حالة من الجمود أصابت المفاوضات الجارية بين الحكومة المصرية، التي تعيش أزمة بسبب نقص العملة الأجنبية، وصندوق النقد الدولي، على وقع تجاذبات سياسية إقليمية ودولية، تمتد من أمريكا إلى روسيا، مرورًا بأوروبا ومنطقة الشرق الأوسط. وفيما يضغط صندوق النقد الدولي على الحكومة لتنفيذ إجراءات اقتصادية، تخشى الأخيرة من أن تؤدي الإجراءات متى ما اتخذت إلى انفجار شعبي.

وفي السياق، كشفت مصادر أن "القاهرة كانت قد طلبت أخيرًا، دعم الإدارة الأمريكية لفريقها الذي يتفاوض مع إدارة صندوق النقد، من أجل تخفيف الشروط، وزيادة قيمة البرنامج الجديد".

وأوضحت المصادر أن "حماسة الإدارة الأمريكية تجاه خطوات دعم المفاوضات بين مصر والصندوق تراجعت بدرجة كبيرة، بعد أن أرسلت مصر وفدًا سياسيًا رفيع المستوى إلى روسيا، في زيارة غير معلنة الشهر الماضي، بهدف نقل رسائل دعم لموسكو، والتأكيد على التزام مصر بموقفها من الصراع الدائر بين المعسكرين الروسي والغربي".

بين واشنطن وموسكو

وقالت المصادر إن "النظام المصري لا يزال يعاني من تأرجحه بين واشنطن وموسكو، وأن توجهه إلى موسكو أخيرًا كان هدفه الحصول منها على دعم ووعد بتقديم تسهيلات فيما يتعلق بالإمدادات من الطاقة والحبوب، في ظل الأزمة الطاحنة التي تعيشها مصر".

وأضافت أنه "في الوقت ذاته لا تريد القاهرة أن تخسر الولايات المتحدة كحليف استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه". وأوضحت المصادر أنه "على الرغم من ذلك، لا تزال الولايات المتحدة متأرجحة في موقفها بالنسبة لمصر في الوقت الحالي، إذ إنه رغم غضبها من ميل القاهرة ناحية موسكو، إلا أنها في الوقت ذاته لا تريد أن تخسرها، ولذلك فهي تقدم بعض المساعدات".

وأكدت المصادر أن "الموقف الأوروبي الداعم حاليًا للنظام المصري، والذي تجسد في إعلان الدول السبع الكبار تمسكها بالتزامها دعم مصر في الأزمة الناجمة عن الحرب الروسية، والمتعلقة تحديدًا بالحبوب، هدفه احتواء مصر وضمها للمعسكر الغربي".

وقال سفراء مجموعة الدول السبع الصناعية، كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا وأمريكا، والاتحاد الأوروبي، في بيان في القاهرة أمس الأول الثلاثاء، إن دولهم "تعمل جاهدة للحفاظ على فتح أسواق السلع الزراعية عالميًا، وتقف إلى جانب الناس في مصر".

حاجة أوروبية للغاز المصري

وأوضحت المصادر أنه "بالإضافة إلى محاولة الغرب احتواء القاهرة وضمها إلى معسكرها، هناك حاجة أوروبية ملحة لمصر الآن، وهي مسألة إمدادات الغاز الطبيعي، خصوصًا لدى ألمانيا، بعد إعلان مجموعة غازبروم الروسية العملاقة، الثلاثاء (الماضي)، خفض شحناتها من الغاز إلى ألمانيا عبر خط أنابيب نورد ستريم بأكثر من 40% يوميًا، نظرًا لعدم تسلمها المعدات الضرورية من شركة سيمنز الألمانية".

ولفتت المصادر إلى أن "الدول الأوروبية، لا سيما ألمانيا، تعوّل على مصر كمورد للغاز الطبيعي، يعوض الكميات التي نقصت من روسيا".

السيسي وبايدن

وقالت المصادر إنه في ما يخص الولايات المتحدة، فإن "اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في السعودية الشهر المقبل، ربما يحسم الكثير من القضايا الخاصة بمصر، ومن بينها مسألة الوساطة الأمريكية بين حكومة الانقلاب وصندوق النقد الدولي الذي يفرض شروطًا قاسية، يخشى النظام المصري من أن تنفيذها قد يؤدي إلى غضب شعبي واسع".

وحملت كلمات السيسي خلال افتتاح مشروعات للإنتاج الحيواني أخيرًا، إشارات كثيرة بشأن الضغوط الاقتصادية الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا.

وكشفت مصادر رسمية عن أن "المفاوضات بين الحكومة المصرية وصندوق النقد بشأن برنامج القرض الجديد الذي تقدمت القاهرة للحصول عليه تمرّ بمرحلة تعثر بسبب الشروط التي حددتها إدارة الصندوق، وترى القاهرة استحالة تحقيقها".

قائمة طويلة من شروط صندوق النقد

وأوضحت المصادر أن "إدارة صندوق النقد، طرحت على المسؤولين المصريين، خلال المشاورات الجارية، قائمة طويلة من الشروط، الواجب القيام بها للحصول على القرض الذي ترغب الحكومة في الحصول عليه من الصندوق، ويقدر بـ10 مليارات دولار".

ولفتت إلى أن "قائمة الشروط تضمنت إلغاء بطاقات التموين، التي يحصل بموجبها قطاع عريض من المصريين على السلع الأساسية بأسعار مدعمة". وأوضحت أن "مطلب الصندوق هذه المرة لم يكن وقف إصدار بطاقات جديدة، ولكن إعداد تصور كامل وخطة زمنية بشأن إلغاء البطاقات القديمة".

ويبلغ عدد بطاقات التموين في مصر نحو 23 مليون، يستفيد منها قرابة 64 مليون مواطن، من مجموع عدد سكان مصر البالغ نحو 103 ملايين نسمة. وتبلغ فاتورة دعم السلع الغذائية في مصر 87.2 مليار جنيه مصري طبقًا لموازنة العام المالي 2021 ــ 2022، منها 50 مليار جنيه لدعم الخبز و37 مليار جنيه لدعم السلع التموينية.

كذلك كشفت المصادر أن "شروط الصندوق للبرنامج الجديد تضمّنت تحرير سعر الخبز جزئيًا، بحيث لا يقل سعر الرغيف المدعم عن 15 قرشًا، والتحرير الكامل لأسعار الطاقة من محروقات وكهرباء". وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نحو 72 مليون مصري يستفيدون من دعم الخبز. ويحق للمواطن الحصول على 5 أرغفة يوميًا، بسعر 5 قروش للرغيف الواحد، في حين أن تكلفته الفعلية تصل إلى نحو 65 قرشًا.

وبحسب المصادر فإن "الدوائر المحيطة بالسيسي، بخلاف تقارير حالة الشارع التي تعدها الأجهزة السيادية، جاءت جميعها رافضة للتنفيذ الفوري لمطالب الصندوق في الوقت الراهن"، مشيرة إلى أنه "يمكن التجاوب معها في وقت لاحق".

تنفيذ شروط الصندوق انتحار سياسي للنظام

وأكّد مصدر مقرب من دوائر صناعة القرار المصري أن "الدائرة القريبة من الرئيس، المنخرطة بشكل أكبر في التشاور مع سياسيين محليين وشخصيات دولية، ترى أن تنفيذ المطالب التي حددها الصندوق تعني انتحار النظام المصري سياسيًا".

وأشار، في الوقت ذاته، إلى أن "الوضع الاقتصادي متفاقم للدرجة التي بات فيها من الصعب على النظام تدبير الاحتياجات الأساسية مع بداية العام الجديد".

وكشف المصدر أن "المشاورات بين المسؤولين المصريين وإدارة الصندوق شهدت الحديث بشأن إمكانية حصول مصر على قرض عاجل بقيمة 3 مليارات دولار، من أجل دفع قيمة الواردات من السلع الأساسية الشهرية".

وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد أصدر، في أكتوبر 2021، بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر، إحصاء جاء فيه أن معدلات الفقر في مصر بلغت نسبة 29.7% خلال 2019 – 2020، وهو ما يعني أن نحو ثلث الشعب يعاني من الفقر الاقتصادي.