تخلُّف روسيا المحتمل عن سداد ديونها هو الأول من نوعه منذ عام 1998، وهو يشكل تحولًا مذهلًا في التاريخ المالي الروسي. فقبل أن تهاجم أوكرانيا، كانت روسيا تعتبر واحدة من أكثر الدول جدارة ائتمانية في العالم، مع مستويات ديون منخفضة وصادرات هائلة من النفط والغاز، لكن العقوبات الغربية غير المسبوقة التي تهدف إلى عزل روسيا عن النظام المالي العالمي أدت إلى سقوط أسواق البلاد وعقّدت عملية خدمة الديون.
ومن جهتها حذرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني روسيا من استخدام الروبل لسداد الفوائد على سنداتها المستحقة اليوم، 16 مارس، وأكدت فيتش أن ذلك يعتبر تخلفًا عن السداد، وأن على روسيا الدفع بالدولار في غضون فترة السماح البالغة ثلاثين يومًا، وذلك لتفادي اعتبارها متعثرة بالسداد.
ومن المفترض أن تدفع موسكو 117 مليون دولار على سندات مقومة بالدولار، وهي الفائدة الأولى منذ فرض الغرب عقوبات على موسكو بسبب أوكرانيا، الأمر الذي أثار مخاوف من احتمال تخلف روسيا عن السداد.
وتدين الحكومة الروسية بنحو 40 مليار دولار من الديون المقومة بالدولار الأميركي واليورو، ونصف هذه السندات مملوك لمستثمرين أجانب، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز. وقد تراكمت على الشركات الروسية نحو 100 مليار دولار من الديون بالعملات الأجنبية، حسب تقديرات مصرف جي بي مورغان.
السداد بالروبل
قالت كريستالينا جورجيفا - المديرة العامة لصندوق النقد الدولي - إن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول ديمقراطية أخرى كان لها بالفعل تأثير "شديد" على الاقتصاد الروسي وستؤدي إلى ركود عميق هناك هذا العام.
وقالت جورجيفا إن العقوبات تحد أيضًا من قدرة روسيا على الوصول إلى مواردها وخدمة ديونها، مما يعني أن التخلف عن السداد لم يعد يُنظر إليه على أنه "غير محتمل"، وفقًا لـ"سكاي نيوز".
قد يعرض الكرملين الروبل كمحاولة للالتفاف على العقوبات التي تمنع الوصول إلى الاحتياطيات الروسية من الدولار، فيما يستعد المستثمرون الدوليون لرفض عرض الكرملين، بحسب صحيفة The Telegraph، وإذا واصلت روسيا محاولة السداد بالروبل، فستكون هذه هي المرة الأولى التي تتخلف فيها الدولة عن سداد ديونها الخارجية منذ 1998.
ومن جهتهم قال كبار مديري الصناديق في سيتي أنهم سيرفضون أخذ العملة الروسية كدفعة إذا تم عرضها يوم الأربعاء لتسوية فاتورة الفائدة.
لكن السداد بالعملة الروسية سيظل يمثل تخلفًا عن السداد في نظر معظم المستثمرين الغربيين، ليس بسبب انخفاض قيمة الروبل أخيرًا فحسب، إذ تحتوي ستة من 15 سندًا روسيًا مقومًا بالدولار أو اليورو على شرط "احتياطي" يسمح بالسداد بالروبل، لكن السندات ذات القسائم المستحقة الأربعاء ليست من بينها، وفقًا لـ"إندبندنت".
والقانون يلزم روسيا أن تدفع السند بالدولار، ومن الممكن رفض أي محاولة لاستخدام عملة أخرى.
عقوبات عدم السداد
وماذا يحدث إذا تخلفت روسيا عن السداد؟ كانت آخر مرة تخلفت فيها روسيا عن سداد ديونها في 1998، عندما أدت أزمة العملة إلى تخلفها عن سداد ديونها المقومة بالروبل وحظر مدفوعات الديون الخارجية مؤقتًا، بحسب نيويورك تايمز. وصدمت الأزمة العالم المالي، ما أدى إلى انهيار صندوق التحوط الأميركي "لونغ تيرم كابيتال مايجمينت"، الأمر الذي تطلب تدخل الاحتياطي الفيدرالي لإنقاذ الموقف بمليارات الدولارات.
وانخفض اهتمام المستثمرين الأجانب بالأصول الروسية في 2014 عندما فُرضت العقوبات بعد أن ضمت البلاد شبه جزيرة القرم، ولم تكد روسيا تتعافى تمامًا حتى فرضت واشنطن المزيد من العقوبات في 2019.
لقد حددت الأسواق إلى حد كبير التخلف عن السداد، إذ يتم تداول السندات الأجنبية الروسية بنحو 20 في المئة من قيمتها الاسمية - وهو مستوى يشير إلى القليل من الثقة في السداد - وخفضت وكالات التصنيف الائتماني تصنيف البلاد إلى "غير المرغوب فيها".
في سياق آخر، حظر الاتحاد الأوروبي على وكالات التصنيف الائتماني الكبرى إصدار تصنيفات لروسيا وشركاتها في إطار أحدث حزمة من عقوباته على موسكو بسبب عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
وفي حال قيام وكالات التصنيف بخرق الحظر، فستواجه احتمال فقدان رخصها للعمل في الاتحاد.
ولو تخلفت روسيا عن السداد فإن ذلك سيفصلها عن الأسواق المالية، وقد يؤخر عودتها للمشاركة لعدة سنوات؛ إلا أن روسيا أشارت إلى نيتها دفع المبلغ، حيث أعلنت وزارة المالية في وقت سابق من هذا الأسبوع أنها أرسلت أمر دفع لـ "إجمالي 117.2 مليون دولار".
وأكد وزير المالية أنطون سيلوانوف مرارًا وتكرارًا أن روسيا ستدفع بالروبل إذا لم تسمح العقوبات المفروضة عليها بتسويات بالدولار. ولا يحتوي أي من السندات على خيارات للسداد بالروبل.
وهناك احتمال آخر؛ أن يضطر المستثمرون إلى الجلوس وشطب سنداتهم الروسية وانتظار وقف التصعيد في صراع أوكرانيا الذي قد يؤدي إلى تخفيف العقوبات، وقد يرغب البعض في التصويت بسرعة للمطالبة بالسداد الفوري والحصول على أحكام قضائية من قضاة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة التي ستسمح لهم بمحاولة الاستيلاء على الأصول الروسية في الخارج، لزيادة الضغط على موسكو، وفقًا لـ"إندبندنت".
في غضون ذلك، يأمل بعض المستثمرين أن يؤدي الفشل في سداد مدفوعات الفائدة إلى دفع تعويضات لمقايضات التخلف عن السداد وهي مشتقات شبيهة بالتأمين تستخدم للحماية من التخلف عن السداد. وسيتم اتخاذ القرار من قبل "لجنة قرارات" الصناعة المالية، التي تتألف من ممثلين عن البنوك الكبرى ومديري الأصول النشطين في سوق مقايضات الائتمان. مع ذلك، قد لا ينتهي الأمر بالمقايضات بمساعدة حاملي السندات، لأن العقوبات المالية يمكن أن تعرقل النظام المعقد المستخدم لتسوية العقود.

