د / إبراهيم كامل محمد


الحمد لله القائل في كتابه " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ " محمد 31 ، ليتبين الصادق من الكاذب ، والجازع من الصابر ، والصلاة والسلام على رسوله الكريم ، وعلى آله وصحبه وزوجاته وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد
قال شهيد الإسلام والدعوة المباركة العلامة والفقيه الأستاذ سيد قطب رحمه الله " كل الناس سيذهب إلى الله بعد مماته ، لكن السعيد من سيذهب إلى الله في حياته "
هذا هو الفهم العميق لصاحب الظلال ، الذي تربَّى عليه رجال الدعوة المباركة والمنصفون من هذه الأمة ، ومع التربية الصحيحة يستوي عند هؤلاء القادة  وأبنائهم  تِبْرُ هذه الدنيا وترابها ، وقنطارُها وقِطميرُها – وهو غشاء أبيض رقيق جدا حول النواة - ، لأنهم وجدوا السعادة في الفرار إلى الله تبارك وتعالى ، حيث نري الانقلابيين السيسيين المجرمين يتسابقون في الفرار من الله ، بمافيهم أصحاب الِّلحَى الهشَّة المجتثة من فوق ذقونهم ، نراهم يُخربون بيوتهم بأيديهم أوكالتي نقضت غزلها ، وبمنتهى الخِسَّة والنذالة  نراهم يعيشون في مُلك الله تعالى ويأكلون من رزقه ثم يعبدون غيره من الطواغيت .
 ولوتأملنا قوله تعالى " ففروا إلى الله " فلابد أن نستشعر السكينة والأمن ، فعند الخوف من الله تعالى فلابد من الفرار إلى الله وحده لأنه التواب الرحيم ، العدل الغفور ، وسعت رحمته كل شيء ، أرحم بعبده من الأم بولدها . أما هؤلاء يظنون أنهم من الله فروا وغاب عن وعيهم " سنستدرجهم من حيث لايعلمون . وأُمْلِى لهم إن كيدي متين " القلم 44 – 45 وقال صلى الله عليه وسلم  " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْهُ ، ثم قرأ " وكذلك أَخْذُ ربِّك إذا أخَذَ القرى وهى ظالمة إنَّ أخْذَه أليم شديد " متفق عليه
ألم يقرأ عليهم حاخاماتهم وأحبارهم  وقساوستهم – المسمون برجال الدين عندهم –  الأسئلة الخمس لإبراهيم ابن أدهم رحمه الله :
إذا أردت أن تعصي الله عز وجل ، فلا تأكل رزقه
إذا أردت أن تعصيه ، فلا تسكن شيئا من بلاده
إذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه ، وفي بلاده ، فانظر موضعا لا يراك فيه مبارزا له فاعصه فيه
إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك ، فقل له : أخرني حتى أتوب توبة نصوحا ، وأعمل لله عملا صالحا
قال : إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذونك إلى النار ، فلا تذهب معهم – انظر كتاب التوابين لابن قدامة .
لكنه عندما يعيش أصحاب الحق والشرعية  في ظلال  قول الله تعالى " وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ  الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ . وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ  وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (الأنعام 93-94 )
فلابد أن يطيب خاطرهم لأن هذا حال الانقلابيين المجرمين يوم القيامة الذين " لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا " الفرقان 3 ، فهذه لقطة واحدة من  آلاف القطات التي تعبر عن حالهم يوم القيامة ، أليست هذه اللقطة كافية لراحة بال المؤمنين المظلومين عندما يقتص الله تعالى لعباده المؤمنين ؟
وأقول لهذا الجيل المنشود :
لقد أديتم ماعليكم منذ مايزيد عن عام ونصف ، لم تستكينوا ولم تضعُفُوا ، ولم تقنطوا مع شدة البلاء والابتلاء والمصائب ، ولم يبق الآن إلا ساعة نزول النصر القريب بإذنه تعالى وأزداد بكم غبطة لأنكم ذهبتم إلى الله في حياتكم ، وهذا ملخص لحالكم  مع ربكم عز وجل
1 – أن الله حماكم من الدنيا وطمعها لتستكملوا نصيبكم من كرامة الله
ورد في الخبر : ( إنَّ هذه الدنيا دار الْتِواء لا دار اسْتِواء، ومنزِل تَرَحٍ لا منزل فرح، فَمَن عرفَها لم يفْرَح لِرَخاء، ولم يحْزن لِشَقاء، جعلها الله دار بلْوى، وجعل الآخرة دار عُقبى , فجَعَلَ بلاء الدنيا لِعَطاء الآخرة سببًا، وجعل عطاء الآخرة من بلْوى الدنيا عِوَضًا، فيأخُذ لِيُعْطي ويبْتلي ليُجْزي ) أخرجه الديلمي عن ابن عمر
ومن نعم الله وفضله على المؤمنين – أهل الحق والشرعية - أنه يتولاهم بنفسه ويرعاهم " الله ولي الذين آمنوا .... " البقرة ، وقال صلى الله عليه وسلم " إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء " صححه الألباني ، وقال " إن الله - تعالى - ليحمي عبده المؤمن الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه " صححه الألباني والحديثان في المستدرك على الصحيحين للنيسابوري ، و عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الدُّنْيَا ، كَمَا يَحْمِي الرَّاعِي الشَّفِيقُ غَنَمَهُ عَنْ مَرَاتِعِ الْهَلَكَةِ " الزهد لابن أبي الدنيا ، وفي مناجاة موسى المأثورة عن وهب التي رواها الإمام أحمد في كتاب الزهد : " يقول اللّه تعالى‏:‏ ‏‏‏"إني لأذود أوليائي عن نعيم الدنيا ورخائها، كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مراتع الهلكة، وإني لأجنبهم سكونها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مَبَارِك الغرة، وما ذلك لهوانهم علي، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالماً موفراً لم تكلمه الدنيا ولم يطفئه الهوى"‏‏‏ الفتاوى لابن تيمية الجزء العاشر ، وانظر جامع العلوم والحِكم الحديث رقم 31 .
2 - أنكم مع هذا الابتلاء جعلتم الفرح شكرا والحزن صبرا
فالذين يصبرون قال الله فيهم " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " قال الأوزاعي : ليس يوزن لهم ولا يكال ، إنما يغرف لهم غرْفا  " تفسير ابن كثير" 
وأما في الدنيا : فروى مسلم  عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا )
وقال تعالى : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) الحديد/ 22، 23
وقال عكرمة : ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ، ولكن اجعلوا الفَرَح شكرًا والحزن صبراً – انظر تفسير ابن كثير
3 - أنكم أقبلتم على مأْدبة الله تعالى فهنيئا لكم
رُوِي  مرفوعا وموقوفا عن ابن مسعود رضي الله عنه "إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته، وإن مأدبة اللّه هي القرآن‏"‏‏‏ الفتاوى لابن تيمية
وروي عنه موقوفا " إن هذا القرآن مأدبة الله؛ فمن دخل فيه فهو آمن " ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة والدارمي بطريق صحيح
حيث جعلتم من السجون خلوة مع ربكم ، فمنحكم كتابه وآياته ورضوانه وجعلكم الله من حفظة كتابه ، وهانحن قد رأينا المئات قد أكملوا حفظ كتاب الله تعالى والفوز بالإجازة المتصلة السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رب العزة ، فضلا عن الأسانيد المتصلة في كتب السنة النبوية الشريفة  والحمد لله وحده ، ولن ننسى من أكمل حفظ القرآن من خلال المسيرات السلمية ، رغم هطول وابل الغازات والرصاص والقناصة من فوقهم ، ومردة شياطين الشرطة من أمامهم ، والمرتزقة الذين هم أشبه بجيش اليهود من خلفهم ، ناهيك عن البلطجية والفالكونية والتواضروسية والساورسية والبراهمية والبكارية والمخيونية والعكاشية والجمعية واللاطيبية .... إلخ الخنافس والصراصير الذين يعشقون رائحة الكُنُف ويرضون بالدُّون  في أماكن الصرف الصحي 
ومن خلال اجتهادي الأعرج أن الانقلابيين قدموا لنا خدمات وخدمات من حيث لم يحتسبوا
فهل كان هؤلاء الحفظة سيتفوقون على أنفسهم ويتخرجون  خلال سنة لو استمر العام المسمى " بعام الرخاء  " لفخامة الرئيس مرسي – الأسد الثائر - ؟ لاتحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم
هل كان يُتوقع أن تتسابق نساؤنا مع رجالنا وشبابنا نحو المعالي والفوز بإحدى الحسنيين ؟ لاتحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم
هل كان الإبداع العلمي والثقافي والإعلامي من خلال القنوات المحسوبة على الشرعية  أويوتيوب أوالفيس بوك  سيتحقق بهذه الصورة ؟ لاتحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم
هل كان كل هؤلاء الانقلابيون  - رءوسهم وأذنابهم وممثلوهم وشعراؤهم وشيوخهم ومحاموهم وقضاتهم وعملاؤهم وممولوهم سيفضحهم الله تعالى لواستمر عام الرخاء مع فخامة الرئيس محمد مرسي ؟ لاتحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم
هل كان أحد يتوقع أن قادة الجيش المجرمين – إلا من رحم ربي – يعملون لصالح إسرائيل ولهم رواتب شهرية من أمريكا وحلفائها ؟
فالحمد لله الذي أخزاهم قبل أن يتورط المصريون في حرب ضد هؤلاء الأعداء الصهيونيين في فلسطين ؟ لاتحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم
4 – اختاركم الله تعالى لحماية الدين لأنكم أصحاب عقيدة صحيحة
قال الأستاذ العقاد في كتابه عبقرية عمر :
إن الإنسان إذا غير معيشته فإنما يغير صناعة، وإذا غير موطنه فإنما يغير بلداً، وإذا غير زيه فإنما يغير سمتاً، ولكنه إذا غير عقيدته فقد غير كونه كله، واستبدل به كوناً آخر، وقد غير ماضيه وماضي أهله، وغير حاضره وحاضر أهله، وغير مصيره في الدنيا، ومصيره بعد الموت، وغير مقاييسه فيما يأخذ وفيما يدع من أمور الحياة . انظر عبقرية عمر
نعم ، لقد كان التمحيص شديداً عليكم ، لكن الإبتلاء والفتنة، هما الميزان الذي يميز الصادق عن الكاذب، والقرآن يأخذ بأيدينا نحو هذه الحقيقة: ﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾, وقال تعالي: ﴿أمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ وإذا كانت هذه سنة الله في عباده فلن تجد لسنة الله تبديلا حتى مع أنبيائه وأصفيائه ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم  مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ألا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾
ويقول العلامة الشيخ سيد قطب في ظلال القرآن :
" ولا بد من تربية النفوس بالبلاء , ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف والشدائد , وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات . . لا بد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة , كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف ..... ولا بد من البلاء كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى . فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة ; وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد . والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتدق وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش عن العيون , والران عن القلوب ..... وأهم من هذا كله , أو القاعدة لهذا كله . . الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها , وتتوارى الأوهام وهي شتى , ويخلو القلب إلى الله وحده . لا يجد سندا إلا سنده ... إنا لله . . كلنا . . كل ما فينا . . كل كياننا وذاتيتنا . . لله . . وإليه المرجع والمآب في كل أمر وفي كل مصير . . التسليم . . التسليم المطلق . . تسليم الالتجاء الأخير المنبثق من الالتقاء وجها لوجه بالحقيقة الوحيدة , وبالتصور

هذه بعضا من صور السعادة التي ذهبت بكم إلى ربكم في حياتكم

ومع نصر قريب يبشِّر الله به المؤمنين ، وسقط سقط حكم العسكر