قطب العربي


زعمت وسائل إعلام إسرائيلية وصول شخصية إندونيسية مرموقة إلى إسرائيل في زيارة سرية بالتزامن مع وجود وفد باكستاني برئاسة وزير التنمية الأسبق رفقة بعض الشخصيات الباكستانية سواء من داخل الدولة أو مقيمين خارجها. وبغض النظر عن دقة المعلومات الإسرائيلية والتي قد يكون بعضها صحيح وبعضها مختلقا لصناعة حالة وهالة جديدة لموجة تطبيع قادمة، فإن المؤكد أن هذه الموجة قادمة بالفعل وستظهر عقب تنفيذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعده بزيارة الكيان الصهيوني قريبا، وهو الوعد الذي جدده خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة على هامش مشاركته في اجتماعات الأمم المتحدة.


حين تتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية عن دولتي إندونيسيا وباكستان فهي تضرب في مقتل، إذا إننا أمام أكبر دولتين مسلمتين من الناحية العددية (اندونيسيا 275 مليون نسمة، وباكستان 230 مليون تقريبا)، تمثلان مجتمعتين حوالي ثلث العالم الإسلامي، وهما مجتمعتان أكبر من عدد سكان العالم العربي المقدر بـ 450 مليون نسمة، ناهيك أن إحدى الدولتين (باكستان) هي الوحيدة حتى الآن في العالم الإسلامي التي تمتلك سلاحا نوويا معلنا.


إندونيسيا الجائزة الكبرى


ليس مستبعدا أن تقدم الدولتان على التطبيع العلني بعد الزيارات السرية أو غير الرسمية، فهي ستجد مبررها جاهزا أمام شعوبها وهو تهافت العرب أنفسهم أصحاب القضية الأصليين على التطبيع مع الكيان في موجات متتالية أحدثها الموجة الإبراهيمية الحالية، والتي قادتها الإمارات ولا تزال تكسب مشاركين جددا مع الوقت.


ستكون إندونيسيا هي الجائزة الكبرى، والحلم الذي لطالما حلم به القادة الصهاينة وآخرهم وزير الخارجية يائير لابيد الذي قال مؤخرا “إذا سألتني ما الدول المهمة التي نتطلع إليها، فإن إندونيسيا واحدة منها، لكن هذه الأشياء تستغرق وقتا”، ولذا لم تتوقف المحاولات الإسرائيلية منذ إنشاء الكيان لوضع قدمها في أكبر الدول الإسلامية، كانت المساعي الأولى في عهد الرئيس الأسبق سوهارتو (1968-1998) لكن التعاون كان سريا، وفي المجال العسكري والأمني، وقد تزايد ذاك التعاون بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 الذي أنتج سلطة الحكم الذاتي، ثم توسع التعاون في عهد الرئيس عبد الرحمن وحيد (1999-2001) الذي حاول التطبيع العلني لكنه لم يستطع مواجهة المعارضة الشعبية الواسعة، ومع ذلك لم ييأس الكيان الصهيوني وأنصاره داخل اندونيسيا إذ نجح رجل الأعمال الاندونيسي اليهودي بنيامين كنتانغ في العام 2002 في إنشاء لجنة الشؤون العامة الإندونيسية الإسرائيلية ( IIPAC) والتي ضمت حوالي 5 آلاف عضو على غرار مجموعة الضغط الأمريكية الصهيونية (أيباك)، وهي المجموعة التي تمارس ضغوطها على الحكومة الإندونيسية للتقدم في مجال تطبيع العلاقات، كما تم إنشاء غرفة التجارة الإسرائيلية الإندونيسية في تل أبيب في العام 2009 بعد أن بلغ حجم التبادل التجاري 100 مليون دولار، (الجزيرة نت بتصرف).


مساعي نخبوية باكستانية


أما باكستان التي قادت المعارضة الإسلامية في الأمم المتحدة ضد قرار تقسيم فلسطين سنة 1947، ورفضت الاعتراف به لاحقا، ويحمل جواز سفرها تنبيها بارزا أنه صالح للسفر إلى كل الدول ما عدا إسرائيل، فإنها قد لا تتأخر عن الركب أيضا، ولكنها في انتظار تطورات الموقفين التركي والسعودي على وجه الخصوص، وإضافة إلى الوفد الباكستاني الموجود حاليا في الكيان فإن وفدا مشابها ضم 15 شخصا من الإعلاميين والمثقفين ( من داخل باكستان وخارجها) زار الكيان في يونيو/حزيران الماضي، وكلتا الزيارتين تمتا بترتيب من منظمة نسائية أمريكية داعمة للتطبيع، كما شاركت باكستان في تدريب مشترك لحلف الناتو في أواخر يونيو من العام الماضي حمل اسم الرياح البحرية وضم 8 دول أخرى على رأسها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، بينما كانت المحطة الأهم هي لقاء وزيري الخارجية الباكستاني والإسرائيلي في تركيا في سبتمبر أيلول 2005، في وقت كانت فيه العلاقات التركية الإسرائيلية جيدة.


ربما يعتقد قطاع من النخب العسكرية والثقافية في باكستان أن العلاقة مع الكيان الصهيوني هي الطريق الأسرع إلى قلب واشنطن، الأمر الذي يحتاجونه في صراعهم الممتد مع الجارة الكبرى الهند، وهو ما قد يخفف أيضا انتقادات الأخيرة لباكستان بالتطرف ودعم الإرهاب، لكن الحكومات الباكستانية المتتالية لم تستطع حتى الآن الإقدام على خطوة لتطبيع العلاقات، خشية ردود الفعل الشعبية الواسعة.


قد تقدم الدولتان بالفعل على التطبيع، ولكنهما بالتأكيد ستنتظران تطورات علاقات أقطاب إسلامية أخرى وخاصة تركيا والسعودية، كما ستنتظران تطورات ولو شكلية على صعيد القضية الفلسطينية ذاتها بما يسهل لحكومتي الدولتين تبرير قرارهما أمام شعبيهما، لكن المؤكد أن الأمر لن يمر بسهولة، وقد لا يمر أصلا بسبب حجم المعارضة الشعبية الواسعة للتطبيع في كلتا الدولتين اللتين تشهدان دوما أكبر المظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية والرافضة للاعتداءات الإسرائيلية في الوقت الذي غابت، أو كادت أن تختفي المظاهرات من الدول العربية نتيجة القمع الأمني.


مقاومة شعبية واسعة


لقد ألغت باكستان نفسها وتحت الضغط الشعبي الجارف من قبل مؤتمرا زراعيا دوليا لمنظمة الأمم المتحدة للزراعة (الفاو) تجنبا لمشاركة وزير الزراعة الإسرائيلي بعد تلقيه دعوه للمشاركة من المنظمة الأممية، كما أن إدارة ترامب فشلت في ضم إندونيسيا لقافلة الموقعين على اتفاقيات أبراهام، وشهدت عاصمتها أيضا احتجاجات واسعة ضد معرض لتخليد ضحايا الهولوكوست أقيم في يناير/ كانون ثاني الماضي، بخلاف العديد من الاحتجاجات الأخرى ضد أي مسعى للتطبيع مع الكيان الصهيوني.


يبقى الرهان الحقيقي على إرادة الشعوب العربية والإسلامية الرافضة للاحتلال الإسرائيلي، والتي حرمت العدو الصهيوني حتى اللحظة من الاندماج في المنطقة، واعتبرته جسما غريبا وملفوظا، وأوقفت تطبيعه عند الحدود الرسمية مع الحكومات مع استثناءات نادرة في دول هامشية لا تتمتع شعوبها بحرية التعبير أساسا.


نقلا عن: الجزيرة مباشر