الإماراتية كالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (59%) والبنوك (17%).


وقالت شركة "بيكر آند ماكنزي" إحدى أكبر شركات القانون في الولايات المتحدة الأمريكية، في فبراير الماضي، إن الاستثمارات الإماراتية في مصر، بلغ عددها 233 صفقة بقيمة 9.9 مليار دولار، منها 118 صفقة خارجية بقيمة 6.5 مليار دولار، و115 محلية بقيمة 3.4 مليار دولار، بزيادة قدرها 49% في 2021 مقارنة بما كانت عليه في 2020.


ففي قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، كشفت وزارة الاستثمار المصرية في تقرير سابق لها تجاوز استثمارات الإمارات في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري ملياري دولار.


وكان الاستثمار بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر مقتصرا على جهات سيادية في الدولة، أو أي مستثمر أجنبي بعد نيله الموافقات الأمنية، لاعتبارات لها علاقة بالأمن القومي، ومن ثم فإن توسع الإمارات في هذا القطاع يكشف حجم النفوذ السياسي الذي تتمتع به في مصر.


وفي القطاع الصحي، استحوذت شركة أبراج كابيتال الإماراتية، المتخصصة في إدارة الملكيات الخاصة، على أكبر كيانات طبيّة داخل مصر، الأمر الذي نقلها من مجرد مستثمر إلى محتكر لهذا القطاع الذي يخدم الملايين من المواطنين.


أما القطاع البنكي، فهناك 5 بنوك إماراتية تعمل في مصر، هي: "أبوظبي الأول"، و"أبوظبي التجاري"، و"الإمارات دبي الوطني"، و"أبوظبي الإسلامي"، و"بنك المشرق".. لتصبح الإمارات صاحبة العدد الأكبر للبنوك الأجنبية بالقطاع المصرفي المصري.


وشملت تلك الصفقات شراء 12 مستشفى خاصا، أبرزها القاهرة التخصصي وبدراوي والقاهرة وكليوباترا والنيل، بجانب معامل التحاليل الأشهر، ومنها المختبر والبرج، وكذلك شراء شركة آمون للأدوية.


وفي قطاع الموانئ، شملت الاستثمارات الإماراتية مشروعات كبرى بدأت قبل 2011، أبرزها مشروع ميناء "العين السخنة" المطل على البحر الأحمر، حيث حصلت شركة موانئ دبي على حق إدارته بحصة 90%.