يبدو أن المواطنين مقدّر عليهم المعاناة، والتظلم، والشكوى، فبعد 3 سنوات من تقديم ملفات "التصالح على البناء" التي ألزمتهم بها حكومة الانقلاب، إلا أن السلطات المحلية تماطل في منحهم نموذج (10) الذي يمكنهم من استكمال بناء بيوتهم والعيش بأمان في شققهم.

 

 
ويسعى المتصالحون في مخالفات البناء للحصول على نموذج (10)، بعد تصريح رئيس لجنة الإدارة المحلية أحمد السجيني، في 9 أغسطس الماضي، عن نية البرلمان اعتماد نسخة جديدة من قانون التصالح يكون فيها النموذج بمثابة رخصة بناء يمكن لهم به استكمال بيوتهم.

 

 
"البداية من السيسي"

 

 
القصة بدأت بأوامر من قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، بهدم جميع مخالفات البناء بالبلاد، مهددا بنزول الجيش لتنفيذ الهدم، ما قابله المصريون بثورة غضب اندلعت بالكثير من القرى والمدن في سبتمبر 2019، وبنفس الشهر من 2020، في ما عُرف بـ"ثورة الجلاليب".

 

 
وإلى جانب فرض الحكومة الكثير من القيود على عمليات البناء بجميع المحافظات من 2019 وحتى اليوم، هدم المحافظون آلاف المنازل بدعوى مخالفتها الاشتراطات، وذلك بأوامر متتابعة من السيسي، جددها آخر مرة في 27 سبتمبر 2021.

 

 
وهو التوجه الذي أكمله السيسي بقرارات مثيرة للجدل بوقف البناء في جميع أرجاء البلاد لمدة 6 أشهر منتصف العام 2020، ما عدا مشروعاته بالعاصمة الجديدة ومدينة العلمين والجلالة وغيرها، من مشروعات الدولة والجيش.

 

 
ومع غضب المصريين المتصاعد من مشاهد هدم منازلهم، أصدر السيسي قانون "التصالح في مخالفات البناء" رقم 17 لسنة 2019، الذي صدرت نسخته الأولى 8 أبريل 2019، ليجري آخر تعديل عليه 7 يناير 2020.

 

 
القانون حدد غرامات التصالح، بين 50 جنيهًا للمتر المسطح في الريف إلى ألفي جنيه للمتر بالمدن، بحسب المستوى العمراني والحضاري وتوافر الخدمات وفق قرار اللجان المحلية بكل محافظة.

 

 
وبعد انتهاء مهلة التصالح التي أعلنتها الحكومة في 31 مارس 2021، وصل عدد طلبات المصالحة 2.8 مليون طلب، منها 1.6 مليون بالريف.

 

 
قيمة المتحصلات بلغت 17 مليار جنيه، منها 1.5 مليار رسوم فحص، و15.5 مليار رسوم جدية تصالح، بحسب تصريحات صحفية لوزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي، 8 فبراير 2021.

 

 
وتوقع النائب أحمد السجيني رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس نواب الانقلاب وصول عائد التصالح إلى 50 مليار جنيه، وفق تصريح إعلامي له 9 أغسطس الماضي.

 

 
ورغم أن ملف التصالح جرت إحالته للجيش، وفقا لكتاب وزارة التنمية المحلية مطلع مارس الماضي، للمحافظين بضرورة التنسيق مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لتحل محل اللجان الفنية بالمحافظات للبت بالطلبات، إلا أنه ومع مرور نحو 6 أشهر لم يجر البت بها.

 

 
"نصب ونهب واستنزاف"

 

 
بعض المواطنين تحدثوا عن أزمتهم مع قانون التصالح ومماطلة الحكومة في منحهم نموذج (10) مؤكدين أن "القانون استنزفنا ماليا، وزاد أعباءنا وأزماتنا، خاصة مع فرضه دفع نسبة الربع من قيمة المخالفة فورا قبل قبول ملف التصالح".

 

 
وأضافوا، إننا "وقعنا بعدها في مصيدة الابتزاز والاستنزاف، بسبب شروط التصالح ومطالبة المواطنين برسومات هندسية وتوقيعات من استشاريين هندسيين مقابل مبالغ ما بين 5 و10 آلاف جنيه، ووقوع البعض ضحية نصب بعض صغار المهندسين والمكاتب الهندسية".

 

 
وإلى جانب ما دفعوه من "رسوم المعاينة الأولى والثانية"، لفتوا إلى معاناتهم خلال تقديم الملفات، "خاصة مع تزاحم مئات الآلاف من المصريين لأشهر عديدة في 2021 و2022، أمام البنوك لدفع ربع قيمة المخالفات كما قدرتها الوحدات الهندسية، في توقيت انتشار فيروس (كورونا)".

 

 
وأشاروا إلى معاناتهم الأكبر كانت مع "موظفي الوحدات والمجالس المحلية والأقسام الهندسية عند تقديم الأوراق والرسومات والرسوم المقررة، وخاصة أن التصالح كان محددا في البداية بمدة 6 أشهر فقط".

 

 
وأوضحوا أن "أغلب الموظفين رفضوا الأوراق التي تصل لـ8 مستندات بجانب الرسومات بدعوى أنها خطأ، وزعموا أنه سيتم رفضها، وأكدوا أنهم سيقومون بوضع الأوراق والرسومات الصحيحة مقابل مبالغ تراوحت في أغلب الحالات بين ألف و5 آلاف جنيه، بجانب بدلات الانتقال للمعاينات".

 

 
وأكدوا أن المشكلة الآن أنه "وبعد 3 سنوات من تقديمهم أوراق المصالحة ودفع كل تلك المبالغ لم نحصل على نموذج (10)، الذي يسمح باستكمال البناء"، مؤكدين أنه "خلال السنوات تلك تضاعفت أسعار مواد البناء، وأن حياتهم وحياة أبنائهم توقفت".

 

 
وقالوا إن "حكومة رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي، نصبت علينا وجعلتنا نهبا للموظفين المرتشين، مؤكدين أن شكاواهم لرؤساء مجالس القرى والمدن لا يُنظر إليها"، مطالبين الحكومة بمنحهم نموذج (10) لاستكمال بناء مساكنهم، وتزويج أبنائهم".

 

 
وأشاروا إلى خسائرهم الكبيرة من عدم استكمال بيوتهم مع ارتفاع أسعار مواد البناء غير المسبوق منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية 24 فبراير الماضي، والذي بلغ نحو 40% في حديد التسليح، ليصل سعر الطن نحو 19 ألف جنيه مطلع سبتمبر الجاري.

 

 
وفي السياق، قال "أحمد. ت"، (يعمل في الخارج): "اشتريت شقة في منطقة جسر السويس بالقاهرة، قبل 6 سنوات، وفوجئت بصاحب العقار يخطرني بدفع 12 ألف جنيه مصالحة على الشقة، ورغم رفضي لأنه هو من خالف شروط البناء إلا أنني اضطررت للدفع وكل من في العقار".

 

 
وأضاف "رغم أنني دفعت المبلغ المطلوب كاملا على الشقة عام 2020، إلا أنني لم أحصل على أي شيء يثبت ذلك، لأن صاحب العقار لم يحصل على نموذج (10)"، وفقًا لـ لـ"عربي21".

 

 
استيلاء حكومي

 

 

ورغم اعتراف الحكومة على لسان وزير الإسكان عاصم الجزار، بأزمة السكن، بقوله في أغسطس 2021، إن هناك زيادة سكانية من 2 إلى 2.5 مليون نسمة سنويا، تحتاج من 500 إلى 600 ألف وحدة سكنية، إلا أن السيسي يصر على تقليص عمليات البناء.

 

 
في يناير الماضي، قال إن وقف البناء سيكون على مراحل، ولن نسمح لأحد -باستثناء الدولة- بالبناء في مشاريع الإسكان لمدة 10 سنوات من الآن، لحين وضع آليات منضبطة بشأن التراخيص وخلافه.

 

 
وفي المقابل، وعلى مدار السنوات الـ6 الماضية يبني العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، ومدينة العلمين الجديدة (شمال غرب)، وسط سيطرة النظام على قطاع البناء والتشييد الذي يسهم بـ17% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء.

 

 

 "فكر الجباية"

 

 
وفي رؤيته قال الخبير الاقتصادي أحمد خزيم، إن "أزمة نموذج (10) للتصالح تؤكد أن فكر الحكومة أصبح لا يملك إلا الجباية، سواء في ادعاء رفع الدعم عن منتجات أو خدمات لا يعرف عن تكلفتها الحقيقية، والتي يمكن أن تكون الارتفاعات في تكلفتها نتيجة إهدار أو فساد أو عدم خبرة".

 

 
وأضاف أن "الحكومة تواصل الحصول على مبالغ من المواطنين مبالغ فيها وتحت بنود غير مبررة، مثل تذاكر مترو الأنفاق وتراخيص السيارات وغيرها، وبالتالي نصل إلى قرار البناء".

 

 
ولفت إلى أنه "تم اختراع نموذج (10) وعندما أقبل الناس على التصالح تختفي الدولة ولا تنفذ، لأن الغرض خلف القانون هو وقف البناء وغيره من أهداف غير معلنة، وذلك مثل الكثير من القرارات، ما يؤكد غياب الشفافية والتي أصابت كافة القطاعات وأتت بالكثير من الأزمات التي تتراكم دون حل أو أسباب حقيقية".