محمد عبدالرحمن صادق :



إن المحن والابتلاءات هي من أكثر الأشياء التي تجعل الإنسان يتجرد من كل حول وقوة إلى حول الله تعالى وقوته . فالمحن والابتلاءات تجعل الإنسان يخلع كل الأردية الزائفة والأقنعة الخادعة ليناجي ربه بفطرته التي فطره عليها طمعاً في القبول وطمعاً في كشف الهموم ورفع البلاء وتبديل الأحوال .

خاطرة

- إن تضييق الخناق على العاملين لدين الله تعالى في شتى بقاع الأرض ومطاردتهم ومحاربتهم في أرزاقهم ربما يجعلهم أو يجعل البعض منهم يتعجل قطف الثمرة قبل نضجها .

إن الذي يتعجل قطف الثمرة قبل نضجها لن يناله منها إلا غصة ومرارة بل ربما يموت هماً وغماً ونكداً وإحباطاً وما وصل لهدفه وما نال مُبتغاه .

لقد قال الدعاة وأقروا وأيقنوا أن شجرة الفساد والظلم والجبروت عتيقة وقد ضربت بجذورها أعماق الأرض وأفسدت برائحتها هواء السماء ولذلك فعليهم أن يوقنوا أنه لن تجتثها ضربة واحدة ولن تسقطها هزة حانية . ولا أحد يدري إلا الله تعالى ماهي الضربة التي ستجتثها وتقتلعها من جذورها ولا الهزة التي تلقي بها أرضاً.

فعلى الدعاة أن يعملوا ويأخذوا بكل الأسباب والتي منها الاستعانة بالله تعالى على الظالمين والمفسدين وأعوانهم .

وليعلموا أن الإنسان خُلق عَجولاً وخُلق جَزوعاً وخُلق هلوعاً ولكن أولياء الله تعالى من خلقه في قلوبهم يقيناً بوعده ونصره وتأييده أرسخ من الجبال الرواسي .

وليعلموا أن الله تعالى لا يعجل بعجلة أحدنا .

وليعلموا أن الله يحب من يُلح عليه حتى في مِلح طعامه وفي شِراك نعله .

وليتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يمل حتى تملوا " .

فلا تملوا العمل لدين الله ولا تملوا الوقوف على بابه والتذلل لجنابه عسى أن يُعَجِّل لنا تأييده وأن يصرف عنا ما نحن فيه .

****************************************

عبرات وزفرات ( 1 )

اللهم إن نوحاً -عليه السلام- حين سألك النصر لم يسألك بكثرة عبادته ولا بطول صلاته وإنما سألك بفجور خصمه وتجاوزه وفساده . فقال " ....... رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً {26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً {27} " ( سورة نوح ) .

- اللهم إن كنا لا نستحق نصرك فالظالمين ومن بغوا علينا يستحقون غضبك .

- اللهم إنا نسألك النصر بفجورهم وظلمهم للعباد وإفسادهم للبلاد .

- اللهم لا تحقق للظالمين في بلادنا غاية ولا ترفع لهم راية .

- اللهم نكِّس راياتهم وأذل رقابهم واجعل دائرة السوء عليهم .

- اللهم لا تُصلح لهم حالاً ولا تُسعد لهم بالاً .

- اللهم لا تُقر لهم عيناً ولا تُصح لهم بدناً ولا تبارك لهم في رزق .

**********************************

زفرات وعبرات ( 2 )

اللهم إنك وحدك المُطلع على قلوبنا وتعلم صدق توجهنا ونياتنا وتعلم أننا لا نرجوا سوى رضاك عنا وقبول أعمالنا، اللهم من ظلمنا وتقوَّل علينا بما ليس فينا فأشغله في نفسه وأذقه وبال أمره واجعل اللهم أقواله وأفعاله حسرة عليه واجعل اللهم أمره خساراَ وأعماله بواراً ولا تجعل له سلطاناً علينا ولا على أحد من عبادك الصالحين .

**************************************

زفرات وعبرات ( 3 )

اللهم إنك تعلم أننا ما أحببنا أحداً إلا فيك وما أبغضنا أحداً إلا فيك فاملأ اللهم قلوبنا بحب الصالحين وانزع اللهم من قلوبنا كل حب أو مودة أو مُوالاة لعاص تبغضه أو لظالم كتبت عليه الشقاء والإبعاد .

****************************************

زفرات وعبرات ( 4 )

أيها الحزين المكروب .. أيها المُبتلى الطريد .. أيها المظلوم الضعيف وأنت واقف بين يدي ربك تناجيه وتشكوا إليه ضعف قوتك وقلة حيلتك وهوانك على الناس ...

لا تبالغ في تنميق الكلمات .

لا تخشى من تعثر لسانك وسوء حالك .

لا تشغلك كثرة ذنوبك .

لا تخجل من تساقط دموعك .

ارمي بنفسك وهمومك وأوجاعك بين يديه سبحانه .

استسلم بين يديه سبحانه .

أظهر ضعفك وندمك وقلة حيلتك .

لا تبرح الباب حتى يُفتح .

ولا تفارقه حتى ترتوي .

اللهم إنا نسألك رضاً وغفراناً وقبولاً .

*************************************************

سؤال ولا أريد له جواباً !!

لماذا أوصى نبي الله يوسف عليه السلام بإخراج عظامه من مصر ؟ ولماذا حَرَمَ الله تعالى مصر من شرف أن تحوي في أرضها عِظام نبي الله يوسف عليه السلام ؟

عن أبي موسى الأشعري عبدالله بن قيس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أَعجِزتُم أن تكونوا مثلَ عجوزِ بني إسرائيلَ ؟ فقال أصحابُه : يا رسولَ اللهِ و ما عجوزُ بني إسرائيلَ ؟ قال : إنَّ موسى لما سار ببني إسرائيلَ من مصرَ ، ضَلُّوا الطريقَ ، فقال : ما هذا ؟ فقال علماؤهم نحن نُحَدِّثُك : إنَّ يوسفَ لما حضره الموتُ أخذ علينا مَوثِقًا من اللهِ أن لا نخرُجَ من مصرَ حتى ننقِل عظامَه معنا ، قال : فمن يعلمْ موضعَ قبرَه ؟ قالوا ما ندري أين قبرُ يوسفَ إلا عجوزًا من بني إسرائيلَ ، فبعث إليها ، فأتَتْه ، فقال دُلُّوني على قبرِ يوسفَ ، قالت لا والله لا أفعلُ حتى تُعطِيَني حُكمي ، قال : وماحُكمُكِ ؟ قالت أكونُ معك في الجنَّةِ ، فكره أن يُعطِيَها ذلك ، فأوحى اللهُ إليه أن أَعطِها حكمَها ، فانطلقَتْ بهم إلى بُحَيرةٍ ، موضعَ مُستَنْقَعِ ماءٍ ، فقالت : انضِبوا هذا الماءَ ، فأَنضبوا ، قالت احفِروا واستخرِجوا عظامَ يوسفَ ، فلما أقلُّوها إلى الأرضِ ، إذ الطريقُ مثلُ ضوءِ النَّهارِ " ( صححه الألباني على شرط مسلم ) .

قال الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة (1/313) : كنت استشكلت قديما قوله في هذا الحديث " عظام يوسف " لأنه يتعارض بظاهره مع الحديث الصحيح : " إن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " حتى وقفت على حديث ابن عمر رضي الله عنهما : " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن ، قال له تميم الداري : ألا أتخذ لك منبراً يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك ؟ قال : بلى . فاتخذ له منبراً مرقاتين "    ( أخرجه أبو داود ( 1081 ) بإسناد جيد على شرط مسلم ) . فعلمت منه أنهم كانوا يطلقون " العظام " ، ويريدون البدن كله ، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل ، كقوله تعالى : { وقرآن الفجر } أي : صلاة الفجر . فزال الإشكال والحمد لله ، فكتبت هذا لبيانه . ا.هـ

***************************************************

دعاء

اللَّهُمَّ .. لا تنسنا ذكرك ولا تهتك عنا سترك .. ولا تأمنا مكرك .. ولا تجعلنا من الغافلين .

اللَّهُمَّ .. إنا نسألك علم الخائفين , وإنابة المخبتين .. وإخلاص الموقنين .. وشكر الصابرين .. وتوبة الصديقين .. وفهم النبيين .

اللَّهُمَّ .. ارحم تضرعنا .. وأمن خوفنا .. وتقبل أعمالنا .. وأصلح أحوالنا .. واجعل بطاعتك اشتغالنا .. وإلي الخير مآلنا .. وحقق في الزيادة آملنا .. واختم بالسعادة آجلنا .

اللَّهُمَّ .. هذا حالنا لا يخفي عليك .. وهذا ضعفنا ظاهر بين يديك .. فعاملنا يا مولانا بالإحسان إذ الفضل منك وإليك.

اللَّهُمَّ .. يا من لطفت بالأجنة في بطون أمهاتها .. فالطف بنا في قضائك وقدرك .. لطفا يليق بكرمك وجودك يا أرحم الراحمين .

اللَّهُمَّ .. ارزقنا صحة في عبادة .. وفراغ في زهادة .. وعلماً في استعمال .. وورعاً في إجمال .. واختم بعفوك أجلنا .. وحسن في كل الأمور أحوالنا .. وانصرنا اللهم على من ظلمنا .