تهنئة وعهد:

يتقدم الإخوان المسلمون إلى الشعب المصري والأمة العربية والإسلامية وإلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بخالص التهنئة بحلول يوم عرفة وعيد الأضحى، سائلين الله تعالى أن يتم على الحجيج نسكهم في خير وسلامة وعافية، وأن يتقبل حجهم ودعاءهم، وأن يعيد هذه الأيام على الأمة بالبركة والعافية والحرية والاستقرار والحياة الطيبة في ظل الإسلام الحنيف، ويدعون المسلمين إلى الاستمرار في تطهير أرواحهم وتزكية نفوسهم وتقويم أخلاقهم، حتى يغير الله حالهم إلى أحسن حال "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد: آية: 11).

ويؤكد الإخوان المسلمون إصرارهم مع كل الثوار الأحرار من كل القوى الوطنية على تحقيق أهداف الثورة المباركة (العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية) من خلال الحراك الثوري السلمي الإيجابي المبدع.

دعوتنا دعوة الوحدة والسماحة والحرية:

أيها الإخوان المسلمون، أيها الناس أجمعون، في هذه الأيام الكريمة المباركة التي يتوافد فيها الحجيج إلى الحرم الشريف من كل فج عميق تظهر بجلاء حقيقة دعوة الإسلام التي آمنا بها ونجاهد في سبيلها، وذلك في أكبر تجمع سلمي يشهد بعظمة هذا الدين، الذي يعلن السلام العالمي ويحمي الحياة الإنسانية من أي اعتداء، ويؤكد وحدة هذه الأمة مهما اختلفت الألوان والأعراق واللغات، فقد قال تعالى "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" (الأنبياء: آية:92)  وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى".

كما دعا النبي العظيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمة يوم الحج الأكبر إلى السمو الروحي، والتميز الإيجابي والأخلاقي، وأوصى بالنساء خيرًا، وأمر بالبراءة من كل أمور الجاهلية وشعائرها وشرائعها الفاسدة، ونزعاتها العنصرية، وثاراتها القبلية، وأخلاقها الساقطة، بعد أن أكمل الله لها دينها، وأنزل سبحانه يوم عرفة قوله "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا" (المائدة: من الآية:3).

وفي ذلك اليوم العظيم وأمام أكثر من مائة ألف حجوا معه حجة الوداع دعا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمة للحفاظ على وحدتها وصيانة دمائها وأعراضها وأموالها، وقرر حق الحياة لكل إنسان باعتباره حقًا مقدسًا، لا يحل انتهاك حرمته ولا استباحة حماه، فقال: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ ... وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ".

دعوة للثوار الأحرار :

في هذه الأيام الكريمة التي يتجلى الله فيها على عباده الصالحين الصادقين ندعو الثوار الأحرار إلى الثبات في الأمر والاستمرار في الإبداعات الثورية السلمية، واستغلال هذه الأجواء الروحانية في الاتصال بالله تبارك وتعالى صيامًا وقيامًا وذكرًا ودعاء، وبخاصة يوم عرفة الذي هو أفضل الأيام عند الله، والذي يصادف هذا العام سيد الأيام عند الله وهو يوم الجمعة، وقد قال  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ".

فليحرص كل قادر على صيامه، ولنكثر في هذا اليوم من الدعاء الخالص بأن ينصر الله الحق وأهله، وأن يقطع دابر الظالمين، وأن يجعل مكر السوء يحيق بالخائنين، وأن يمكن الشعب المصري من  القصاص من القاتلين وأن يربط علي قلوب ذوي الشهداء والمصابين وأن يفك أسرى المعتقلين، ولنكن واثقين من إقبال الله على عباده، وموقنين بالإجابة، فقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، وقال: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ".

إنه اليوم الذي يتقطع الشيطان فيه غيظًا وهو يرى إقبال الحق عز وجل على عباده وقبوله سبحانه لدعائهم، كما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ" قِيلَ: "وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ".

فعلى بركة الله امضوا أيها الأحرار في ثورتكم، واستكملوا حراككم، مستعينين بالله، واثقين من نصر الله، وما هو منكم ببعيد.

والله أكبر ولله الحمد.