أشعل لهيب الحرب الروسية الأوكرانية أزمة زيوت عالمية بعد قرار أوكرانيا وعدد من الدول حول العالم حظر تصدير زيوت طهي الطعام، وخاصة زيت عباد الشمس أو دوار الشمس، وسط توقعات بتزايد اشتعال الأزمة خلال الأشهر الستة المقبلة.
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية عن المحلل المخضرم ورئيس مجلس إدارة شركة LMC الدولية للاستشارات، جيمس فراي، قوله إن الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب في تأخر وصول 60 بالمئة من صادرات زيت عباد الشمس من منطقة البحر الأسود.
وقال فراي إن شركته توقعت قبل شهر واحد فقط من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا أن تنمو صادرات زيت عباد الشمس من البحر الأسود، بما يزيد عن مليوني طن لتصل إلى 13.5 مليون طن في 2021-2022، متسائلا: كم ستفقد من ذلك بسبب الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية؟
وذكرت مذكرة بحثية لوكالة "ستاندرد آند بورز"، أن زيت عباد الشمس، يمثل حوالي 9 بالمئة فقط من استهلاك الزيت النباتي العالمي، وهو مصدر مهم للزيت النباتي بالنسبة للاتحاد الأوروبي وكذلك العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقالت المذكرة إن الصراع في منطقة البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا يهدد إمدادات زيت عباد الشمس إلى غالبية دول الاتحاد الأوروبي وشمال أفريقيا بما فيها تركيا وإيران ومصر، بالإضافة إلى الهند التي تعد أكبر مشتر للزيوت النباتية في العالم.
ودفع عدم اليقين بشأن إمدادات زيت عباد الشمس المشترين إلى البحث عن زيوت بديلة، وتحفيز الطلب على زيت النخيل وزيت الصويا المنافسين، ما أدى إلى اشتعال سوق الزيوت النباتية، وفقا لرويترز.
وتمتلك روسيا وأوكرانيا 80 بالمئة من زيت عباد الشمس عالميا. ويقدر نقص تصدير الزيت النباتي في البحر الأسود بـ13 إلى 14 بالمئة من الصادرات العالمية، ولا يمكن استبداله بأصول أخرى دون ارتفاع الأسعار، وهو ما حدث بالفعل من ارتفاع أسعار زيت النخيل في إندونيسيا وماليزيا.
ورجح فراي أن يتم تداول زيت النخيل الخام للتسليم المحلي في ماليزيا بزيادة من 6600 رينغيت ماليزي (1578 دولارا) إلى 8100 (نحو 1929 دولارا) رينغيت ماليزي للطن حتى تموز/يوليو المقبل، متوقعا أن يرتفع الإنتاج الماليزي بحوالي 3-4 بالمئة فقط هذا العام بسبب نقص العمالة، في حين أن "الأزمة الحقيقية" في إمدادات زيت الطهي ستأتي في الأشهر الستة المقبلة.
وأضاف: "أسعار زيت النخيل، وهو زيت الطعام الأكثر استهلاكا، ستنخفض في نهاية المطاف مع زيادة العرض وتقلص الطلب في النصف الثاني من العام 2022. وهذا يعني أن زيت النخيل الخام للتسليم المحلي في ماليزيا سينخفض إلى نطاق يتراوح بين 6200 و7000 رينغيت ماليزي للطن".
وقال متعاملون إن زيت النخيل الخام وفول الصويا يُعرض في الهند لشحنات آذار/مارس بسعر قياسي بلغ 1700 دولار للطن، بما في ذلك التكلفة والتأمين والشحن، مقارنة بـ1620 دولارا لزيت عباد الشمس الخام.
حظر تصدير
وكإجراء احترازي لتقليل مخاطر الأزمة، قررت عدة دول عربية وأجنبية بينها مصر والجزائر ولبنان وإندونيسيا وصربيا وبلغاريا وتركيا حظر تصدير عدد من السلع الأساسية وفي مقدمتها الزيوت في ظل مخاوف من استمرار تعطل الإمدادات خلال الأشهر المقبلة.
والأسبوع الماضي، حظرت أوكرانيا تصدير القمح والشوفان وغيرهما من المواد الغذائية الأساسية التي تعتبر ضرورية لإمدادات الغذاء العالمية؛ كما حظرت روسيا تصدير القمح ونحو 200 سلعة أخرى.
كما قررت إندونيسيا، الأسبوع الماضي أيضا، تشديد القيود على صادراتها من زيت النخيل من أجل زيادة الإمدادات المحلية في إطار تكثيف السلطات جهودها لاحتواء ارتفاع أسعار زيوت الطهي.
وبموجب خطة يطلق عليها "متطلبات السوق المحلية"، ستطالب إندونيسيا، أكبر منتج ومصدر لزيت النخيل، الشركات ببيع 30 بالمئة من إنتاجها المخصص للتصدير محليا ارتفاعا من 20 بالمئة حاليا، وفقا لرويترز.
وسينفذ هذا الإجراء لمدة ستة أشهر على الأقل. ومن شأن تشديد القيود على الصادرات أن تسحب المزيد من الزيوت النباتية من السوق العالمية التي تعاني بالفعل نقص المعروض منذ الحرب الأوكرانية.
كما أعلنت صربيا، الأربعاء الماضي، أنها ستحظر صادرات القمح والذرة والطحين (الدقيق) وزيت الطهي، لمجابهة الارتفاع في الأسعار، كما حظرت المجر كل صادرات الحبوب، فيما أعلنت بلغاريا أنها ستزيد احتياطاتها من الحبوب، وقد تحد من الصادرات لحين تنفيذها عمليات شراء مخطط لها.
وأصدرت وزارة التجارة والصناعة بحكومة الانقلاب، الخميس الماضي، قراراً بوقف تصدير الفول الحصى والمدشوش، والعدس والقمح والدقيق بأنواعه كافة، والمعكرونة لمدة 3 أشهر من تاريخ إصدار القرار. كما أصدرت الوزارة قراراً آخر يوم السبت، بوقف تصدير الزيوت بكل أنواعها والفريك والذرة لمدة 3 أشهر.
وأعلنت الجزائر، الأحد، أنها ستحظر تصدير ما تستورده من مواد غذائية من بينها السكر والزيت ومشتقات القمح. إلى جانب حظر تصدير العجائن والسميد ومنع استيراد اللحوم المجمدة، لتشجيع استهلاك اللحوم المنتجة محليا.
كما أعلن لبنان، الأحد، منع تصدير لائحة طويلة من السلع والمنتجات الغذائية المصنعة محليا ومنها اللحوم الطازجة، والمنتجات السمكية والبطاطا المصنعة والمحفوظة والخضار والفواكه المصنعة والمحفوظة والزيوت الغذائية ومشتقات الحليب والخبز والحلويات الطازجة والسكر والبهارات والتوابل، وبعض المشروبات الكحولية والمياه المعدنية ومشروبات غير كحولية.
الشعوب تغلي
وعلى خلفية النقص الحاد في إمدادات زيوت الطهي نتيجة لقرارات الدول المنتجة بحظر التصدير، تم رصد غليانا شعبيا أظهرته صور ومقاطع فيديو تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي في عدد من الدول.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة الاثنين من أن الحرب الروسية على أوكرانيا تنعكس على الاقتصاد العالمي، وخاصة البلدان الفقيرة، التي تواجه ارتفاعًا حادًا في أسعار المواد الغذائية والوقود والأسمدة وتشهد "قصف" سلة الخبز لديها.
وقال إن 45 دولة أفريقية وأقل نموا تستورد ما لا يقل عن ثلث إنتاجها من القمح من أوكرانيا وروسيا، وأن 18 منها تستورد ما لا يقل عن 50 في المائة. وأشار إلى أنها تشمل مصر والكونغو وبوركينا فاسو ولبنان وليبيا والصومال والسودان واليمن.
وأيضاً، أكد ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، خلال زيارة لمدينة لفيف بغرب أوكرانيا، أن 50 في المائة من الحبوب التي تشتريها الوكالة لإطعام 125 مليون شخص تأتي من أوكرانيا، وكذلك 20 في المائة من إمداد العالم من الذرة.
ويهدد الجفاف المتفاقم في سهول الولايات المتحدة الجنوبية محصول القمح الشتوي، ما يزيد من الضغوطات على الإمدادات والأسعار.
وحذر صندوق النقد الدولي الاثنين من أن النزاع قد يعرض الأمن الغذائي العالمي للخطر. فيما قالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إن العالم قد يواجه أزمة غذاء مع ارتفاع الأسعار وتعرض المحاصيل للخطر بسبب الحرب في أوكرانيا.