10 أيام كاملة ذاق فيها أكثر من 18 ألف مدني مرارة الموت والألم والحصار في مخيم "جنين"، في الفترة من 1 وحتى 12 أبريل 2002، على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي هاجمت المخيم لتصنع واحدة من مجازرها البشعة في حق الشعب الفلسطيني، وذلك بعد مرور 20 عامًا على مجزرة "صبرا وشاتيلا"، و50 عامًا على مذبحة "قبية".
"إن الوضع في مخيم جنين مذهل ومروع لدرجة لا تصدق.. الروائح الكريهة المنبعثة من الجثث المتحللة تحوم في أنحاء المخيم.. يبدو كما لو أنه تعرض لزلزال، شاهدت فلسطينيين يخرجون جثثا من بين حطام المباني المنهارة، منها جثة لصبي في الثانية عشرة من عمره"، هكذا وصف تيري رود لارسن، الممثل السابق للأمين العام للأمم المتحدة في الشرق الأوسط.
ورغم أن الهدف الذي أعلنه جيش الاحتلال لاقتحام المخيم هو القضاء على المقاومين، بعد هجوم في 27 مارس من نفس العام استهدف فندقًا في مدينة "نتانيا"، أودى بحياة 36 إسرائيليًا؛ فإن ما حدث كان بمثابة تصفية لعدد كبير من المدنيين العزل والأطفال والشيوخ، حتى أن الجيش الإسرائيلي رفض دخول المساعدات الطبية أو إسعاف الجرحى، وقتل واعتقل منهم الكثيرين بلا رحمة أو إنسانية تذكر، فأصبح المخيم مسرحًا لمعركة شرسة بين طرفين أحدهما منهك ومنزوع القوى، لكنه تمتع بالإرادة الكافية لقتل 23 جنديًا إسرائيليًا، في حين أن عدد شهداء الفلسطينيين وصل إلى 58 قتيلًا بحسب تقرير الأمم المتحدة.
أقيم المخيم بالجانب الغربي لمدينة "جنين" لإيواء اللاجئين في عام 1953، ويعد ثاني أكبر مخيم في الضفة الغربية بعد مخيم بلاطة، واستهدفته قوات الاحتلال الإسرائيلي بتلك المجزرة على ثلاث مراحل، بدأت الأولى من 3 إلى 9 أبريل، ووقعت فيها معظم الخسائر البشرية، أما المرحلة الثانية فاستغرقت يومين فقط هما 10 و11 أبريل ووقعت فيها معظم الخسائر المادية.
أعمال القتل العشوائي واستخدام الدروع البشرية ومنع المساعدات الطبية والاعتقال التعسفي وممارسة التعذيب ضد المعتقلين، جميعها كانت من ملامح المجزرة، والتي قال عنها الروائي البرتغالي "خوسيه ساراماجو" بعد زيارته للمخيم إثر المذبحة: "كل ما أعتقدت أنني أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين قد تحطم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقاً ما الذي جرى هنا.. يجب قرع أجراس العالم بأسره لكي يعلم أن ما يحدث هنا جريمة يجب أن تتوقف.. لا توجد أفران غاز هنا، ولكن القتل لا يتم فقط من خلال أفران الغاز.. هناك أشياء تم فعلها من الجانب الإسرائيلي تحمل نفس أعمال النازي أوشفيتس.. إنها أمور لا تغتفر يتعرض لها الشعب الفلسطيني". شاهد أيضا في يوم الأرض الفلسطيني.. إسرائيل تحتل 85 % أشجار من أجل الكوكب.. ندوة يوم الأرض حول الزراعة وتغير المناخ في يوم الأرض الفلسطيني.
300 صاروخ أطلقهم الجيش الإسرائيلي على منازل الآمنين بالمخيم، وفقًا لما صرّح به وقتها "عوفر شيلح"، مراسل صحيفة "هارتس" الإسرائيلية، حيث روى بأنه وباقي الجنود تلقوا أوامر بإطلاق الرصاص الحي على كل نافذة ومحاصرة كل بيت في المخيم، وتابع: "قالوا لنا بوضوح "حطموهم وأطلقوا النار على كل شيء يتحرك في المنطقة.. صحيح أننا تعرضنا لنيران كثيفة ولكننا بالمقابل أبدنا مدينة"، كانت تلك شهادة شاهد منهم أدان بها أعمال العنف الإسرائيلية في مخيم "جنين".
انتهت المجزرة مخلّفة 1300 أسرة مشردة في الشوارع لا مأوى لها بعد تدمير منازلهم لعدة أسباب منها هدم 484 منزل بشكل كلي، و7000 منزل بشكل جزئي وإلحاق الضرر بـ1300 آخرين، فكان معظمها غير صالح وغير آمن للسكن.
"ناصر فراحته" رب أسرة تضررت من مجزرة "جنين" وفقد منزله وظلت أسرته مشردة في الشوارع لفترة زادت عن 20 يومًا، روى ما تعرض له من أحداث مأساوية لوكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا"، فقال: "جرافات الاحتلال هدمت منزل العائلة المؤلف من ثلاثة طوابق، مدمرة بذلك أربع شقق مأهولة ومحلات تجارية كانت مصدر رزق للأسرة التي يزيد أفرادها عن 18 فرداً"، وتذكر مأساة المخيم قائلًا: "بدأ الناس بالهروب من منازلهم بشكل اضطراري حفاظاً على أرواحهم من الموت، وأتذكر لحظة مغادرة منزلنا الوحيد، كان الناس يتراكضون بلا وعي، لا يعرفون حقيقة ما يجري". "
توجهت جموع الهاربين من الموت إلى مناطق مختلفة، وأفراد أسرتي تشتتوا، قسم في منازل قريبة وآخر في جمعية الهلال الأحمر، وقسم غادر المخيم إلى قرى مجاورة، إنها مأساة حقيقية انتهت بفقدان المنزل الذي ضمنا لسنين طويلة وتشتيتنا في بيوت مختلفة في المدينة"، معاناة حقيقة مليئة بالأوجاع عاشتها أسرة "فراحته" الذي أكد أن كل ماحدث إرهاب بمعنى الكلمة وتهجير قسري للفلسطينيين عن وطنهم.