الفسيخ هو نوع من سمك البوري يتم تجفيفه ووضعه في ملح خشن لمدّة 15 يومًا أو أكثر حتى يكتسب لونًا فضيًا ورائحة مميّزة.
وكان أوّل من تناوله الفراعنة المصريون وما زال لليوم يتناوله المصريون كتقليد لهم في عيد شم النسم، حيث يقدموه مع السلطة الخضراء وشرائح البصل والبطاطس المقلية
واعتاد المصريون عبر التاريخ تناول أنواع معينة من الأسماك المملحة، أشهرها "الفسيخ". وهي عادة ترجع إلى أيام الفراعنة، وبالتحديد منذ الأسرة الخامسة، حيث تشير الوقائع التاريخية إلى أن المصريين القدماء احتفلوا بـ"عيد الشمو"، أو شم النسيم، بتقديم الأسماك المجففة قرابين للآلهة داخل المعابد.
وحرص المصريون على تناول السمك المملح "الفسيخ" في هذه المناسبة مع بداية تقديسهم نهر النيل، الذي أطلقوا عليه "حعبي" بدءًا من عصر الأسرة الخامسة، فضلًا عن ارتباط تناول "الفسيخ" بأسباب عقائدية مفادها أن الحياة خُلقت من محيط مائي أزلي لا حدود له، وخرجت منه جميع الكائنات، ثم أعقبه بعث الحياة ووضع قوانين الكون.
ولأهمية هذه المناسبة، فقد برع المصريون في صناعة السمك المملح، وكانوا يخصصون له أماكن أشبه بالورش كما يتضح من نقش في مقبرة الوزير "رخ مي رع" في عهد الأسرة الثامنة عشرة، وتشير بردية "إيبرس" الطبية إلى أن السمك المملح كان يوصف للوقاية والعلاج من أمراض حمى الربيع وضربات الشمس. كما استخدم الفراعنة أنواعًا مختلفة من الأسماك، مثل البوري والشبوط والبلطي، كما يظهر من خلال رسومات جدران المقابر.
16% من متوسط الراتب
يرى الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة الحكومية بكلية الإدارة بالجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا، أن تناول الفسيخ والرنجة عادة فرعونية تمتد إلى 7000 عام، وغالبًا ما تشهد أسعار هذه الأسماك، التي اعتاد المصريون على تناولها في موسم شم النسيم، ارتفاعات كبيرة، لكن خلال الموسم الحالي شهدت الأسعار استقرارًا، على الرغم من ارتفاع أسعار سمك السردين بنسبة 14%، وبسبب إقبال المصريين على تناول هذه الأطعمة خلال الموسم، غالبًا ما يتم طرح منتجات فاسدة في الأسواق، لذلك عاقب القانون كل من يبيع هذه المنتجات بالحبس لمدة 5 سنوات وغرامة تتراوح بين 20 و100 ألف جنيه.
وأشار عرفة، في تصريحات صحفية، إلى أن محافظات الشرقية والقليوبية والدقهلية تتصدر معدلات استهلاك الفسيخ، فيما تظل محافظة الوادي الجديد الأقل استهلاكًا. وأوضح أن سعر كيلو الفسيخ يبلغ خلال الموسم الحالي 160 جنيهًا، في حين يبلغ سعر كيلو الرنجة نحو 55 جنيهًا، وكيلو السردين 70 جنيهًا، ومتوسط سعر هذه الوجبة نحو 322 جنيهًا. متوقعًا انخفاض الطلب على الوجبة خلال الموسم الحالي بنسبة 45%، بسبب تزامنها مع شهر رمضان.
عرفة قال إن هذه الوجبة توازي نحو 16% من متوسط راتب العامل في القطاع الخاص أو الجهاز الإداري للدولة. لافتًا إلى أن محافظة دمياط تعد الأكثر إنتاجًا للأسماك بما يعادل 58% من إجمالي الأسماك المطروحة في السوق.
مطالب بضبط الغش
أكد عرفة إن التفتيش على محال بيع الرنجة والفسيخ في القرى، وبخاصة في المناطق البعيدة من المدن الرئيسة، لا تتجاوز 6% من قبل الإدارات المحلية، لافتًا إلى أن ما لا يقل عن 80% من المحال التجارية التي تبيع هذه المنتجات غير مرخصة، وبخاصة في تلك المناطق البعيدة من القاهرة. وشدد على ضرورة أن يكون هناك دور فعال من قبل رؤساء شعب الأسماك في الغرف التجارية لمتابعة تقديم التوصيات والاستشارات لحكومة الانقلاب، مشيرًا إلى أن السمك البوري هو المستخدم في صناعة الفسيخ، ويجري استيراد الرنجة من الخارج، وبخاصة من دول الاتحاد الأوروبي.
ويصل معدل ارتفاع أسعار الرنجة والفسيخ في موسم شم النسيم، بحسب عرفة، إلى 25%. ولتوفيرهما بأسعار مناسبة يجب أن يكون هناك تنسيق بين الوزراء المعنيين، ممثلين في وزارة الصحة والتموين والصناعة والزراعة والري، مع منح الضبطية القضائية للعاملين في الهيئة العامة للثروة السمكية، التابعة لوزارة الزراعة، وتشجيع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني العاملين في هذا المجال، فضلًا عن السماح بإنشاء شركات قطاع أعمال عام لمنافسة القطاع الخاص، الذي يحتكر هذه الصناعة".
واردات بمئات الملايين
خلال موسم شم النسيم من العام الماضي، قدرت شعبة الأسماك حجم الاستهلاك السنوي من الأسماك بنحو مليوني طن تقريبًا من كل الأصناف، وتبلغ قيمة الاستهلاك للرنجة والفسيخ ما بين 95 و100 مليون دولار. وكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن استيراد المصريين أسماكًا مجمدة بقيمة تجاوزت 250 مليون دولار خلال 2020، إذ سجلت واردات أسماك الرنجة المجمدة ارتفاعًا إلى نحو 95.5 مليون دولار خلال أول 10 أشهر من العام الماضي، مقابل 68 مليون دولار خلال الفترة المناظرة من العام السابق عليه، بنسبة ارتفاع قدرها 40.1%.
كما بلغت واردات سمك الماكريل المجمد نحو 169.7 مليون دولار خلال أول 10 أشهر من 2021، مقابل 203.2 مليون دولار في الأشهر المناظرة من العام السابق عليه. في حين سجلت واردات أسماك التونة 147.7 مليون دولار، مقابل 118.8 مليون دولار، وأسماك أخرى مجمدة سجلت 51.6 مليون دولار، مقابل 19.7 مليون دولار.