لم يقف تأثير أزمة الدولار في مصر وتراجع قيمة الجنيه المصري على تقلص الناتج المحلي الإجمالي وحسب، بل امتد التأثير ليشمل تراجعًا في الإنتاج، وتدهورًا في القطاع الخاص، ومعاناة مجتمعية بسبب ارتفاع الأسعار بشكل كبير.

 

وتستند الاقتصادات العالمية وليس الاقتصاد المصري وحده إلى ثلاثة أعمدة رئيسة وهي: التجارة والزراعة والصناعة، ولم يكتف الدولار الأمريكي بما حققه من مكاسب مقابل الجنيه المصري منذ مارس الماضي ليطور هجومه وينخر في عصب ثالث الأعمدة الرئيسة التي يرتكز عليها الاقتصاد بعد منع الإمدادات الخارجية من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، وهما أبرز ما يعتمد عليهما أي مصنع في أي من القطاعات الصناعية.

 

تراجع حاد في الإنتاج

كشف مؤشر مديري المشتريات الذي تصدره "ستاندرد آند بورز"، عن ثبات المؤشر عند 47.6 نقطة لشهر سبتمبر، أقل من مستوى 50 نقطة، التي تفصل بين النمو والانكماش، بسبب الضغوط التضخمية المستمرة، والقيود المفروضة على الواردات، وضعف طلب العملاء.

 

وأكد المؤشر التراجع الحاد في الإنتاج وتنفيذ الأعمال الجديدة، مع ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج بمعدلات ملحوظة، وانخفاض حاد في طلب العملاء في ظل ارتفاع الأسعار وتزايد حالة عدم اليقين. وذكر المؤشر أن التحركات غير المؤاتية لأسعار الصرف مقابل الدولار الأمريكي، وارتفاع أسعار عدد من مستلزمات الإنتاج، أدت إلى زيادة أسرع في أسعار مستلزمات الإنتاج الإجمالية، بما دفع الشركات إلى رفع أسعار البيع، وفقًا لـ"العربي الجديد".

 

كان المؤشر قد رصد ارتفاعا ملحوظا في أسعار السلع، بداية من أشهر يونيو ويوليو وأغسطس، بعد ترحيل مديري الشركات للزيادات الطارئة على قيمة مستلزمات الإنتاج التي نتجت عن تراجع قيمة الجنيه، وزيادة الدولار الجمركي، ووجود موجات متتالية من زيادة أسعار الخدمات والطاقة والوقود، والغاز، بما رفع الأسعار بالمصانع، بمتوسط يتراوح ما بين 30 إلى 40%، عن أسعار البيع في مارس الماضي.

 

القطاع الخاص غير النفطي يواصل الانكماش

 

في غضون ذلك، واصل القطاع الخاص غير النفطي في مصر انكماشه للشهر الثاني والعشرين على التوالي في سبتمبر الماضي، بعد أن تأثر اقتصاد البلاد بالأزمة الاقتصادية العالمية.

 

ووفقًا لنتائج مؤشر خاص لمديري المشتريات الصادر عن مؤسسة "ستاندرد أند بورز غلوبال"، السابقة، فلا زالت أوضاع العمل في الاقتصاد غير النفطي في مصر تعاني ضغوط التضخم وترشيد استخدام الطاقة وقيود الاستيراد وضعف الطلب في نهاية الربع الثالث من العام الحالي، وفقًا لـ"إندبندنت عربية".

 

ويصل عدد المنشآت الصناعية في مصر إلى نحو 41682 منشأة يعمل فيها أكثر من 2.2 مليون عامل، بينما يصل عدد المناطق الصناعية في المحافظات إلى 146 منطقة يعمل فيها أكثر من مليوني عامل وفق بيانات "مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار" التابع لمجلس الوزراء المصري.

 

700 ألف طن من القمح عالقة في الموانئ

 

ومن الأزمات التي تؤثر على الحياة الاقتصادية في مصر، أزمة الاستيراد وبقاء آلاف الأطنان من البضائع المستوردة عالقة في المنافذ الجمركية بسبب قيود الاستيراد التي جرى فرضها في وقت سابق من هذا العام للحفاظ على احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية.

 

في سياق متصل، نقلت وكالة "رويترز" عن عدد من تجار الحبوب والقمح، الأسبوع الحالي، أن سعر القمح والدقيق المستخدمين في صنع الخبز غير المدعوم ارتفع في مصر في وقت يواجه فيه المستوردون صعوبة في دفع ثمن شحنات القمح العالقة في الموانئ في ظل نقص الدولار، وفقًا لـ" إنتربرايز".

 

وأشارت رسالة صادرة في 26 سبتمبر الماضي، من غرفة صناعة الحبوب ومنتجاتها في اتحاد الصناعات المصرية، لوزير التموين، إلى أن "الجمارك لم تفرج عن نحو 700 ألف طن من القمح، مما تسبب في توقف نحو 80% من المطاحن التي تنتج الخبز والمعكرونة وغيرهما من السلع التي تباع بالسعر التجاري، عن العمل تمامًا"، إذ قال نائب رئيس غرفة الحبوب حسين البودي، إنه "فيما تراجعت أسعار القمح العالمية إلى مستويات ما قبل الحرب الروسية - الأوكرانية، ارتفعت الأسعار في مصر بسبب نضوب المخزونات"، موضحًا أنه "لم يعد بإمكان المستوردين في مصر تجديد مخزوناتهم من القمح في ظل نقص الدولار".

 

احتجاز بضائع بقيمة 11 مليار دولار

 

وقال نقيب المستثمرين الصناعيين محمد جنيدي إن "أصحاب المصانع يعيشون أوقاتًا صعبة منذ مارس الماضي وحتى الآن"، مضيفًا أن "قرارات ترشيد الاستيراد التي طبقها البنك المركزي قبل ستة أشهر تسببت باحتجاز ملايين الأطنان من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج بالمنافذ الجمركية المصرية المختلفة"، موضحًا أن "هناك مواد خامًا ومستلزمات إنتاج محتجزة تصل قيمتها إلى نحو 11 مليار دولار أميركي"،

 

وكشف نقيب المستثمرين الصناعيين، أن "نسبة المصانع التي توقفت عن الإنتاج تمامًا في مدينة السادس من أكتوبر الصناعية بمحافظة الجيزة اقتربت من 30%، إذ إن إجمالي عدد مصانع المدينة الصناعية يبلغ 1500 مصنع، خرج منها عن الإنتاج 500 مصنع"، مؤكدًا أن "الـ1100 مصنع التي لا تزال تنتج تعمل بـ25% من طاقتها الإنتاجية".

 

مصانع تعمل بـ50% من طاقتها

 

من جانبه، قال رئيس جمعيات مستثمري مدينة بدر الصناعية، شمال القاهرة، بهاء العادلي، إن "قرار ترشيد الاستيراد من قبل البنك المركزي تسبب في خروج عدد كبير من المصانع عن الإنتاج في المدينة الصناعية بالفعل"، مؤكدًا أنه "يجري في الوقت الحالي حصر عدد المصانع المتوقفة وكذلك المصانع التي تعمل بـ50% من طاقتها الإنتاجية لرفع مذكرة عاجلة إلى رئيس مجلس الوزراء للتدخل السريع"، قائلًا إن "البنك المركزي أراد الحفاظ على قيمة الجنيه في أسواق الصرف بحبسه عن المستوردين ما تسبب في عدم قدرتهم على توفير العملة الصعبة لدفع مستحقاتهم للموردين بالخارج فتراجعوا عن عقد صفقات جديدة مع المستوردين المصريين، ومع نفاذ المخزون لدى المصنعين في الداخل ستتوقف الحياة الإنتاجية تمامًا"، مطالبًا بتدخل حاسم من الدولة "قبل فوات الأوان".