قالت منظمة "كوميتي فور جستس" إن السجناء والمحتجزين في السجون ومقار الاحتجاز المصرية يتعرضون لأنماط عديدة من التعذيب الجسدي والنفسي؛ ليس فقط لإجبارهم على الإدلاء باعترافات مزورة، ولكن بغرض الإهانة وتكريس شعورهم بالعجز واليأس والحط من كرامتهم وخصوصيتهم، فضلاً عن تعذيبهم بالخوف المستمر من القتل أو الموت أو الاحتجاز بغرف “التأديب”، التي هي بمثابة “مقابر للأحياء” فضلا عن هتك أعراضهم والاعتداء الجنسي عليهم.
وناقشت المنظمة التعذيب وآثاره على حياة الناجين من السجون ومقار الاحتجاز، في إطار عمل المؤسسة على مشروع “مراقبة أوضاع الاحتجاز” منذ عام 2017، والذي رصدت من خلاله عديدًا من أنماط التعذيب الجسدي والنفسي والجنسي داخل السجون المصرية، مثلت تراكمًا معرفيًا للتقرير.
شهادات معتقلين
واستنبط التقرير الحقوقي، الذي صدر بعنوان "ناجون من السجون مقطوعون من الحياة"، خلاصته من سرد شهادات لخمسة من الناجين، وهم شباب بمتوسط العمر (18-35 عامًا)، اثنين من الإناث وثلاث من الذكور، أنماط التعذيب النفسي المستخدمة داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية، والتي منها؛ التعذيب بالإقصاء والعزل “التغريب”، التعذيب الجسدي والإهانة والاعتداء على السلامة النفسية والجنسية للضحايا، وكذلك التعذيب بالتلاعب بالحواس، والتعذيب بالتوتر المستمر، ما يدفع بالضحية إلى الانتحار سواء داخل السجن أو حتى بعد خروجه للمجتمع الخارجي يظل هذا الهاجس يطارده.
وقالت إن شهادات عن محاولات الانتحار داخل السجون، وكان الدافع الأول لها أنماط التعذيب الجسدي والنفسي وجور الأحكام الصادرة بحقهم، لافتًا إلى حالة “فقدان الأمل” التي يعاني منها الضحايا بسبب تداعيات التعذيب الذي تعرضوا له.
وأكد التقرير أن "التعذيب النفسي والجسدي وشهادات الانتحار الحية داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية أضافت كثيرًا من الدروس لحياة الناجين منها لا سيما درس البقاء بالحياة وعدم الانهزام لأفكار الموت، إلا أن جميع المشاركين أكدوا على الاحتياج المسيس للدعم النفسي والتأهيل الاجتماعي بعد الخروج من السجن".
وأضافت أن "واقع المجتمع والاقتصاد وسياسة سلطات الأمن حتى الآن، مفادها أن الخروج من خلف قضبان السجون ومقار الاحتجاز قد يكون خروجًا إلى سجن آخر من العزلة والافتقار للأمان المادي والاجتماعي والعيش الكريم".
وأشارت إلى أن ذلك "عكس ما يروج له النظام الآن من خلال الحوار الوطني الذي يزعم النظام أنه سيؤدي لخروج الآلاف من المعتقلين والمعتقلات من داخل السجون، والأهم تأهيلهم لإعادة إدماجهم في المجتمع وتيسير كل السبل لذلك".
توصيات التقرير
وأوصت "كوميتي فور جستس" بتجريم كافة أشكال التعذيب النفسي والجسدي داخل السجون ومقار الاحتجاز، لا سيما مقار الأمن الوطني وغرف “التأديب” و”الحبس الانفرادي” بالسجون، وخاصة الواقع منها بمناطق الصعيد، والتي يشيع التغريب لها، وتسبب “التأديب” فيها لمقتل السجناء بالجوع أو الغرق أو المرض أو الانتحار.
ودعت إلى إعادة تأسيس مفهوم وأدوات وممارسات “التأديب”، لا سيما داخل سجون الصعيد لتوافق المعايير الدنيا لحقوق الإنسان في الحياة والماء والطعام والكرامة الإنسانية، مع ضرورة توفير الوصول إلى استشاريين نفسيين داخل السجن أو سجناء مؤهلين للتعامل مع ضحايا التنمر أو “مستمعين” لهم، أو توفير هواتف محمولة للتبليغ عن الاعتداءات، وتيسير تواصل الاسر مع ذويهم وإشراكهم في إدارة عوامل الخطر المفضية للانتحار، وتوفير نقاط أو مراكز الليلة الأولى لدعم السجناء فور وصولهم للسجن ووحدات طبية مؤهلة لمتابعة وعلاج المساجين الذين يتلقون علاجًا نفسيًا.
كما أوصت بـ"تجريم عمليات التعذيب الجنسي بحجة تفتيش السجناء وذويهم، ومحاسبة المسؤولين عن وقائع هتك العرض والاعتداء الجنسي بحجة التفتيش".
ودعمت التوصية الأخيرة بضرورة "محاسبة مسؤولي السجون والاحتجاز القائمين في وقائع معاقبة الضحايا الذين لم تكتمل محاولاتهم للانتحار، مع توفير تدريب ودعم ورقابة لموظفي السجون على توفير الرعاية اللازمة أو الكافية والتواصل مع الحالات المعرضة لبدء أو استكمال محاولات الانتحار والتعامل الفعال معها".
ودعا التقرير لإعادة النظر في سياسات المنع من السفر وسحب وثائق السفر والتعنت بإصدار الأوراق الرسمية والثبوتية لذوي الصحف الجنائية/السياسية، وتمكينهم من مزاولة العمل والسفر والدراسة بالخارج، وتعويض الضحايا عن الأضرار النفسية والاجتماعية والمادية التي لحقت بهم جراء الاعتقال التعسفي والسجن على خلفية قضايا ذات طابع سياسي.
ناقوس خطر
ودق التقرير "ناقوس الخطر بشأن تبعات ممارسات وآليات التعذيب النفسي والجسدي داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية، وإبراز آثر التعذيب في التسبب بدفع السجناء لمحاولات الانتحار وفي إصابة ضحايا التعذيب، الذين هم أنفسهم شهودٌ على محاولات انتحار مكتملة وغير ناجحة، بحالة اللامعيارية أو انهيار القيم، وبما يؤدي لفقدانهم الأمل والمعنى والجاذبية المجتمعية والقدرة على التواصل والفاعلية المجتمعية ببيئاتهم بعد خروجهم من السجن".
وأشارت “كوميتي فور جستس” إلى أن على الرغم من أن التقرير يؤكد على عدم تعميم النتائج بشأن تأثير تجارب السجن على حياة الناجين من قضبانه، فإنه يقر ما أبرزته دراسات السجون لسنوات من الرابط بين تعرض السجناء لأنماط التعذيب النفسي والجسدي؛ وشعورهم بفقدان الأمل وفقدان المعنى وسوداوية التفكير وصولًا لمحاولات الانتحار.
وأشارت إلى أن العوامل الذاتية والتاريخية تدفع الأفراد- سيما الناجين والمشاركين بالتقرير- بعيدًا عن هذا المصير أو قريبًا منه، وأخيرًا الإضافة إلى دراسات السجون بإجراء المقابلات لا مع السلطات والهيئات المنوطة بالرقابة على مؤسسات العقاب وإنما مع السجناء السابقين (الناجين) أنفسهم للتوصل لأهم الأسباب وممارسات التعذيب التي تدفع نزلاء مؤسسات العقاب المصرية لمحاولات الانتحار.
يشار إلى أن التقرير تطرق (1) لأنماط التعذيب الجسدي والنفسي والجنسي داخل السجون ومقار الاحتجاز، (2) وسرد شهادات لناجين عن محاولات الانتحار المكتملة وغير الناجحة، (3) وأثر تجارب التعذيب تلك والسجن على حياة الناجين، مختتمًا (4) بتوصيات يستخرجها التقرير من واقع الشهادات، ويأمل بها تعديل السياسات الأمنية والإدارية داخل السجون وإعادة النظر في سياسات الرعاية الصحية (النفسية) للسجناء وسياسات إعادة تأهيل الناجين من مؤسسات العقاب وإعادة اندماجهم بالمجتمع.