نقلا عن منظمة "إنسان" الحقوقية :
هي الحريةُ بلاشك ؛ هو الأمن المفقود ُو العائلة المُشردة بين جنَـبات الـزنازين وقهر السجّان ، نتحدثُ هنا عن حقـوقٍ مُنتهكةٍ وحُريّاتٍ مسلوبة وأسرةٍ تتلاقى على عـتبات السجون وفي ساحات المحاكم المصريّة مائـة وستة عشَرَ يوماً خلف القضبان قضتها عائلة ” آل مندور “، أيامٌ تمّ فيها خرقُ الحقوق وسحق الحُريّات، أمٌ وابنتان والأب مطلوبٌ للجهات الأمنية أيضاً لتصبح نساء العائلة جميعُهن رهن الاعـتقال التعسـفيّ إلى يومنا هذا . نُشيرُ هنا فقط للحُريّة التى يبحثُ عنها الكثيرون هنا في مصر وهي في الأصـلِ حقٌ أصيلٌ ولا يجـوز حرمان أحد ٍ منها تعسفاً .
في الثامن والعشرين من شهر يوينو لعام 2015 تمّ اعتقال الطالبتين رواء محمد السيد مندور الطالبة بالفرقة الأولى من شعبة أصول الدين بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر فرع المنصورة ، والبالغة من العمر 18 عاماً. والطالبة روضة السيد محمد مندور ومعهما الوالدة وتُدعى السيدة حسناء متولى .يُقِمنَ بقرية ميت الخولي مؤمن بمركز منية النصر بمحافظة الدقهلية .تمّ اعتقالهنّ من المنزل عقِب اقتحام قوات الأمن له و بعد اشتعاله بدقائق حيثُ تمَ احتجازهنّ بقسم شُرطة منية النصر و وُجهت لهنّ تُهماً عدّة منها حيازة مواد متفجرة ، وحيازة منشورات تحمل شعارات مناهضة للنظام الحالي وعلى إثره تمّ تحرير المحضر رقم 9783 لسنة 2015 جُنح مركز منية النصر ، ويستمرُ اعتقالهن تحتَ مُسمى الحبس الاحتياطيّ إلى الآن ومنذُ الثامن والعشرين من يونيو .
نحنُ في هذا الصدد نذكرُ المادة (9) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً. وفي الدستور المصري لعام 2014 تقول المادة( 54 ) : لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق.
وكما روى أحد شهود العيان في القرية عن الواقعة قال: ( أن قوات الأمن داهمت منزل آل مــندور بعد اشتعال النيران فيه واعتقلت النساء لعدم وجود المُطارد الذي يبحثون عنه من باب الضغط عليه كي يُسلم نفسه للسلطات المصرية فاعتقلوا زوجة شقيقه وابنتيها ) .
إذاً كان المُراد بالاعتقال شخصاً آخر وحالَ عدم وجوده بالمنزل القت قوات الأمن القبض على النساء واقتحمت عليهن المنزل دون أي إذنٍ قضائي أو مُسببٍ قانوني ولهذا كانت المادة( 57) و(58) من الدستور المصري 2014 : للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر، أو الاستغاثة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائي مسبب، يحدد المكان، والتوقيت، والغرض منه، ويجب تنبيه من في المنازل عند دخولها أو تفتيشها، وإطلاعهم على الأمر الصادر في هذا الشأن. و المادة التى تليها : “للحياة الخاصة حرمة ، وهى مصونة لا تُمس” ، فأين إذاً تطبيقُ تلك المواد التى صيغت في دستور البلاد حتى تكفلَ حق وأمن المواطنين .
يتم احتجازهنّ إلى الآن في قسم شرطة منية النصر ويتم التجديد التلقائيّ لهنّ منذُ الاعتقال وهذا انتهاكٌ واضح للمادة (54) من الدستور المصري بباب الحقوق والحريات حيثُ تقول : وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي. فمازالت نيابة جنوب المنصورة تواصل التجديد المستمر للطالبتين ووالدتهما إلى تاريخنا هذا.
أما إذا تغاضينا عن هذه التجاوزات الحقوقية وتعرضنا لمكان الاحتجاز وما به من انتهاك لا يُمكن السكوت عنه ولا تمريره بحال ، فالمُعتقلات الثلاثة يقبعن الآن في ما يُعرف بقسم شرطة منية النصر حيثُ يعانين من التضييقات المستمرة و تكدس الأعداد وسوء التهـوية وانقطـاع شبه دائم للماء هناك . جديرٌ بنا أن نعرض نص المادة (10)من العهد الدولي: يُعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني يفصل الأشخاص المتهمون عن الأشخاص المدانين.
والمادة(55) من باب الحقوق والحريات في الدستور المصري : كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيًا، وُخالفة شيء من ذلك جريمة يُعاقب مُرتكبها وفقاً للقانون .
لاتزال القضية في ساحات المحاكم وقررت مؤخراً نيابة المنصورة في يوم 11 أكتوبر 2015 تجديد حبس الطالبتين روضة محمد مندور، رواء محمد مندور و والدتهما السيدة حسناء متولي، كل هذه الفترة والحبس الاحتياطيّ لا ينتهى ولا يُبت في أمر القضية . هنا نذكر أهمية المادة (9) من العهد الدولي: ” ويكون من حقه أن يُحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه. ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة ، ولكن من الجائز تعليق الإفراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في أية مرحلة أخرى من مراحل الإجراءات القضائية، ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء. و” لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني”.
سؤالنا هنا أين المنظمات الحقوقية المعنيّة بالشأن المصري الداخلي و المسؤولة عن مُراقبة المؤشر الحقوقيّ الذي تلتزم الدولة بتحقيقه؟ وما دورها في حال الانحدار ؟ نحنُ هنا لنُوضح القضيّـة ونثير هذه الانتهاكات التى أصبحت لا تنتهي في مصر .
إذاً فقضيتُنا هنا تتعلق بحالةٍ ليست هي الأولى والأخيرة منذُ أحداث الثالث من يوليو 2013 ، فكم من العائلات التى تُماثل تقريرنا مع آل منـدور تعجُ بهم السجون المصرية وتحولت الحياة لديهم إلى جلسات وعروض وتجديدات وقضايا لا نعرف أساساها ولا قـاونيَتها وتغرد خارج السرب الحقوقيّ إلى مالا نهاية .
ختاماً نحن كمنظمة إنسان للحقوق والحريات نرفض كلّ هذه التجاوزات ونهيب بالمسؤولين عن الشأن الحقوقي أن يحفظوا للإنسان قيمته ويوقفوا هذا السيل الجارف وينفذوا المواد التى كفلها الدستور وكفلتها المعاهدات الدولية .
و هنا لا يسعنا إلا أن نقول كما قالت المادة (18)من العهد الدولي: ” الأسرة هي الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة” . فكيف إذا انتُهكت حقوقها وتشتت بأفرادها وأصبحوا بلا مأوى تشملهم قضبان الزنازين الغير آدمية ، أين لبنات المجتمع لو سار النظام في مصر على هذه الوتيرة المُتصاعدة من الانتهاكات .