خميس النقيب:

 

لعب ولهو ، زينة وتفاخر ، زهو ورياء ، ريبة وتكاثر ،  هذه صفات الحياة الدنيا ،  التي كلما دنت أودنت ، وكلما حلت أوحلت ، وكلما كست اوكست ، إنها ساعة فاجعلها طاعة ، إنها قنطرة فاعبرها الي  المعمرة ...!!

أنها شريط من الاعمال التي قدمتها لنفسك ، ان خيرا فخيرا وان شرا فلاتلومن الا نفسك ...!!

شريط من الاعمال والاقوال سيعرض عليك لتقرأه " إقرأكتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " الاسراء  ،  ولن يغيب منه شيء  ، ولا يخفي منه خافية "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" الحاقة

شريط ستتذكره يوما "يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكري"  الفجر

وعندما يري الانسان ان اعماله مكتوبة ، وخطواته محسوبة ، وموازينه منصوبة  " يقول ياليتني قدمت لحياتي " الفجر   ، انه غفل عن حكمة الابتلاء بالمنع والامتحان بالعطاء  ، فأكل التراث أكلا لما ، واحب المال حبا جما ، فلم يكرم اليتيم ، ولم يحض علي طعام المسكين ،  طفي وبغي ، أفسد واستبد ،  أراد ان يعود لكن فات الاوان "وأنى له الذكرى"  لقد انتهى عهد الذكرى ،ومضي وقت العودة ، فما عاد الوقت يسع ، وما عادت الذكري تجدي في دار الجزاء .

حين تتجلي هذه الحقيقة أمام عينيه  "يقول ياليتني قدمت لحياتي ..!!

هناك في الاخرة حيث الحياة الحقيقية التي تستحق الاعداد ، وتستوجب الادخار ، ويليق بها كلمة حياة ، وكأن الاولي ليست حياة  ...!!

ثم يصور مصيره بعد الاماني الضائعة  والحسرات الفاجعة ،  لكن هيهات هيهات " فيومئذ لا يعذب عذابه احد، ولا يوثق وثاقه احد "  انه بين يدي القاهر القادر ، الجبار المتعال  ، المعز المذل ، المحي المميت  سبحانه  ، وفي قلب هذا الهول المروع ، ومن وسط هذا العذاب الماحق ، والوثاق القاهر تنادي النفس المتوجهة الي الله ، المستقيمة مع أمر الله ، المطمئنة بذكر الله  "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" الفجر

في عطف وقرب  " يا أيتها " وفي روحانية وتكريم " يا أيتها النفس " وفي ثناء واطمئنان "  النفس المطمئنة "  ومن وسط العذاب ، ومن قلب التعذيب " ارجعي الى ربك "  راضية بما قدمت من عمل ، مرضية بما نلت من ثواب عظيم واجر كربم  " فادخلي في عبادي "  المقربين ، " وادخلي جنتي " في كنفي ورحمتي ....

  وثواب الله في الدار الآخرة خير من الدنيا وأبقى ، فإن الدنيا دنية فانية ، والآخرة شريفة باقية ، فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى ، ويهتم بما يزول عنه قريبا ، ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد ؟! كيف يطمئن عاقل إلي الاخرة فلا يعمل ولا يستعد ؟!

روي عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له " .

وقال ابن جرير ،  عن عطاء ، عن الثقفي قال : استقرأت ابن مسعود :  " سبح اسم ربك الأعلى " فلما بلغ : "  بل تؤثرون الحياة الدنيا  "  ترك القراءة ، وأقبل على أصحابه وقال : آثرنا الدنيا على الآخرة . فسكت القوم ، فقال : آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها ، وزويت عنا الآخرة فاخترنا هذا العاجل وتركنا الآجل ..

يقول ذلك تواضعا وتبتلا ..!!

هذه ابيات لعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه يدعونا فيها لبناء الاخرة والاستعداد لها بالطاعات ..

النفس تبكي على الدنيا وقد علمت

        أن السعادة فيها ترك ما فيها

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها

        الا التي كان قبل الموت بانيها

فإن بناها بخير طاب مسكنه

          وإن بناها بشر خاب بانيها

أموالنا لذوي الميراث نجمعها

        ودورنا لخراب الدهر نبنيها

أين الملوك التي كانت مسلطنة

     حتى سقاها بكأس الموت ******

فكم مدائن في الافاق قد بنيت

    أمست خرابا وأفنى الموت أهليها

لا تركنن إلى الدنيا وما فيها

     فالموت لا شك يفنينا ويفنيها

وعن أبي موسى الأشعري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أحب دنياه أضر بآخرته ، ومن أحب آخرته أضر بدنياه ، فآثروا ما يبقى على ما يفنى " . رواه احمد