عندما خرج علينا قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، في محاضرة ألقاها على طلبة الكلية الحربية، السبت الماضي، وقال خلالها: "نتحرك في موضوع سد النهضة بهدوء وبتفاوض، ودايمًا أقول إن الأمور لا تُحل بالصوت العالي، والأمور تُحل بالقدرة والعمل والصبر"، رد عليه نهاية الأسبوع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في خطاب بثه التلفزيون من موقع سد النهضة الإثيوبي، ليقول: "ما ترونه خلفي هو الملء الثالث مكتملًا".
وبينما هنأ رئيس الوزراء آبي أحمد، الشعب الإثيوبي بما وصفه بـ"الإنجاز الناجح للمشروع وفقًا للخطة"، تجد حكومة الانقلاب نفسها عاجزة عن إيجاد حل للأزمة المتفاقمة، والتي أكدت مرارًا أنها تهدد أمنها القومي.
ويفاقم ذلك فشل كل محاولات الوساطة من قبل الدول التي لجأت إليها مصر، مثل الولايات المتحدة والإمارات وغيرهما، في إقناع الإثيوبيين بالجلوس والتفاوض مرة أخرى بشرط التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) خلال زمن محدد.
وفي ظل هذا الموقف الصعب، وبالنظر إلى التصريحات الأخيرة التي أطلقها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، في محاضرة ألقاها على طلبة الكلية الحربية، السبت الماضي، وقال خلالها: "نتحرك في موضوع سد النهضة بهدوء وبتفاوض، ودايمًا أقول إن الأمور لا تُحل بالصوت العالي، والأمور تُحل بالقدرة والعمل والصبر"، يجد المراقبون صعوبة في تحديد المسار الذي يجب أن تتخذه حكومة الانقلاب لحل هذه الأزمة.
فرضية اللجوء لمجلس الأمن
وقال دبلوماسي مصري مطلع على ملف أزمة سد النهضة، إن مصر "تستبعد حاليًا فكرة الذهاب مرة أخرى إلى مجلس الأمن الدولي، لحثه على التدخّل في الأزمة تأسيسًا على النظرية التي تشير إلى عيوب فنية قد تؤدي إلى انهيار السد".
وأضاف أن "القاهرة تعلم الآن أن اللجوء إلى مجلس الأمن في القضية لن يثمر حلًا جذريًا للأزمة، ومن الممكن أن يؤدي إلى تقوية موقف إثيوبيا أكثر، وذلك في حال تشكيل لجنة من المجلس للتحقيق في مزاعم خطورة انهيار السد، وانتهاء اللجنة إلى أنه لا توجد خطورة فعلية من انهياره، وبالتالي يصبح تقرير هذه اللجنة صكًا دوليًا جديدًا يضاف إلى الأوراق التي تمتلكها إثيوبيا، يقوي موقفها في القضية".
وانتشرت في الآونة الأخيرة، تصريحات صدرت من قبل مسؤولين مصريين سابقين، وخبراء في مجال المياه، عن وجود عيوب فنية في تصميم سد النهضة، قد تؤدي إلى انهياره.
وكشف مصدر في وزارة الخارجية المصرية، عن أن "المسؤولين عن ملف سد النهضة بالوزارة، بالتعاون مع المسؤولين في هيئة الأمن القومي (تابعة للمخابرات العامة)، قاموا بدراسة فكرة التوجه إلى مجلس الأمن الدولي على أساس هذه المخاوف، والدفع بأنها تهدد السلم والأمن الدوليين، لكن تم استبعاد الفكرة".
وفي السياق، قال أستاذ القانون الدولي العام في مصر، أيمن سلامة، إنه "عندما تقول مصر إن لديها ما يقلقها، وإن هناك شقوقًا في جسم السد وعيوبًا هندسية قد تؤدي إلى انهياره، فإن مجلس الأمن هنا يستطيع أن يحقق في الأمر، وهذا أمر وارد الحدوث، ولكن يتم بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة".
وأوضح سلامة أنه في هذه الحالة "إما أن يحقق المجلس بنفسه عن طريق لجنة خبراء المجلس، أو يشكل لجنة مستقلة فنية"، مؤكدًا أنه "في حال صدر قرار أو توصية من مجلس الأمن، تكون بموجب الفصل السادس (الخاص بالتسوية السلمية للنزاعات) وليس السابع (الخاص بما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان)".
وتابع سلامة: "عندما يصدر مجلس الأمن الدولي توصية بتشكيل لجنة، وهذه اللجنة يكون أساسها القانوني بموجب الفصل السادس، فهل إثيوبيا ملزمة باستقبال هذا اللجنة؟"، مضيفًا: "بالطبع لا، إلا إذا كان لدى إثيوبيا حسن نيّة، فإنها تلتزم بأي توصية أو قرار من المجلس بغض النظر عما إذا كانت بموجب الفصل السادس أو السابع".
وأشار أستاذ القانون الدولي إلى "سيناريو آخر يمكن أن ينفذه مجلس الأمن الدولي وهو تكليف الأمين العام بجهود وساطة، أو التوصية بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية، ولكن وفقًا للنظام الأساسي للمحكمة، وهذا لن يحدث إلا إذا وافقت الدول الثلاث على قبول اختصاص المحكمة".
وأضاف أن مجلس الأمن "يمكن أيضًا أن يوصي بتشكيل لجنة للتوفيق"، لكنه استبعد ذلك نظرًا لأن المجلس أحال القضية إلى الاتحاد الأفريقي بموجب الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة، وتحديدًا في المادتين 52 و53.
البند 52 من الفصل الثامن بالأمم المتحدة
وتنص المادة 52 على أنه "ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي ما دام العمل الإقليمي صالحًا فيها ومناسبًا، ما دامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها. ويبذل أعضاء الأمم المتحدة الداخلون في مثل هذه التنظيمات أو الذين تتألف منهم تلك الوكالات كل جهدهم لتدبير الحل السلمي للمنازعات المحلية عن طريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة هذه الوكالات وذلك قبل عرضها على مجلس الأمن. وعلى مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه المنازعات المحلية بطريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة تلك الوكالات الإقليمية بطلب من الدول التي يعنيها الأمر أو بالإحالة عليها من جانب مجلس الأمن".
وبدأت التوربينات الثانية لسد النهضة الإثيوبي، توليد الطاقة في وقت مبكر من الخميس الماضي، بحضور رئيس الوزراء أبي أحمد والرئيسة سهل وورك زودي ومسؤولين حكوميين كبار آخرين، بطاقة تبلغ 375 ميغاواط.
وبات مستوى المياه في الخزان يصل إلى 600 متر، أي أكثر بـ25 مترًا مما كان عليه في ختام المرحلة الثانية من التعبئة في الفترة عينها من العام الماضي.
ودعا أبي أحمد مصر والسودان إلى مواصلة مفاوضات سد النهضة عبر الحوار هو الطريق الأمثل بالنسبة للبلدان مع استمرار بناء السد. وقال: "يجب على السودان ومصر أن تفهما بأن إثيوبيا تعمل لتلبية احتياجاتها من الطاقة الكهربائية وليس لديها نية لإلحاق الضرر بدول المصب".
من جهته، كشف مدير مشروع سد النهضة، كيفل هورو، في حفل الافتتاح، أن إجمالي عملية بناء مشروع سد النهضة وصل الآن إلى 83.3%، وأضاف أن "الجهود جارية لاستكمال المشروع خلال العامين ونصف العام المقبلين".