في مثل يوم 21 / 10 / 2004 قبل اثني عشر عاماً، اغتال الاحتلال الإسرائيلي صاحب البصمة الأولى بوحدة التصنيع القسامية القائد عدنان الغول، لتصعد روحه إلى بارئها بعد أن أفنى حياته مجاهداً ومقاوماً للاحتلال.
مساء ذلك اليوم قصفت طائرة إسرائيلية السيارة التي كان يستقلها القائد عدنان مع القائد عماد عباس، في شارع يافا شرق مدينة غزة ليستشهدا معاً، حيث نال أبو بلال ما تمنى بأن يكون شهيداً في شهر رمضان.
نعت الكتائب أحد قادتها الكبار المساعد الأول للقائد العام محمد ضيف وكبير مهندسي تصنيع المتفجرات فيها عدنان الغول، لتؤكد أنه صاحب البصمة الأولى في تطوير الصناعات العسكرية بالكتائب وكان آخرها قاذف الياسين قبل استشهاده.
نشأته وحياته
ولد الشهيد القائد عدنان محمود جابر الغول في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة يوم 24/7/1958م، وتنحدر عائلته من قرية هربيا المهجرة عام 1948، ودرس جزءا من المرحلة الابتدائية في المخيم، لكنه أكملها والمرحلتين الإعدادية والثانوية في مخيم النصيرات بعد أن استقرت عائلته في قرية "المغراقة" وسط القطاع.
وبعد وفاة والده بعامين عام 1979، سافر عدنان إلى أسبانيا لدراسة الكيمياء هناك، لكنه لم يمكث سوى شهرين حتى عاد إلى أرض القطاع، وبعد فترة قصيرة تزوج وأنجب أربعة أبناء.
عمله العسكري
بدأ أبو بلال نشاطه العسكري في وقت مبكر، وهو لم يتجاوز العشرين عاماً، قبيل اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987م، وشكل مجموعة عسكرية نفذت عمليات طعن جنود الاحتلال، لكن أمرها انكشف باعتقال أحد أفرادها، مما دفعه للسفر إلى الخارج وعاد إلى غزة في أوائل التسعينيات ليستكمل عمله.
تمكن الغول من صنع أول قنبلة يدوية محلية رغم شح الإمكانات، وعمل على إنتاج قذائف الهاون والمضادة للدروع؛ فصنع قاذف "الياسين" قبل استشهاده بفترة قصيرة.
وانتقل الغول إلى مرحلة أكثر تطوراً وأحدث نقلة نوعية في صناعات القسام؛ فصنع صاروخ "البنا" ثم صواريخ القسام بأجيالها الأولى، والعبوات الناسفة، التي كان لها دور كبير في دحر العدو الإسرائيلي عن قطاع غزة في انتفاضة الأقصى.
ملاحقة السلطة
وانتهزت أجهزة أمن السلطة كل فرصة لملاحقة الغول، فاختطفت مخابراتها ابنه بلال وكان عمره 12 عاماً، وعذبوه عذاباً شديداً كي يبوح بمكان والده، وليشكل ذلك ضغطا عليه ليسلم نفسه، إلا أن ذلك لم يفت في عضده شيئاً.
وتمكنت السلطة من اعتقال شهيدنا مرتين وتمكن من الهرب من سجن السرايا عام 98، إلا أنها حاولت اغتياله حين دس أحد ضابطها المتخابرين مع الاحتلال السم له داخل فنجان قهوة في السجن مما تدهورت صحته وعجز الأطباء عن علاجه لكنه تعافى منه قليلاً بالأعشاب، بينما بقيت آثاره في جسده حتى استشهاده.
استشهاد نجليه
جسّد القائد الغول أسطورةً في الصمود رغم محاولات كسر عزيمته وثنيه عن الطريق باستشهاد اثنين من أبنائه، حيث استشهد ابنه البكر بلال خلال محاولة اغتيال كانت تستهدفه ونجا منها في الثاني والعشرين من سبتمبر عام 2001م.
كما استشهد نجله الآخر محمد خلال اشتباك مع قوات إسرائيلية خاصة تسللت قرب منزل العائلة قتل خلاله جنديا وأصاب آخر، حتى ارتقى الغول شهيداً بعد أن دوّخ الاحتلال طيلة 18 عاماً من المطاردة.
بعد الاغتيال ادعى رئيس أركان جيش الاحتلال السابق موشيه يعالون أنه تم القضاء على نصف المقاومة الفلسطينية باغتيال الغول، فيما حمله مسؤولية قتل العشرات من المغتصبين في العمليات الاستشهادية التي أعد المتفجرات لها والقذائف التي كانت له بصمة فيها.
كما اتهمه بقتل "فيكتور ارجوان" أحد قادة جهاز الشاباك، وقائد الشرطة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة "رون طال" في عام 1987، إضافة إلى قتل عدد كبير من العملاء الذين يقدمون المعلومات.
المسيرة مستمرة
القائد الغول الذي كان له دور بارز في عمليات الثأر المقدس للمهندس الأول في الحركة الشهيد يحيى عياش، توج مسيرته الجهادية بالإشراف على تنفيذ العشرات من العمليات الاستشهادية التي جهز العبوات والأحزمة الناسفة لها.
ومع استشهاد الغول، واصل مجاهدو القسام السير على درب قائدهم، حتى شهدت الصناعات العسكرية تطوراً منقطع النظير، فلم يهنأ الاحتلال باغتيال الغول، إذ إن آلاف قذائف الهاون وصواريخ القسام المتطورة وبعيدة المدى أصابت كيانه في مقتل.
وخلال 15 عاماً من بدء صناعة منظومة الصواريخ التي أرسى قواعدها قائدنا، تمكن مهندسو القسام من إنتاج أجيال من الصواريخ المتطورة، أبرزها (صاروخ سجيل-55 ومداه 55كم، وصاروخM 75 ومداه 75كم، وصاروخ J80 ومداه 80كم، وصاروخ R160 ومداه 160كم).
وفي لمسة وفاء من تلاميذه، كشفت كتائب القسام خلال معركة العصف المأكول عن تمكن مجاهديها من صناعة بندقية قنص من عيار 14.5 ملم وذات مدى قاتل يصل 2 كلم.
وأطلقت الكتائب على البندقية اسم "غول"؛ تيمنا بالشهيد القائد ونشرت مقطعاً يظهر عمليات قنص مجموعة من جنود الاحتلال بها إبان العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، ليستحيل الغول قناصاً يقطف أرواح جنود الاحتلال ومغتصبيه.