كشف تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي قبل أيام إلى أن البنك المركزي المصري اشترى 44 طنًا من الذهب خلال شهر فبراير الماضي،  لتصبح مصر أكبر مشترٍ للذهب بين البنوك المركزية في العالم خلال الربع الأول من العام الجاري.

 

 
وارتفع إجمالي ما تملكه مصر من الذهب بنسبة 54% ويصل إلى 125 طنًا، وهو بذلك يعادل 17% من إجمالي الاحتياطيات المصرية، كما أنه الأعلى بين دول المنطقة.

 

 
ولم يصدر البنك المركزي المصري أي بيانات حول عمليات شراء الذهب أو توضيحًا لأسباب اتجاهه في هذا الشأن حتى الآن.

 

 
غياب الشفافية

 

 
وانتقد عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، الدكتور محمد أنيس، غياب المعلومات بعد كل عملية شراء كبرى مؤكدًا أهمية الشفافية للأسواق.

 

 
وأوضح أنيس أن بعض المعلومات فاصلة للحكم على قرارات الشراء، مثل توقيته إذا كان قبل بداية الحرب في 24 فبراير أم بعدها، لأنه إن كان قبلها فقد يعد ملاذًا آمنًا حيث ارتفعت أسعار الذهب كثيرًا فيما بعد.

 

 
ويضيف عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع أن أسئلة أخرى ضرورية في هذا الشأن قائلًا: "من المهم معرفة إذا كان الشراء بالدولار مباشرة أم بعملات أخرى مثل اليورو، لأن هناك عملات تراجعت، وهل كانت الودائع الخليجية في مصر مثلًا ذهبا بدلًا من الدولار؟ وهل الشراء في غالبه محلي بالجنيه المصري؟".

 

 
المرحبين بالخطوة يرهنون نجاحها بشرط

 

 
رحب خبير التخطيط الاستراتيجي، علاء السيد، بخطوة البنك المركزي المصري، وقال: إن "زيادة احتياطي الذهب لتغطي نحو 20% من احتياطي النقد الأجنبي هو قرار حكيم من الحكومة المصرية، خاصة أن مستقبل الدولار ليس ورديا، وفي النهاية الذهب ملاذ آمن ويساوي قيمته وأحد النقدين الشرعيين الأصليين، أما العملات الورقية فهي خدعة عالمية من أباطرة المال في العالم سحبوا بها الذهب مقابل أوراق ملونة".

 

 
لكنه رهن نجاح هذه الخطوة بأن القرار "يجب أن يكون ضمن حزمة من الإجراءات الاقتصادية وفق خطة استراتيجية لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري وتحويله إلى اقتصاد إنتاجي وليس جبائيا"، مشيرا إلى أن "العديد من دول العالم لجأت مؤخرا إلى زيادة احتياطها من الذهب للتحوط ضد الأزمات العالمية".

 

 
لافتا إلى أن "الأزمة الحقيقية هي أن مصر ليس لديها دولار والرصيد بالسالب وما تملكه الآن من احتياطي بالنقد الأجنبي ما هو إلا ودائع من الدول الخليجية والتي تضاعفت خلال الفترة القصيرة الماضية ولا تملك الدولة التصرف بها، وفي كل عام يتم مد أجل سدادها وزيادة الفائدة عليه، وبالتالي قيمة الجنيه معرضة لمزيد من التدهور بسبب عدم وجود طلب عليه وهروب الاستثمارات الأجنبية من الأسواق الناشئة".

 

 
وأعرب السيد عن اعتقاده بأن "زيادة كميات الذهب لدى المركزي المصري في الوقت الراهن أفضل؛ بسبب أن الحكومة ليس لديها خطة واضحة لتطوير المصانع والنهوض بالصناعة، خاصة وأن القطاع الخاص مكبل بشهادة المسؤولين المصريين وما يجري هو إغراق مصر بالديون وسيكون لذلك نتائج وخيمة وسيكون الثمن أصول الدولة التي يمتلكها صندوق مصر السيادي".

 

 
من جانبها ارجعت سهر الدماطي، نائبة رئيس بنك مصر السابقة، اتجاه البنك المركزي لشراء الذهب لتعزيز الاحتياطي إلى تذبذب قيمة العملات.

 

 
وقالت الدماطي: "في الفترة الماضية وجدنا دولًا مثل روسيا والسعودية والصين تقوم بالتبادل التجاري بعملات غير الدولار، وهذه النظم إن تم تثبيتها فستؤثر على حجم التبادل بالدولار، ولهذا فالذهب خطوة أساسية لتعزيز احتياطات الدول إذا تذبذبت العملات"، بحسب تعبيرها.

 

 
المعارضين: خطوة في غير محلها
 

بينما رأى الباحث في الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، أن "حيازة مصر من الذهب لا تغطي قيمة الجنيه، ولكن الحكومة المصرية تحاول فقط ضبط أرقام المالية العامة واتباع وصفة صندوق النقد الدولي دون الاهتمام بإصلاح الخلل الهيكلي في الاقتصاد المصري"، مشيرا إلى أن "سعر الذهب حاليًا في أعلى مستوياته وسوف ينخفض بعد انقشاع الأزمة الروسية الأوكرانية".

 

 
وأضاف: "لا حل أمام الحكومة المصرية دون العمل في قطاعات الاقتصاد الحقيقي الذي يؤدي للتنمية وزيادة الصادرات غير النفطية وتحويل الاقتصاد المصري إلى اقتصاد إنتاجي وخلق فرص عمل وتقليل معدلات البطالة المتزايدة وليس تزيينها وتنميقها بأرقام غير حقيقية، وترك القطاع الخاص يعمل، وتحريره من قبضة الجيش".

 

 
واستدرك يوسف: "الحل يكمن في خفض معدلات الدين الداخلي والخارجي وتوجيه الموارد المحدودة لإنعاش الشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، ودعم الصادرات وخفض الضرائب، وليس شراء الذهب وهو في أعلى مستوى تاريخي له، خاصة أن المركزي المصري ليس لديه فائض سيولة حتى يشتري بنحو 2.7 مليار دولار ذهبا، على قائمة الأولويات الكثيرة لعمله".

 

 
من جهته انتقد الخبير الاقتصادي، هاني توفيق، شراء المركزي المصري هذه الكمية الكبيرة من الذهب لعدة أسباب، وأوضح في منشور له على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن الذهب في أعلى مستوياته السعرية تاريخياً، وأن سعره كملاذ آمن سوف ينخفض مع انتهاء الحرب الروسية في أوكرانيا، وثالثها هو تأكيد لثانيها، وهو توقع انخفاض سعر الذهب مع رفع سعر الفائدة على الدولار الأمريكي للعلاقة العكسية بين سعر الذهب وسعر الفائدة، ورابعها وأهمها أن الدولارات التي تم شراء الذهب بها كان من باب أولى توجيهها لتشغيل المصانع المتوقفة في مصر لعدم توفر الدولار بالبنوك.

 

 
منجم السكري

 

 
يذكر أن مصر تنتج ما يقرب من 16 طنا من الذهب سنويًا، ويأتي معظمه من خلال منجم السكري في صحراء النوبة، وفقا لإحصاءات وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية.

 

 
وزاد اهتمام الحكومة  بإنتاج الذهب المحلي وشراء كمية منه بشكل شهري من الشركة صاحبة امتياز منجم السكري منذ عام 2017 وانعكس ذلك على احتياطاتها من الذهب.

 

 
ولا يزال تقرير المجلس هو مصدر كل هذه المعلومات عن نهم مصر لشراء الذهب لدعم الاحتياطي، دون أي إيضاح من جهة مصرية بتفاصيل قد تساعد المستثمرين في فهم السياسات النقدية والاقتصادية للحكومة المصرية وتخفف الجدل -على الأقل بين بالخبراء- حول مدى تأثير هذه الخطوة إيجابًا أو سلبًا على الاقتصاد المصري.