منى الزملوط "الجزيرة نت"-سيناء:
ورقة وشيك مصرفي متعثر صرفه، كل ما يبقى لأبناء رفح المصرية التي باتت ذكرى لأهلها وسكانها، فالمنطقة التي أصبحت خاوية على عروشها، أدمعت قلوب من كانوا بالأمس القريب يشتكون من صخبها.
نزور المنطقة ونسأل أحد السكان ما هي هذه الورقة؟ تكون المفاجأة أنها تعهُد بألا يسكن في منطقة تبعد ثمانية كيلومترات أو أقل عن الحدود المصرية مع قطاع غزة، وفيما يخص التعويض المادي -الذي يُحدد وفق مساحة كل منزل- فيشكو المواطنون عدم القدرة على صرفه، لأن "التعويضات تُعطى للمحسوبيات وأصحاب الواسطة، فهنا الفقير يُهدم منزله، ويُنكل به ويُحرم من حقه".
"وداعا رفح المصرية" صرخة سمعناها من مواطن يبكي على أطلال منزله "ذكريات الطفولة والشباب، رائحة والدي ووالدتي، الصرخات الأولى لأطفالي، كلها دفنت تحت هذه المنازل المدمرة، فلم يبق لدينا شيء". ويتابع -وأطفاله يبحثون عما تبقى من أثاث منزلهم وآخرون يلعبون على حجارته- "ماذا سأجيبهم عندما يكبرون ويسألونني: لماذا هدموا منزلنا؟".
ويسود الدمار كل أوجه المشهد، المنازل في حي النور برفح المصرية، وحتى المسجد بالمنطقة طاله من الهدم نصيب.
عقاب وتهميش
وفي ميدان صلاح الدين، سيدة غاضبة تهيم على وجهها، ولا تعرف أين تذهب بعد هدم منزلها، ترى أن التعويض غير مجز، فهناك منازل استغلت للعمل في الإنفاق وأصبح أصحابها أثرياء، يملكون بديلا أو أكثر, وهناك أبرياء عاقبتهم الدولة عمدا بجرائم غيرهم, رغم أنهم لم يعملوا في الأنفاق مطلقا.
وتروي قصة منزلها المؤلف من ثلاثة طوابق ويهدم خلال أيام "جمعنا أموال المنزل من العمل في الغربة، لم نقترب يوما من الحرام لكن الدولة تساوينا بغيرنا، ضاع كل ما جمعنا". وطالبت بلجنة تقصي حقائق لمعرفة من الذي يرتكب جرما في حق الدولة ومن يعمل في تهريب السلع المدعمة، ومعاقبته.
وكخلية النحل، يجري سكان هذه المنطقة لإفراغ منازلهم من الأثاث قبل أن يتم هدم المنازل عليهم، فالاعتراض لم يعُد يجدي نفعا، فهنا "الأمر عسكري، نفذ ولا تعترض".
وبين هؤلاء، عائلة تسكن حي قمبز (يبعد ثلاثمائة متر عن الحدود مع قطاع غزة) كانت في عجلة، تُريد إفراغ محتويات منزلها بعدما قال أحد أفرادها إنها مُنحت 24 ساعة لمغادرة المنزل، ولم تحصل على تعويضات حتى الآن، وليس لديها بديل كي تخرج إليه.
وفي صوت اختلط بالدموع، يقول فرد آخر من العائلة إن "الدولة همشت أهالي سيناء, وطردتهم من منازلهم وهدمتها في يوم وليلة". وينهي حديثه بسؤال "هل نحن مصريون؟".