تسعى مصر خلال الأيام القادمة إلى إنهاء مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، والخاصة بحصولها على حزمة جديدة من القروض، والتي من المتوقع أن يتم الإعلان عنها خلال أيام قليلة من الآن.

وإجمالًا فإن مصر قد اقترضت خلال السنوات التسع الأخيرة تتجاوز 120 مليار دولار، ليبلغ الدين الخارجي 158 مليار دولار بنهاية مارس 2022.

ولذا فإن حكومة الانقلاب مطالبة بالتحرك العاجل لسداد مليارات مستحقة وإلا أوقعت البلاد في مأزق له انعكاسات خطيرة على الدولة واقتصادها وسمعتها وموازنتها العامة، وفقًا لـ"العربي الجديد"

 

17 مليار دولار واجبة الدفع خلال 5 سنوات

وسعت مصر خلال السنوات الست السابقة إلى الحصول على 3 حزم من القروض عبر 3 اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي.

تشير البيانات المنشورة على الموقع الرسمي للصندوق إلى أن القاهرة ما زالت مدينة له ومطالبة بسداد بأكثر من 17 مليار دولار واجبة الدفع خلال 5 سنوات.

ووفقًا لـ"فوربس"، فإن مصر قد اقترضت 20 مليار دولار من صندوق النقد الدولي عبر 3 اتفاقيات خلال السنوات الست الماضية، موزعة كالآتي:

-  12 مليار دولار في نوفمبر 2016، عبر آلية تسهيل الصندوق الممدد.

- 2.8 مليار دولار في 11 مايو 2020، من خلال أداة التمويل السريع.

- 5.2 مليار دولار في 26 يونيو من العام نفسه عبر اتفاق للاستعداد الائتماني.

 

جدول سداد المبالغ المستحقة

يتوقع صندوق النقد أن تسدد مصر 584.8 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (746.6 مليون دولار) من المبالغ مستحقة السداد حتى 2026 - والبالغة قيمتها 13.6 مليار وحدة سحب خاصة، وهو ما يفوق 17 مليار دولار - خلال الشهرين المتبقيين من هذا العام، وحق السحب الخاص هو أصل احتياطي دولي استحدثه الصندوق في عام 1969 ليكون مكملًا للاحتياطيات الرسمية الخاصة ببلدانه الأعضاء، وتتحدد قيمته وفقًا لسلة من خمس عملات هي الدولار الأمريكي واليورو واليوان الصيني والين الياباني والجنيه الإسترليني.

تتضمن مدفوعات عام 2023 نحو 19.5% من المبالغ المستحقة حتى 2026، أو 2.7 مليار وحدة (3.4 مليار دولار).

سيكون على مصر سداد 33.7% من المستحقات الحالية خلال عام 2024 بما يمثل 4.6 مليار وحدة (5.9 مليار دولار).

تشمل المستحقات 3.8 مليار وحدة (4.8 مليار دولار) منتظر سدادها في عام 2025 أو 27.6% من إجمالي المبالغ المستحقة.

من المتوقع أن يشهد عام 2026 سداد آخر الدفعات المستحقة بقيمة 1.9 مليار وحدة (2.4 مليار دولار)، علمًا أن التحويل من حقوق السحب الخاصة إلى الدولار الأميركي تم بناء على سعر الصرف البالغ 1.276 دولار لوحدة السحب الخاصة في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

في حال الاتفاق الذي تسعى مصر له حاليًا مع صندوق النقد الدولي، سيكون رقم 12 بين الجانبين، فقد اتفقت مصر على 11 تمويلًا من صندوق النقد الدولي على مدار تاريخها، بقيمة 16.36 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، أي ما يوازي حاليًا 20.9 مليار دولار، فيما لم تستخدم التمويلات المتفق عليها في عامي 1993 و1996 بقيمة 400 مليون وحدة، و271.4 مليون وحدة على التوالي.

 

ديون مصر اقتربت من 165 مليار دولار

وعلى الرغم من أن الأرقام الرسمية تؤكد أن ديون مصر الخارجية في حدود 158 مليار دولار، وفقًا لإحصائية مارس الماضي، إلا أن الأرقام غير الرسمية تفيد بأن هذا الدين اقترب حاليًا من 165 مليار دولار.

والسبب في تنامي الديون الخارجية لمصر، هي أن حكومة الانقلاب توسعت خلال الشهور الأخيرة في الاقتراض من عد جهات خارجية، إضافة إلى تراجع الإيرادات الدولارية للدولة، والاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي بمعدلات قياسية، وحصول الحكومة على موارد خارجية جديدة لتمويل واردات الحبوب والقمح والوقود وغيرها من السلع التموينية والأساسية.

وعلى سبيل المثال، فإن الحكومة اقترضت في بداية شهر يونيو الماضي 6 مليارات دولار من البنك الإسلامي للتنمية لتمويل واردات البلاد من الأغذية والوقود والتي شهدت قفزة في التكلفة بسبب حرب أوكرانيا، وفقًا لـ"العربي الجديد".

كما حصلت على مليارات أخرى من مؤسسات إقليمية ودولية منها البنك الدولي، وكذا قروض خارجية لصالح مشروعات بنية تحتية ونقل واستثمارات بالعاصمة الإدارية الجديدة.

 

جدول ديون مزدحم

وأشار الخبير الاقتصادي والمحاضر في الجامعة الأمريكية، هاني جنينة، إلى أن "هناك مخاطر عالية في موقف الدين الخارجي ليس لارتفاع قيمته فحسب، بل لأنه لا يزيد على ثلث الناتج المحلي الإجمالي".

واستدرك "لكن الأزمة تكمن في عدة أسباب، الأول هو ارتفاع قيمة المطلوب من الحكومة سداده خلال عام 2022، إذ يصل إلى 30 مليار دولار، نجح البنك المركزي في سداد 10 مليارات دولار منها في النصف الأول من العام، لتبقى 20 مليار دولار واجبة السداد قبل نهاية ديسمبر 2022".

وأشار جنينة إلى أن "ثاني أسباب الأزمة هو ازدحام جدول سداد الأقساط بالفوائد، إذ تتزامن أقساط واجبة السداد لقروض وتمويلات من سنوات سابقة في المقدمة منها قروض النقد الدولي، بعد أن حصلت القاهرة على أكثر من 20 مليار دولار في الفترة من 2016 وحتى 2021". لافتًا إلى أن "تلك الأزمة تتزامن مع تراجع أغلب مصادر الدخل المصري من العملات الأجنبية، خصوصًا من الدولار، تحديدًا من الأموال الساخنة"، مضيفًا أن "الحكومة المصرية تواجه أزمة حقيقية في تدبير الأموال اللازمة لسداد ما عليها من ديون فيما عدا قرض من صندوق النقد الدولي أقصى قيمة له لن تزيد على الـ5 مليارات دولار"، وفقًا لـ"إندبندنت عربية".

 

دواعي القلق

المؤشرات العامة داخل مصر تشير إلى أن البلاد مقدمة على أزمة كبيرة لهذه الأسباب:

- ارتفاع معدل التضخم السنوي بنسبة 15.3% في سبتمبر الماضي، مقابل 8% في الشهـر المقابل من العام السابق.

- ارتفاع معدلات الفائدة إلى 11.25% للإيداع و12.25% للإقراض و11.75% للعمليات الرئيسية، بينما ارتفع الاحتياطي الإلزامي من 14% إلى 18% بهدف سحب السيولة الزائدة وكبح جماح التضخم.

- رفع البنك المركزي الفائدة 300 نقطة أساس هذا العام بواقع 100 نقطة أساس في اجتماع استثنائي 21 مارس ثم رفعها 200 نقطة أساس في 19 مايو.

- هبطت قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي بنحو 20% منذ بداية العام، ليبلغ سعر صرف الدولار 19.71 جنيه، في 17 أكتوبر الجاري، مقابل 15.78 جنيه في نهاية ديسمبر 2021.

- تراجعت احتياطيات مصر من العملات الأجنبية في نهاية سبتمبر بنحو 18.8% إلى 33.2 مليار دولار مقابل 40.9 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2021.

وذكر الخبير الاقتصادي، هاني جنينة، أن المفاوضات الحالية مع الصندوق تشمل مناقشات بشأن تخفيض الدعم خاصة للسولار والخبز والأسمدة، مضيفًا: "تاريخيًا، تشمل مفاوضات الصندوق التأكيد على ضرورة تبني سعر صرف يتسم بالمرونة ولكن الأهم حاليًا ربما يكون ملف الدعم".

وصرح جنينة أن الجنيه المصري يتعرض للضغوط على المدى القصير، وهو ما يدفع سعره إلى مستويات تصل إلى 20 مقابل الدولار خلال 2022، مشيرًا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تشديدًا للسياسات المالية والنقدية بهدف توازن قوى العرض والطلب والحفاظ على سعر الصرف، وفقًا لـ"فوربس".

وفي نهاية مايو الماضي غيّرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية إلى القاهرة من مستقرة إلى سلبية، في الوقت الذي أبقت فيه تصنيفها لمصر عند B2 مع تزايد مخاطر تراجع قدرة الدولة السيادية على امتصاص الصدمات الخارجية، في ضوء التراجع الملموس لاحتياطي النقد الأجنبي.