توجت زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى مصر بحزمة من اتفاقيات اقتصادية وتجارية بقيمة 30 مليار ريال (7.73 مليارات دولار)، على هامش زيارته القاهرة؛ تمهيدًا لاستثمارات سعودية تبلغ 30 مليار دولار، وفقًا للبيان الختامي للقمة الثنائية.

وينظر البعض إلى تلك الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين على أنها طوق نجاة للاقتصاد المصري المأزوم، الذي وصفته مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، في وقت سابق، بقولها إن أوضاع الاقتصاد المصري في تدهور.

وشددت المسؤولة الدولية، في تصريح لها في أبريل الماضي، على حاجة مصر إلى الاستقرار المالي، والاستمرار في الإصلاحات، إلى جانب الحاجة لبرنامج تابع لصندوق النقد الدولي يحمي الفئات الضعيفة.

وتبلغ الاستثمارات السعودية في مصر 32 مليار دولار، مقابل 5 مليارات دولار استثمارات مصرية في السعودية، وفق بيانات اتحاد الغرف التجارية السعودية.

ورغم إيداع السعودية، في مارس الماضي، 5 مليارات دولار بالبنك المركزي المصري، والإعلان عن استثمارات 10 مليارات دولار بين "صندوق مصر السيادي"، و"صندوق الاستثمارات السعودي"، إلا أن قائد الانقلاب السيسي وفي 13 يونيو الجاري، طالب دول الخليج وبينها السعودية بتحويل ودائعها بمصر إلى استثمارات.

"استنجاد بالمال الخليجي"

ودعا قائد الانقلاب، السيسي، قبل أيام، السعودية والإمارات إلى تحويل الودائع إلى استثمارات في مصر، جاء ذلك خلال إجابة الأخير عن سؤال حول إمكانية وجود مزيد من الإيداع النقدي من جانب السعودية والإمارات في البنك المركزي، خلال لقاء مع إعلاميين بعد افتتاح مشاريع للإنتاج الحيواني.

جاءت تصريحات السيسي بعد مقال أو ما يصفها البعض "بالرسالة" للكاتب الصحفي المصري عماد أديب، المقرب من النظام هو وشقيقه عمرو أديب، محذرًا فيها من عدم ترك الاقتصاد المصري دون تدخل مالي عاجل لمواجهة فاتورة الحرب الروسية-الأوكرانية.

واعتبر أن الحل الوحيد في تصوره هو تعويض مصر عن فاتورة الحرب البالغة 25 مليار دولار، التي أدت إلى ارتفاع فاتورة الطاقة ومشتقّاتها والحبوب والغلال والسلع التموينيّة الأساسية، وإلا مواجهة تداعيات كارثية من بينها مواجهة أعداد لا تحصى من المصريين المهاجرين عبر الحدود.

وتساءل الكاتب الصحفي سليم عزوز في مقال له على صحيفة "عربي21": "مقال عماد أديب هو نداء لدول الخليج أن أنقذوا نظام عبد الفتاح السيسي، وإلا فأبواب جهنم ستفتح عليكم، واستخدم من الأوصاف أتعسها مثل "الكابوس" و"الفوضى"، فهل كان يقدح من رأسه؟!"

وهبط الجنيه المصري إلى أدنى مستوى له في خمس سنوات، بضغط قوي من نقص حاد في العملات الأجنبية، وسط تراجع حاد للاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، وصل إلى نحو 35 مليار دولار، مقابل أكثر من 41 مليار قبل الأزمة الروسية الأوكرانية، وهروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة منذ فبراير الماضي.

الرهان على السيسي

توقع الخبير الاقتصاد الاستراتيجي الدكتور علاء السيد أن يستمر الرهان الخليجي الإسرائيلي الأمريكي على دعم النظام المصري مؤقتًا، قائلاً: "زيارة بن سلمان هي تأكيد على ضرورة الدعم المالي من أنظمة الخليج للاقتصاد المصري المنهار، لمنع أي تداعيات شعبية قد تسقط النظام المصري، فيتأثر أمن الكيان الصهيوني سلبًا، وقد يؤدي إلى تخفيف الضغط والحصار المصري على قطاع غزة".

وأضاف "ما يجري هو بإيعاز أمريكي – صهيوني مقابل اعتماد القادة الجدد في كل من السعودية والإمارات، وتقديم الدعم الأمريكي للقيادة المصرية الحالية، مقابل أيضًا تنفيذ ما سيطلب منهم لتحقيق الإستراتيجيات والأهداف العسكرية والاقتصادية الأمريكية والصهيونية في المنطقة".

وبيّن السيد: "لن تستطيع دول الخليج سداد فواتير فشل الاقتصاد المصري لمدة أطول من تاريخ الانتهاء من إجراء الانتخابات التشريعية الأمريكية ودعم الصهاينة والعرب لحزب بايدن فيها بنهاية هذه السنة، ثم ستنهار كافة الاتفاقات والوعود التي أبرمت وتبرم خلال الأسابيع الحالية والمقبلة، كما أن الدعم المالي العربي والقروض الدولية للحكومة المصرية لن تحل الأزمة الاقتصادية الطاحنة في مصر، بل ستزيد الطين بلة بسبب فشلها في إدارة الموارد المالية والطبيعية والبشرية في البلاد".

"الخليج والثقة في السيسي"

التدهور الاقتصادي في مصر جعل دول الخليج تنظر إلى قائد الانقلاب، السيسي، على أنه شريك لا يمكن الوثوق به، بحسب خبير الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف؛ نظرًا للفساد غير المسبوق في عهده وبعلمه، وقيام الدائرة الضيقة المحيطة به بفساد ضخم، وضياع موارد الدولة المحدودة والمنح التي لا ترد، التي تزيد على 50 مليار دولار أمريكي، واستدانة أكثر من 100 مليار دولار كديون خارجية".

وأشار إلى أنه "بالرغم من دعم الخليج ودعم المؤسسات المالية الدولية- صندوق النقد الدولي والبنك الدولي- للسيسي ونظامه، تزايدت البطالة ومعدلات الفقر، ما ينذر بانفجار مجتمعي وعدم استقرار للمنطقة، ومقال عماد الدين أديب محاولة للتسول بشكل مبتكر، خاصة أن الخليج الآن لديه فوائض ووفورات مالية نظرًا لارتفاع أسعار النفط والغاز، فسيقوم بإنقاذ السيسي ونظامه، ولكن مع مزيد من الضغوط والإذلال السياسي له".

وختم حديثه بالقول: "لن تتأثر كثيرًا علاقة الخليج بنظام السيسي؛ لأن حكام (السعودية والإمارات) ونظام السيسي هم أنظمة وظيفية، تؤدي أدوارًا محددة، والتناغم بينهم مطلوب لاستقرار إسرائيل والمصالح الأمريكية".