خميس النقيب

الجنة مفتحة ابوابها والنارمغلقة ابوابها  ، السبل معبدة ،  و الشياطين مقيدة،  والوساوس مصفدة  ،  كل ذلك اذا اقبل رمضان ..!! شهر القران،  شهر الاحسان،  شهر عباد الرحمن،   الله  يحط فيه الخطايا وينزل فيه الرحمة ويباهي بعباده الصوامين الملائكة ويري فيه تنافسهم  في الخير ...!! شهر زيادة الارزاق،  وتحسين الاخلاق، ومضمار السباق،   تتالق فيه  مزايا الاسلام  وفيه تصفو نفوس الصائمين ..!!  اخلاق عظيمة ، وقيم عالية ، و آداب رفيعة  ، من خلال فرائضه  ، المؤمن يسمو اخلاقا،  ويزداد ايمانا، ويعلو روحا ،  ومن خلال نوافله  ، الصائم يرقي سلوكا،  ويبقي سعيدا  ، وينقي فريدا، بتأدبه مع خالقه ...!!
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  إذا جاء رمضان فُتّحـت أبواب الجنة، وغُـلّـقـت أبواب النار، وصُفّـدت الشـياطين  .     رواه مسلم.
 يدل هذا الحديث العظيم على ثلاثة أشياء يتميز بها شهر رمضان المبارك عن غيره من الشهور،
أولاً:  تفتح أبواب الجنة، ترغيبا للعاملين لها بكثرة الطاعات من صلاةٍ وصيامٍ وصدقةٍ وذكرٍ وقراءةٍ للقرآن وغير ذلك.
ثانياً:  تغلق أبواب النيران؛ وذلك لقلة المعاصي فيه من المؤمنين.
ثالثاً:  وصُفّدت الشياطين أي: شدَّت بالأصفاد وهي الأغلال، وهو بمعنى سلسلت، والمراد بالشياطين المردة منهم -كما جاء ذلك في رواية أخرى-، وهم أشد الشياطين عداوة وعدوانا على بني آدم، والمعنى: تُغل أيديهم حتى لا يخلصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، وكل هذا الذي أخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حقٌّ، وقد أخبر به نُصحا للأمة، وتحفيزاً لها على الخير، وتحذيراً لها من الشر.
في الصوم :   تجد المؤمنين صوامين قوامين  ، شكارين ذكارين،  منيبين  مخبتين، والصوم نصف الصبر والصبر نصف الإيمان والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، والصبر من الأعمال التي أجرها بلا حساب كيف؟ ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر ]
 قال العلماء يغرف لهم من الحسنات غرفا ، الايام تتوالي والليالي تتسارع ،الزمن يدور والحياة تسير ، من عام إلى عام تنقل الانسان و تحمل لنا البشرى بقدوم شهر رمضان ، تزيد الصائم من الايمان وتدفعه الي البر و الاحسان و تاخذه الي الرحمة والغفران و وترشده الي العتق من النيران ..
 يقول الحسن البصري رحمه الله: إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون! ويخسر فيه المبطلون !!
الصائم يصبر على الجوع والعطش وحقه من زوجته في نهار رمضان، يصبر على الطاعة فيصلي ويزكي ويقرأ القرآن ويصل الرحم، يصبر على المعصية فلا يرتكبها، والصيام نفسه من الأعمال التي أجرها على الله وحده، كيف؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به رواه الشيخان لم يحدد الأجر، و ينادي مُنادٍ يوم البعث اين الذين أجرهم على الله؟ فيقبل الصابرون والصائمون والعافون عن الناس...الصوم إذن عفو وصبر، وهو سر بين العبد وربه، فالمؤمن الصائم يتادب مع الله في صومه وفطره، في ترحاله وحله، في قوته وضعفه،  في غناه وفقره،  في يسره وعسره ..!!
في الصلاة : تجد المصلي ، الذي أقبل على ربِّه  ، قائما بجوارحه ، خاشعا بقلبه ،  راقيا بنفسه،  متواضعا مع غيره، يتعلم من خلالها مراقبةَ الله تعالى في جميع أحواله ، ألزم نفسه الكفَّ عن كلِّ حركة ، وإن كانت مباحة خارج الصلاة ، وكفَّ لسانه عن كلِّ قول غير أذكارِ الصلاة .. يتعلم من ذلك كيف يكفُّ لسانه عمَّا حُرِّمَ عليه خارجها ، من غيبة  ،    ونميمة ، وكذب ، وفحش ، فيعيش نزيه اللسان ، عفيف النطق ،   حريصاً على القول الحسن .  وألزم نفسه النظر إلى موضع سجوده ، يتعلم منه كيف  يغض عن الحرام بصره خارجها .  و ألزم سمعه الإنصات لتلاوة إمامه ، ومنعه استماع كلِّ قولٍ عداه ،  وإن كان مباحاً ، يتعلم كيف يمنع سمعه الإنصات لكل قول سيء . 
و ألزم يده أن تقبض يمناه على يسراه حال قيامه ، ومنعها كلَّ حركة  مباحة عداها ، يتعلم منها كيف يكفُّ يده عن البطش في الحرام ، من سرقة ، وإيذاءٍ للخلق ، وهكذا في جميع جوارحه .
  وبذلك  تكون صلاته ناهية    عن المنكرات ، محرضة له علي الصالحات،  محفزة علي فعل الخيرات
قال الله تعالى [ وَأَقِم الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَن الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ ] .
وفي الزكاة : شهر  الصوم موسم البذل والعطاء ، موسم الانفاق والسخاء ، موسم للأيتام والفقراء ، موسم الجود والكرم ، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتقا لرقبته من النار وكان له مثل اجر الصائم لا ينقص من اجر الصائم شيئا ، كان رسول الله صلي الله عليه وسلم مع ربه العبد الطائع ومع نفسه الرسول القانع ومع الناس الجواد الكريم ومع اهله المحب الودود ، روى البخاري
  ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، كان رسول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".وفي رواية أحمد زيادة "لا يسأل عن شيء إلاَّ أعطاه".
وقد حث الله عباده المؤمنين على الإنفاق من طيبات ما كسبوا ومما أخرجه الله لهم من الأرض، كما نهاهم وحذرهم من النفقة من كل مال خبيث؛ فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} سورة البقرة(267).
عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- في قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قال: نزلت في الأنصار، كانت الأنصار إذا كانت أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها البسر فعلقوه على حبل بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيأكل فقراء المهاجرين منه فيعمد الرجل منهم إلى الحشف فيدخله مع أقناء البسر يظن أن ذلك جائز فأنزل الله فيمن فعل ذلك: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}.
يتأدب المخلوق مع خالقه، والمرزوق مع رازقه،  في صومه وفي صلاته وفي حجه وفي زكاته وفي تلاوته للقرات .!!  اللهم سلمنا رمضان وتسلمه منا متقبلا ..
[email protected]