ثلاث وخمسون يومًا مروا بآلاف الشهداء، وعشرات الآلاف من الجرحى، ومئات المنازل المدمرة، وأطفال يتمت، ونساء رملت. ثلاث وخمسون يومًا من الصبر والمقاومة، أوجسوا خيفة أعدائهم، وبثوا في قلوبهم الرعب، حتى انتصروا وانتصرت مقاومتهم.

غزة العزة التي استيقظت فجر يوم الثلاثاء 8 يوليو على غارات وقصف للمنازل واستهداف للصغار والكبار، بعد إعلان الكيان الصهيوني قيامه بعملية "الجرف الصمد"، إلا أن الصراع الفعلي لم يبدأ بالإعلان الرسمي عن بدء العملية، وإنما سبق ذلك ببضعة أشهر، حيث يمكن تقفي بوادره بالعودة لأبريل الماضي على الأقل، عندما نكثت حكومة الكيان الصهيوني بوعدها بإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، الأمر الذي حدا بالسلطة الفلسطينية لتوقيع طلب الانضمام إلى 15 منظمة ومعاهدة دولية في الأمم المتحدة، ما أثار استياء الاحتلال.
 
إلى جانب ذلك، استمر الاحتلال الصهيوني في عمليات الاعتقال العشوائية، في الضفة الغربية خصوصاً، حيث كانت تعتقل العشرات من الفلسطينيين كل يوم، وازداد الصراع حدة بتاريخ 2 يونيو الماضي، عندما تم تشكيل حكومة وفاق وطني فلسطينية، تضم عناصر من حركتي "فتح" و"حماس"، الأمر الذي اعترضت عليه سلطات الاحتلال بشدة، ونددت به.
 
وبدأت الحرب يوميها الأول بوقوع 11 شهيدًا فلسطينيًا، بعد مجزرة في خانيوس ، كما قصفت المقاومة الفلسطينية 60 صاروخاً.
 
وفى مساء الثلاثاء، قامت عناصر "كوماندوز بحري" تتبع لكتائب "القسام"، باختراق قاعدة زيكيم العسكرية القريبة من عسقلان واشتبكت مع جنود من جيش الاحتلال. كما أعلنت الكتائب عن تفجيرها نفقًا أسف موقع كرم أبو سالم شرقي مدينة رفح، جنوب القطاع، وبثت في اليوم التالي مقطعًا مصورًا للعملية.
 
وتمكنت صواريخ المقاومة الفلسطينية في ذات اليوم من الوصول إلى مطار بنغوريون في تل أبيب المحتلة، إذا أطلقت كتائب "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي"، 5 صواريخ من طراز فجر، وفي وقت لاحق قصفت كتائب "القسام" مدينة حيفا المحتلة، ولأول مرة بصاروخ "آر160". 
 
وبعد تعرض مدن هرتسيليا وريشون لتسيون والقدس وتل أبيب وحيفا المحتلة، لصواريخ بعيدة المدى لأول مرة؛ طلبت قيادة الجبهة الداخلية الصهيونية؛ بفتح الملاجئ أمام الصهاينة في مدينة القدس ومنطقة وسط الأراضي المحتلة، التي تعرف باسم "غوش دان".
 
أما في اليوم الثاني فقد شن الكيان الصهيوني نحو 500 غارة على قطاع غزة وطالت 322 هدفًا حيث استهدفت البنى التحتية وشبكات الصرف الصحي والكهرباء والاتصالات ودمرت 55 منزلاً واستهدفت مقار جهاز الأمن والحماية وجهاز الأمن الداخلي
 
وفي فجر يوم الأربعاء قصفت طائرات الاحتلال منزلاً يعود لحافظ حمد، وهو أحد قيادات "سرايا القدس" في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد 6 من أفراد عائلته.
 
وقصفت المقاومة في ذات اليوم موقع مطار نيفاتيم وكذلك ديمونا، ولأول مرة، حيث يبعد الأول عن غزة قرابة 63 كم، بينما يبعد الثاني قرابة 72كم. كما قصفت ولأول مرة مطار نيفاتيم العسكري بصاروخين من طراز "إم75"، وهو الذي يبعد قرابة 70كم عن قطاع غزة.
 
وعند الـ6 مساءً ألقى خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، خطاباً قال فيه إنه ثمة اتصالات من كل أنحاء العالم من أجل التهدئة، مؤكدًا على أن المقاومة رد فعل طبيعي على ما يقوم به "نتنياهو" (رئيس وزراء الكيان الصهيوني) من جرائم. وقال أيضًا: "لن يطول الزمن حتى لن تجدوا فلسطينيًا يرضى بأرض الـ67 كدولة فلسطينية.. غيروا قيادتكم".
 
في حوالي الـ8 مساءً أعلن الكيان الصهيوني أن القبة الحديدية اعترضت صاروخًا واحدًا أطلق من قطاع غزة في غلاف مدينة ديمونة النووية، وأعلنت كتائب "القسام" أنها قصفت المدينة بـ3 صواريخ من طراز "إم 75" .
 
وفي اليوم التالي، نشر المكتب الإعلامي لكتائب "القسام" فيديو لعملية القصف، ثم اعترف الاحتلال بسقوط أحد الصواريخ في فناء مدرسة بالمدينة.
 
ويأتي اليوم الثالث لترتفع حصيلة الشهداء إلى 77 شهيدًا وأكثر من 500 إصابة، ووصلت صواريخ المقاومة إلى مناطق البحر الميت وشمال تل أبيب، وكذلك مستوطنات معاليه أدوميم وشور أدوميم، فيما أعلن الاحتلال عن مقتل مستوطن في مدينة أسدود وكذلك أعلن عن عدة إصابات في صفوف الجنود في أشكول وبئر السبع.
 
وفي صباح ذات اليوم أعلنت كتائب "القسام" أنها قصفت مطار ريمون العسكري لأول مرة بصاروخين من طراز "إم 75"، والذي يبعد نحو 70 كم عن غزة، وبعد ظهر الخميس قصفت "القسام" مدينتي اللد والرملة لأول مرة، بعشرة صواريخ من طراز "سجيل 55"، والذي يستخدم لأول مرة، وقد أعقب ذلك استنفار في مطار بن غوريون القريب من اللد.
 
وفي اليوم الرابع  وصل عدد الشهداء إلى 95 والمصابين 650 حتى فجر الجمعة. واستمر القصف فجر الجمعة حيث دمرت الغارات مبنًا تابعًا لجمعية الصلاح الخيرية في دير البلح، ومشفى الوفاء للتأهيل الطبي شرق مدينة غزة.
 
وفي المقابل أصيب ثلاثة صهاينة أحدهما جراحه خطيرة، إثر سقوط صاروخ تابع لكتائب "القسام" على محطة وقود في مدينة أسدود.
 
وفي عصر الجمعة عقد رئيس الوزراء الصهيوني مؤتمراً صحفياً في مبنى وزارة الدفاع بتل أبيب. وقال إنه "لن يرضخ لأية ضغوط دولية لوقف الحرب". وحمل حركة "حماس" المسؤولية عن الأضرار التي تحدث في غزة. وقال إن "استعادة الهدوء للشعب الإسرائيلي هو الأولوية الأولى بالنسبة لنا"، فيما لم يستبعد إمكانية توسيع الهجوم على غزة من هجمات جوية إلى حرب برية.
 
خلال المؤتمر الصحفي وبحدود الساعة 6:37 مساءً قصفت "سرايا القدس" مدينة تل أبيب بصواريخ من طراز "فجر5" وسقطت الصواريخ دون إطلاق صفارات الإنذار، ويعتقد أن الصفارات لم تطلق خشية هروب "نتنياهو" على الهواء مباشرة إلى الملاجىء، لكنه فور علمه، هرب بالفعل مباشرةً إلى الملاجئ.
 
وفي يوم السبت، خامس أيام الحرب في غزة بثت كتائب "القسام" رسالة باللغتين العربية والعبرية عبر فضائية الأقصى تفيد بأنها ستقصف تل أبيب وضواحيها الجنوبية بعد الساعة التاسعة مساء،ً وأنها تدعو المواطنين الصهاينة لأخذ الحيطة والحذر. وطالبت وسائل الإعلام بتغطية الحدث. وبعد حوالي ساعة من الرسالة بث الإعلام العبري بشكل مباشر وقائع الهجمات، حيث أظهر السكان وهم يهرعون إلى الملاجىء، فقد أطلقت "القسام" 4 صواريخ على الأقل من طراز "جي 80" محلية الصنع على منطقة تل أبيب وغوش دان.
 
مساءً وبالتزامن مع خروج المواطنين من صلاة التراويح، قصفت الطائرات الصهيونية منزل اللواء تيسير البطش بصاروخين على الأقل، ما أدى إلى مقتل 18 مدني فلسطيني. وجاءت المجزرة الصهيونية عقب تهديد وقصف كتائب "القسام" مدينة تل أبيب المحتلة.
 
ومساء ذات اليوم أعلنت "القسام" أنها تصدت لقوة بحرية صهيوني فجر اليوم، كانت قد حاولت التسلل عبر شاطئ منطقة السودانية شمالي قطاع غزة. واعترف جيش الاحتلال بإصابة 4 من جنوده في الاشتباك الذي قالت "سرايا القدس" إن مقاتليها شاركوا فيه، مؤكدة على أن النار اشتعلت في زورق حربي صهيوني كان مشاركًا في العملية. 
 
وارتفعت حصيلة الشهداء والجرحى في اليوم السابع على التوالي من العدوان الصهيوني على قطاع غزة، لتصل إلى 165 شهيدًا و1085 جريحًا أغلبهم من النساء والأطفال، حيث شن الطيران الحربي الصهيوني غارة على مدينة رفح أسفرت عن مقتل 3 فلسطينيين مدنيين، فيما قتل فلسطينيين 2 من محافظة خانيونس إثر استهداف طائرات الاحتلال لأرض زراعية شمال غرب المحافظة. ومع غروب الشمس دمر جيش الاحتلال مقرًا للأمن الداخلي بخانيونس، ومقرًا لأمن الحماية.
 
وظل الحال أخذًا وردًا بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الصهيوني، إلا أن الجميع اعترف بالتطور النوعي للمقاومة الفلسطينية، بل إن عسكريين أمريكيين قالوا إن مشاة "القسام" هم الأفضل في الكون، وأظهرت المقاومة جميعها، وعلى الرأس منها كتائب "القسام" احترافية شديدة، وقوة غير مسبوقة؛ ليعترف قادة الرأي وتعترف وسائل الإعلام الصهيوني بانتصار المقاومة، وفشل الاحتلال في تحقيق أيّ من أهدافه. 
 
ثمّ يتوج الانتصار بعد 53 يوماً من الحرب على غزة، قتل فيها مايزيد عن 2000 شهيد، فضلًا عن عشرات الآلاف من الجرحي، حيث توصل الطرفان الفلسطيني والصهيوني لاتفاق حول هدنة طويلة الأمد، و تثبيت وقف إطلاق النار، وتحقيق كافة الشروط التي كانت قد نصتها المقاومة كأساس لأي اتفاق تهدئة.
 
وأصدرت حركتي "حماس"، و"الجهاد الإسلامي" بيانًا مشتركًا؛ حول التوصل لاتفاق التهدئة بين كلا الجانبين؛ الفلسطيني والصهيوني.
 
وقالوا في بيانهم المشترك: "إحساسًا منا بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية، واعتزازًا بدور مصر التاريخي الداعم لقضية الأمة الفلسطينية، وتقديرًا لما قامت به مصر الشقيقة من دور، بذلت بموجبه جهودًا كبيرة لوقف العدوان على أبناء شعبنا في قطاع غزة، فإننا، في حركتي حماس والجهاد الإسلامي، نشكر مصر العربية؛ الشقيقة لرعايتها هذه المفاوضات، غير المباشرة، للوصول إلى وقف العدوان، والذي أفضى إلى وقف إطلاق النار وفقًا لتفاهمات القاهرة 2012، وإنهاء الحصار وفتح المعابر وإعادة الإعمار".
 
وأضاف البيان:"إننا نتطلع إلى مزيد من الجهد المصري باتجاه باقي متطلبات الشعب الفلسطيني في غزة، للوصول إلى تحقيق أهداف شعبنا عامةً في الحرية والخلاص من الاحتلال البغيض"
 
وتابع البيان: "إننا نؤكد على عمق العلاقة الأخوية الحميمة بين أبناء الشعبين الشقيقين (المصري والفلسطني)، ونعمل على تعزيز وتعميق هذه العلاقة؛ لمواجهة التحديات التي تواجه البلدين.. آملين لمصر وشعبها الخير والازدهار وأن يحفظ الله مصر وفلسطين من كل سوء".
 
وفي عقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، خرج الآلاف من أهالي قطاع غزة لشوارع وميادين القطاع، احتفالًا بإعلان وقف إطلاق النار، وتحقيق اتفاقٍ لبّى معظم شروط المقاومة، والتي وقعته حركات المقاومة مع الاحتلال برعاية دولية، ووساطة مصرية.