أفادت مصادر حقوقية قيام سلطات الانقلاب، الأربعاء، بإعدام ثمانية معتقلين جُدد في القضية رقم (12749)، المعروفة إعلاميا بقضية "اقتحام قسم شرطة كرداسة"، وذلك بعد يومين فقط من تأكد إعدام تسعة معتقلين آخرين على ذمة القضية ذاتها.

وتضاربت الأنباء خلال الأيام الماضية بشأن عدد المعتقلين، الذين تم إعدامهم في تلك القضية، بسبب التعتيم المتكرر وغير المبرر، الذي تقوم به داخلية السيسي في مثل هذه الحالات.

ففي الوقت الذي قالت فيه جهات حقوقية مصرية إن عدد المعتقلين الذين تم إعدامهم يوم الاثنين الماضي بلغ 17 شخصا، تبين لاحقا عدم دقة هذا الرقم، لأن مَن جرى إعدامهم بالفعل كانوا تسعة أشخاص.

فضلا عن ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية مؤيدة لزعيم عصابة الانقلاب عبد الفتاح السيسي، أرقاما متضاربة بشأن عدد "المعدمين"؛ فمنهم مَن ذكر سبعة أشخاص، بينما قال آخرون تسعة أشخاص.

وأوضحت المصادر الحقوقية، أن أسر المعتقلين الذين تم إعدام ذويهم، الأربعاء، كانوا في زيارة لهم يوم الثلاثاء بمنطقة سجون وادي النطرون في محافظة البحيرة، إلا أن أمن السجن لم يبلغهم بأي شيء، وبعد انتهاء زيارة الأهالي مباشرة تم تجهيز المعتقلين للإعدام.

إضراب المعتقلين

ولفتت المصادر إلى أن بعض المعتقلين بمنطقة سجون وادي النطرون قاموا بإضراب؛ احتجاجا على تلك الإعدامات، فيما قام أمن السجن بالاعتداء على بعضهم وترهيبهم.

يشار إلى أن سلطات الانقلاب كانت قد أعدمت 15 معتقلا في 4 أكتوبر الماضي، وكان من بينهم ثلاثة معتقلين في القضية المعروفة إعلاميا بـ"اقتحام قسم شرطة كرداسة"، وكانوا أول المعدمين في هذه القضية.

بذلك، يكون قد جرى إعدام جميع المحكومين بـ"الإعدام" في هذه القضية الهزلية الملفقة، البالغ عددهم 20 معتقلا.

من جهتها، أشارت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، إلى أن غياب المعلومات والشفافية في تلك الإعدامات به "استهانة بمشاعر أهالي المعتقلين، بل والمجتمع بأكمله، بالمخالفة للقوانين والمواثيق الدولية والمخالفة للقيم والأعراف الإنسانية".

وشدّدت التنسيقية المصرية، في بيان، على رفضها من الأساس لاستمرار النظام الانقلابى في تنفيذ أحكام الإعدام المتتالية، التي "أكد الواقع والتقارير وتفاصيل المحاكمات عدم تحقق أي معايير لمحاكمات عادلة بل ووجود عوار واضح في أدلة الإثبات والشهود في هذه القضايا عموما، وفي القضية الأخيرة على حد سواء".

إخفاء المعلومات

ونوهت إلى استنكارها لسياسات نظام السيسي في "التعامل اللا إنساني مع الأهالي، من إخفاء المعلومات وقطع التواصل بين المعتقلين وأهاليهم، وحقهم في معرفة مثل هذه الأخبار، وحقهم في تسلم جثامين أبنائهم لدفنها دون تعنت، وهو ما يتم بالمخالفة لما تردده من مزاعم وما يقتضيه العدل والشرع وكل القوانين".

بدوره، أدان فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، تلك الإعدامات، التي شملت معتقلا عمره 82 عاما، مؤكدا أنها جاءت عقب "محاكمة بالغة الجور تتعلق بقتل 13 شرطيا خلال هجوم على قسم شرطة كرداسة شُن في آب/ أغسطس 2013".

وأوضح، في بيان سابق له قبل يومين، أن هذه الإعدامات "برهان مرعب على استخفاف سلطات الانقلاب بالحق في الحياة، وبالواجبات المترتبة عليها بموجب القانون الدولي"، مضيفا: "لقد أظهرت سلطات الانقلاب -من خلال تنفيذ عمليات الإعدام هذه في شهر رمضان المبارك- تصميما لا يرحم على الإمعان في استخدامها المتزايد لعقوبة الإعدام".

ولفت إلى أن "استخدام عقوبة الإعدام يعد أمرا بغيضا في كافة الظروف، وفي مصر يثير قلقا شديدا إزاء استخدامه عقب محاكمات جائرة، مع اعتماد المحاكم على نحو مألوف على (الاعترافات) التي يشوبها التعذيب"، مطالبا سلطات الانقلاب بأن "تضع حدا فوريا لهذا الارتفاع المثير للقلق البالغ في عمليات الإعدام".

ودعا الدول في جميع أنحاء العالم إلى "اتخاذ موقف واضح، من خلال التنديد العلني باستخدام السيسي وسلطاته لعقوبة الإعدام، وحث الحكومة على اتخاذ قرار بالوقف الرسمي لعمليات الإعدام، كخطوة أولى نحو إلغاء عقوبة الإعدام".

إدانة حقوقية

وفي سياق متصل، أدانت ستة منظمات حقوقية مصرية، في بيان مشترك، إقدام سلطات الانقلاب على إعدام تسعة محكومية في ساعة مبكرة من صباح الاثنين الماضي، بعد محاكمة شابتها مخالفات جسمية لقواعد المحاكمات العادلة، فضلا عن تنفيذها في نهار شهر رمضان، ودون إخطار أسر المحكومين أو محاميهم.

والمنظمات الموقعة هي: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والمركز الإقليمي للحقوق والحريات، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير.

وطالبات المنظمات الحقوقية بوقف أحكام الإعدام الجماعية التي تصطبغ بشبهة الانتقام السياسي، وبتأجيل تنفيذ أحكام الإعدام في الوقت الحالي، خاصة في ضوء الزيادة الكبيرة في معدل إصدار أحكام الإعدام، وتنفيذها بصورة لم تشهد أي تباطؤ، منذ الربع الثاني من عام 2017 وحتى الآن.

وأكدت أن انتهاكات عديدة لحقوق المتهمين قد وقعت أثناء نظر القضية، من ضمنها غياب محامين مع المعتقلين أثناء التحقيقات، وعدم تمكينهم من التواصل مع محاميهم أثناء المحاكمة، فضلاَ عما ذكره المعتقلون أمام المحكمة، من إجبارهم على الإدلاء بأقوال غير حقيقية، واستناد النيابة إلى تحريات مجهولة المصدر في توجيه الاتهامات، وجميعها أوجه إخلال جسيم بحق المحاكمة العادلة، وبالأخص في القضايا المصحوبة بالحكم الأقصى في قانون العقوبات المصري والأكثر قسوة، دون إمكانية الرجوع فيه أو تصحيحه.

وقالت المنظمات إنها "ترى أن خطورة استخدام عقوبة الإعدام بهذا الإيقاع المفرط، تكمن أولا في الافتقار لضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين أثناء سير القضايا، وثانيا غياب الشفافية في تداول المعلومات أو الكشف عن بيانات تتعلق بالقضايا المصحوبة بحكم الإعدام، وهو ما يمنع بدوره فرصة إجراء نقاش مجتمعي واسع حول العقوبة".

وجددت مطالبتها بتأجيل تنفيذ أحكام الإعدام بشكل مؤقت، لحين إجراء نقاش مجتمعي واسع حول العقوبة، ودراسات منهجية حول قدرتها على الردع ومنع تكرار الجرائم، والنظر في تقليل عدد الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام، إضافة إلى إعادة النظر في قانون الإجراءات الجنائية، وسد الثغرات الموجودة به، والتي تخل بحقوق المتهم وحق الدفاع، ليصبح متسقا مع نصوص الدستور المصري.

ودعت إلى تنفيذ الالتزام الدستوري بتعديل تشريعي، يسمح باستئناف أحكام الإعدام الصادرة عن دوائر الجنايات.

خط سير قضية "كرداسة"

يشار إلى أنه في ديسمبر 2014 أدانت محكمة جنايات الجيزة 184 شخصا، وحكمت على 183 منهم بالإعدام، وعلى طفل بالسجن 10 سنوات، فيما يتعلق بالهجوم على قسم شرطة كرداسة.

وفي إعادة المحاكمة أمام محكمة جنايات القاهرة جرت في تموز/ يوليو 2017، حُكم على 20 شخصا بالإعدام.


لكن في 3 فبراير 2016، ألغت محكمة النقض الحكم، وقضت بإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى، بعدما أقرت بطلان بعض إجراءات المحاكمة، وإخلال المحكمة بحقوق الدفاع.

وفي المحاكمة الجديدة، تمت إعادة محاكمة 156 شخص، حيث قضت الدائرة 11 برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، المعروف إعلاميا بأنه أحد قضاة الإعدامات، في 2  يوليو 2017، بإعدام 20 ، وهو الحكم الذي أيدته محكمة النقض في 24  سبتمبر 2018، لتصبح بذلك الأحكام نهائية باتة واجبة النفاذ.

في هذا الصدد، أدانت العديد من المنظمات المحلية والدولية هذه الأحكام القضائية، مسلطين الضوء على الانتهاكات الصارخة لحقوق المحاكمة العادلة، ومن بينها حرمان المتهمين من مقابلة محاميهم خلال احتجازهم، وخلال الاستجواب، وإرغامهم على الإدلاء "باعترافات".


جدير بالذكر أن منظمة العفو الدولية كشفت، في التقرير السنوي حول عقوبة الإعدام، الذي أصدرته مؤخرا، بأن عدد عمليات الإعدام المسجلة في مصر ازداد ثلاثة أضعاف في عام 2020، ما جعلها الدولة الثالثة في العالم الأكثر تنفيذا لعقوبة الإعدام، بعد الصين وإيران.