يصادف الأحد الذكرى الـ 33 للمجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في ضاحية حمام الشط عام 1985، وذهب ضحيتها 68 شهيداً ونحو 100 جريح من الفلسطينيين والتونسيين.

ومطلع أكتوبر1985، شنّت مقاتلات حربية إسرائيلية غارات جوية على منطقة “حمام الشط” التونسية، حيث مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية (اتخذت من تونس مقراً لها من 1982 إلى 1993) أسفرت عن سقوط أكثر من 50 شهيدا فلسطينياً، و18 تونسياً، وأكثر من 100 جريح.

وأطلق الاحتلال على تلك العملية اسم “الساق الخشبية”، وقالت إنها استهدفت القضاء على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ولكنها فشلت في ذلك.

حمام الشط المدينة التونسية الهادئة التي تقع في الضاحية الجنوبية للعاصمة على بعد حوالي 22 كيلومترا ترقد اليوم جثامين فلسطينيين وتونسيين في مقبرة خاصة وتمتزج أرضها بدمائهم إلى الأبد نتجت عن أعنف قصف تعرضت له تونس في تاريخها من طرف طيران أجنبي.

تاريخ الحادثة يعود إلى يوم الثلاثاء 1 أكتوبر 1985 عندما كانت القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي أجبرت على النزوح من بيروت باتجاه تونس عقب اجتياح اسرائيلي عام 1982، تستعد لعقد اجتماع بإشراف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في الساعة التاسعة والنصف.

تمكنت المخابرات الإسرائيلية التي قرّرت تعقب القيادات الفلسطينية التي استقرت في تونس بطريقتها الخاصة من رصد هذا الاجتماع ومعرفة كافة تفاصيله ولذلك قررت مهاجمته بهدف القضاء على قيادات المنظمة وعلى رأسهم رئيسها ياسر عرفات، إلا أن قرار تأجيل الاجتماع أفشل خطتها.

ياسر عرفات الذي وصل إلى تونس يوم 30 سبتمبر/ أيلول قادما من المغرب، اتجه مباشرة إلى مقر إقامة السفير الفلسطيني بتونس بمدينة المرسى حكم بلعاوي من أجل إجراء بعض المشاورات والنقاشات، وبسبب تأخر الوقت لم يتحول عرفات إلى مقر إقامته بحمام الشط وخيّر المبيت في بيت السفير، وفي الصباح استيقظ متأخرا وطلب تأجيل الاجتماع فتفرقت القيادات الفلسطينية التي كانت بانتظاره حتى تعيد التجمّع لاحقا، لكن الاحتلال لم يكن على علم بهذا التأجيل.

الطاهر العلاّني كان شاهدا على تفاصيل هذه الغارة، حيث كان مقيما في مدينة حمام الشط رفقة زوجته وابنته الصغيرة التي تبلغ من العمر آنذاك 4 سنوات في منزلهما الذي يبعد عن الزنل الذي اتخذته القيادة الفلسطينية مقرا لها حوالي كيلومتر ونصف، يروي معلومات عن هذا القصف الذي لم يستطع نسيانه.

يقول: "في حدود الساعة العاشرة صباحا وقبل ذهابي إلى العمل كنت أنزّه ابنتي الصغيرة في الشارع المقابل لبيتي حتى سمعت أصوات طائرات قريبة جدا مني فنظرت إلى الأعلى فلمحت أربع طائرات رمادية اللون تحلق فوق مدينتنا ثم بدأ القصف بالقنابل والصواريخ ليمتد حوالي 12 دقيقة في اتجاه النزل، عرفت حينها أنها طائرات حربية إسرائيلية، التي كانت تتعقب قيادات فلسطينية في الخارج للقضاء عليها".

الغارة الإسرائيلية أدت إلى تدمير مقر منظمة التحرير الفلسطينية ومكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات والمقر الخاص بحراسه وبعض منازل المدنيين المحيطة بهذه المقرات، كما أدت إلى استشهاد 50 فلسطينيا و18 تونسيا وجرح نحو 100 شخص وذلك حسب التقرير الرسمي للسلطات التونسية الذي قدمته للأمين العام للأمم المتحدة إضافة إلى الخسائر المادية التي قدرت بحوالي (5.821.485) ديناراً تونسياً (نحو 8.5 ملايين دولار).

يضيف الطاهر في هذا السياق: "نعم لقد كان المشهد مؤلما. المباني أصبحت كلها حطاما وسوّت بالأرض وكانت الجثث ملقاة في كل مكان وتحت الركام، لم أشاهد إلى حد اليوم جريمة أبشع من تلك".

وفور وقوعها أعلن الكيان الإسرائيلي رسمياً مسؤوليته عن تلك الغارة، مشيرا إلى أنه قام بها "في إطار حق الدفاع عن النفس" كما أذاعت وسائلها الإعلامية آنذاك أن زعيم حركة فتح ياسر عرفات قد قتل في الغارة قبل أن يخرج عبر وسائل الإعلام نافيا ذلك ومتوعدا بالرد على هذا الهجوم.

الرد التونسي الشعبي كان قويا حسب الطاهر الذي أكد أن مسيرات شعبية وتظاهرات خرجت على امتداد أيام تدين هذه الجريمة التي اقترفها الاحتلال الإسرائيلي في حق تونس وإسرائيل وتستنكر هذا الاختراق، مشيرا إلى أنها كانت أهم ملحمة نضال مشتركة بين التونسيين والفلسطينيين.

ورغم ذلك فشلت تونس في انتزاع إدانة للكيان الإسرائيلي من مجلس الأمن بعد فيتو أمريكي منع صدور قرار يلزم الإسرائيليين بالاعتذار والتعويض لتونس، فهدّد الرئيس الحبيب بورقيبة آنذاك بقطع علاقات تونس الدبلوماسية مع الولايات المتحدة التي تراجعت فيما بعد ليصدر مجلس الأمن القرار عدد 573 والذي جاءت فيه أول إدانة منه لإسرائيل.

وبعد مرور 33 سنة ما زالت أصوات بعض التونسيين من مثقفين وناشطين سياسيين تطالب الدولة التونسية بالتحرك والحصول على حقها في الاعتذار من الكيان الإسرائيلي وفي تعويضات عن الخسائر التي سبّبتها لها.