بعد مشاحنة، يخرج الزوج من البيت غاضبا متجها إلى بيت أخته، وترفع الزوجة سماعة الهاتف وتتصل بصديقتها لتشكوه، ثمّ يعود كل منهما وهو يشعر بمدى قوة موقفه ومدى خطأ الطرف الآخر.
إن كان هذا هو الحال بعد كل مشاحنة، فقد اخترت الشخص الخطأ لسماع همومك واختار هو الأسلوب الخطأ لسماعك.
تقول الدكتورة حنان طنطاوي، الباحثة في المركز القومي للبحوث بالقاهرة وأحد مؤسسي المبادرة المجانية "نِسمَعِك نِدعَمِك" التي تهدف إلى مساعدة النساء والفتيات على التعامل مع ضغوط الحياة: "من الصعب عند الشعور بالغضب أن يفكر الإنسان في الشخص المناسب لنصحه. لذا فمن المفيد أن أتعلم كيف أستمع لأستوعب مشاعري ومشاعر المتحدث".
أخطاء في التعامل مع المشاعر
وأوضحت الدكتورة حنان، أن الناس يتعاملون مع مشاعرهم بـ3 طرق خطأ، وعلينا أن نتعامل معها بـ3 أساليب صحيحة:
- الإنكار: أن أتجاهل مشاعري طوال الوقت، لا أعرف كيف أسميها أو لا أستطيع أن أسميها أو لا أريد ذلك أصلًا، إذ يصر الشخص على أنه قوي وبخير، وأن كل شيء على ما يرام، وهذا منتشر، وهو تأثير الثقافة العامة للمجتمع التي تصور هذه المشاعر على أنّها عيب أو ضعف.
- الانهماك: يغرق الإنسان في مشاعره دون تمييز، فقد يشعر بضغط نفسي وتعب ويظل حبيسه، لا يستطيع أن يفكر إلا فيه كأنّه شبكة معقدة من الصوف ملتفة حول عينيه.
- التقمص: اختزال النفس في شعور واحد، كأن يقول: أنا هكذا عصبي أو أنا دائما "أخاف". هذه مشاعر موجودة لكنك أكبر من هذا الشعور المؤقت.
التعامل الصحيح مع المشاعر يكون بـ3 تاءات:
- تمييز لشعوري ومن ثمّ شعور من أمامي.
- تسمية هذا الشعور.
- تنفيس له بالتعبير عنه ثم احتواؤه.
ما فائدة فهم المشاعر؟
تشرح الدكتورة حنان: "لدينا جميعا احتياجات نفسية لأن نُرَى ونُحَس من داخلنا، فهذا يشعرنا بقيمتنا".
وتابعت: "يحضرني قول باولو فيريري: قراءة العالم قبل قراءة الكلمة، وقوله: إنّ التعليم طاقة تحرير. فتحرير العالم يبدأ من تحرير الذات، ولكي أتحرر يجب أن أفهم مشاعري وأحررها أولا، وكلما استطاع الإنسان القيام بذلك أبدع في حياته وتجنب العديد من الاضطرابات النفسيّة والسلوكيّة".
ما يحتاج إليه صاحب المشكلة
- الإنصات: أن أتوّجه إلى المتحدث أو إلى الهاتف، وأستمع بكل حواسي.
- المشاركة الوجدانية: الحضور بمشاعري دون أحكام سابقة، فالمشاعر مشتركة بين جميع البشر وفي النهاية الله يحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون. فليس دوري أن أقيّم غيري أو أن أصدر أحكاما، فالمشاعر حق لا نشكك فيها، وإن اختلفنا في رؤيتنا للتصرفات.
- الصوت الرحيم: أتحدث بهدوء وسكينة.
- الهمهمة: دون أن أتفق أو أقاطع، أهمهم لأشعر من أمامي أني أسمعه.
- إعادة الكلام: أن أعيد ما فهمته مع إقرار المشاعر.
- التركيز على الموقف: لا على الشخص أو الشخصيّة، فيمكن أن أقول "أعرف أنك تشعر بالحزن بسبب ما حدث"، وهذا أفضل من قول أعرف أنك حزين، حتى لا يحدث التقمص.
أخطاء في الاستماع
عادة ما نقفز لتقديم حل أو نصيحة لنخرج الشخص عن حزنه بأسرع وقت ممكن. وهنا نفرق بين القريب الذي يقبل بل يبحث عن رأي، والعلاقات الأبعد أو حتى القريبة التي يعدّ أصحابها هذا من التدخل.
ففي الحالة الأولى، لو كانت لدينا معرفة تامّة بالشخص والموضوع، فيمكن تقديم حل لكن من دون وصاية.
أمّا إن كانت تنقصنا هذه المعرفة، فيجب أن نعرف أنّ الله خلق في الإنسان الجهاز العصبي المهيأ لإيجاد الحل بمجرد إدراك الخطر. كل إنسان يعرف ما يناسبه من حلول، لكن قد يحتاج إلى دفعة عن طريق أسئلة تجعله يكتشف الحل بنفسه.
ولا ينبغي التقليل من المشكلة ومن تأثيرها بقول جمل مثل "احمد ربنا، أنت أحسن من غيرك"، أو أن تنصح أهلا فقدوا ابنا بأن تقول "الحمد لله أن عندك غيره"، مثل هذا الكلام وإن كان بحسن نيّة فهو يصادر حق الإنسان في الحزن.
واحد من أهم الأخطاء أيضا أن تجعل موضوع الحديث عنك، فتبدأ استعراض تجاربك أنت.
أخطاء تؤثر سلبيا في أي حوار
- الشماتة: كأن تقول "تستحق كل ما حدث؛ لك لأنك لم تسمع لنصيحتي"، هذه الجملة تنقل الكلام إلى مدى ذكائك أنت وتقلل من قدر من أمامك وقد تنهي الحوار كله.
- الإهانة: كأن تحكم على من أمامك بالغباء أو سوء التقدير أو عدم الحكمة في اتخاذ القرار بذلك الموقف.
- المقاطعة: إن الأشخاص الذين يقاطعون باستمرار يضيّقون صدر من أمامهم، وقد يُنظر إلى سلوكهم على أنه تسلط أو تكبر. فأعط من أمامك فرصة ليتمّ كلامه قبل أن تقرّ مشاعرهم أو تستفهم عن شيء.
- الجدال: إن تحوّل الحديث إلى جدال فالنتيجة تكون دائما الخسارة لجميع الأطراف حتى للفائز ظاهريا.
ربما لكل ما سبق من تفاصيل يفضل بعض الناس كتمان مشاعرهم وعدم مشاركتها حتى مع أقرب الناس، لكن مشاركة المشاعر تخدمنا وغيرنا؛ فهي وسيلة للتفكير بصوت عالٍ لنصل إلى الوضوح.
وهي وسيلة ملأت التاريخ بالدروس القيّمة، فلو اختزن كل محصولاته من المشاعر والأفكار لأفلست الأمم من الناحية الثقافية، ولخلت من دروس تاريخية قيّمة، ولافتقرت الخبرة المجمعة للبشر.
مشاركة نقاط ولحظات ضعفنا ترسّخ التواضع والتفهم الإنساني بيننا، وتقرّب الناس، وتزيد التفاهم. فلو تعلمنا أن نستمع لمشاعرنا ومشاعر غيرنا ستتقارب الأسرة، ولو ارتقينا إلى فعل الشيء نفسه مع الجيران والزملاء لارتقى المجتمع وزادت سعادته وإبداع أهله.