بدأت المؤشرات التحذيرية الظهور بشأن الديون المصرية، مما زاد مخاوف المستثمرين من أن البلاد قد تتجه نحو التخلف عن السداد، بحسب تقرير لوكالة (بلومبرغ) الأمريكية.

وقالت بلومبرغ إن الاضطراب “واضح جدًّا” في الأصول المصرية، إذ ارتفع احتمال فشل الحكومة في سداد الديون خلال عام واحد إلى أعلى مستوياته منذ عام 2013 وإلى الأسوأ في المنطقة.

وبحسب التقرير فإن مصر أصبحت تمثل “أحدث رمز للمعاناة التي تجتاح الدول الفقيرة على خلفية ارتفاع التضخم وارتفاع العائدات وتراجع النمو العالمي”.

ورصدت بلومبرغ مراقبة المستثمرين -الذين ما زالوا يتألمون من تخلف روسيا وسريلانكا عن السداد في الآونة الأخيرة- لمصر كدراسة حالة لقياس ما إذا كان يمكن للعالم النامي الأوسع أن يتجنب أزمة ديون كاملة ويتخطى الحقبة القادمة في ظل ظروف ائتمان أكثر تشددًا.

وقد تسبب ذلك في ارتفاع الهامش بين السندات المصرية وسندات الخزانة الأمريكية فوق 1200 نقطة أساس للمرة الأولى على الإطلاق، بحسب بلومبرغ نقلًا عن بيانات مؤشر “جيه بي مورغان” للسندات الحكومية بالأسواق الناشئة.

وذلك في حين أن تكلفة التأمين ضد تخلف مصر عن السداد بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق عند 1500 نقطة أساس الشهر الماضي، قبل أن تنخفض إلى 940 نقطة أساس نهاية الأسبوع الماضي.

ورغم ظهور مؤشرات للاستقرار في البلاد هذا الشهر مع تعيين رئيس جديد للبنك المركزي، فإن المخاوف من أن تفشل هذه الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الوفاء بديونها ستظل في صدارة أذهان المستثمرين حتى تخفض مصر من قيمة عملتها وتكون حزمة صندوق النقد الدولي كبيرة بما يكفي لسد فجوة التمويل، وفق بلومبرغ.

ونقلت الوكالة عن كالي ديفيس الخبيرة الاقتصادية في “أكسفورد إيكونوميكس أفريكا” قولها “لتفادي التخلف عن سداد الديون ستحتاج مصر إلى دعم خارجي إضافي، ولا سيما في سياق عجز الحساب الجاري المتضخم وتدفقات رأس المال الضعيفة”.

وأضافت “إذا أصبحت مصر غير قادرة على تأمين مزيد من التمويل الخارجي، فإن مخاطر التخلف عن سداد الديون ستزداد بشكل كبير”.

وتبلغ نسبة ديون مصر من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 94%، ويتعين عليها حاليًّا سداد ديون خارجية تبلغ أكثر من 5 مليارات دولار مقومة بالدولار واليورو في الربع الرابع من عام 2022، و9 مليارات دولار أخرى تستحق السداد في عام 2023، وفقًا لبيانات جمعتها بلومبرغ.

وقال زياد داود، خبير الأسواق الناشئة لدى بلومبرغ، إن مصر بحاجة حاليًّا إلى نحو 41 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري حتى نهاية عام 2023.

وشهد احتياطي مصر من النقد الأجنبي انخفاضًا بنحو 20% إلى 33.14 مليار دولار هذا العام، بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتدفقات رأس المال الخارجة وتكاليف الاقتراض المتزايدة.

وبلغ الدين الخارجي لمصر أعلى مستوياته على الإطلاق وارتفع بنسبة 17% على أساس سنوي ليصل إلى 157.8 مليار دولار في ثلاثة أشهر من يناير/ كانون الثاني إلى مارس/آذار.

كل هذه الأسباب تجعل المستثمرين يزنون مخاطر احتمال أن تحذو مصر حذو روسيا وسريلانكا، إذ كانت سيريلانكا هي الدولة الأولى التي توقفت عن الدفع لحاملي السندات الأجانب هذا العام، بسبب تكاليف الغذاء والوقود الباهظة التي أججت احتجاجات وفوضى سياسية، ثم تبعتها روسيا في يونيو/حزيران بعد أن علقت في شبكة من العقوبات.

غير أن رئيس الأبحاث السيادية في (إف آي إم بارتنرز) ماثيو فوغل يرى أن “مصر ليست سريلانكا لأن لديها احتياطيا أعلى بكثير وخيارات تمويل أفضل بكثير في المستقبل، ومشكلة مصر تمكن السيطرة عليها من خلال سياسات أكثر صرامة ودعم الدائنين الرسميين”.

وتكافح مصر لمواجهة قفزة أسعار الحبوب بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وكانت دول خليجية قد تعهدت بتقديم أكثر من 22 مليار دولار في شكل ودائع واستثمارات لدعم اقتصاد دولة يُنظر إليها على أنها ركيزة أساسية في العالم العربي.

وبعد أيام فقط من تغيير قيادة البنك المركزي، قال رئيس الوزراء بحكومة السيسي، مصطفى مدبولي في 22 أغسطس، إن البلاد تقترب من إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض جديد.

ومع تفضيل صندوق النقد الدولي لسعر صرف أكثر مرونة، أدت الأحاديث حول المزيد من تخفيض قيمة العملة إلى دفع الجنيه إلى أدنى مستوياته منذ ديسمبر 2016 في السوق الخارجية الأسبوع الماضي.

وواصل الجنيه الانخفاض أمس ليصل إلى 19.24 جنيها مقابل الدولار، واقترب من مستوياته القياسية الدنيا، ويقول المحللون إن العملة لا تزال بحاجة إلى مزيد من الانخفاض لتقليص فجوة التمويل في مصر، وتتوقع أسواق العقود الآجلة أن ينخفض الجنيه بنسبة 22% خلال العام المقبل.