بعدما أزاح المصريون الكابوس الجاثم على صدورهم في 11/2/2011م، تأهبوا لتسلم السلطة من المجلس العسكري واستعادة كامل السيادة والحرية وإقامة الديمقراطية والمؤسسات الدستورية في 30/6/2012م بعد فترة انتقالية شديدة الارتباك والقلق، إلا أنهم فوجئوا بإصدار المجلس العسكري ما أسماه إعلانا دستوريا مكملا، بينما هو في الحقيقة لا يملك إصدار أي مادة دستورية وبينه وبين الرحيل عن السلطة عشرة أيام، كما أن هذا الإعلان إنما يمثل انقلابا كاملا على الشرعية الشعبية والدستورية والثورية، ويهدف من ورائه إلى اغتصاب سلطة التشريع وسلطة تشكيل جميعة تأسيسية لوضع الدستور يختارها ممن يرضى عنهم لوضع دستور على هواه ويملك حق الاعتراض على أعمالها ويستخدمها في استمرار بقائه في السلطة لأجل غير محدود .
ولكى نفهم المشهد السياسي بوضوح علينا أن نتذكر ما يلي :
1. تم وضع قانون لانتخاب مجلس الشعب وضعه المجلس العسكري بعد استشارة عدد من قضاة المحكمة الدستورية العليا .
2. تم انتخاب أعضاء مجلس الشعب باشتراك 30 مليون ناخب وفق هذا القانون على مدى ثلاثة أشهر وبتكلفة بلغت 2 مليار جنيه مصري، واختار الشعب نوابه واختار النواب لجانهم بحرية وديمقراطية تامة ولكن تم وضع العقبات والعراقيل من قبل السلطة التنفيذية في طريقهم عن عمد، ورغم ذلك كانت لهم إنجازات كثيرة تم التعتيم عليها إعلاميا .
3. تم الطعن في دستورية قانون انتخاب مجلس الشعب، وتم الحكم بعدم دستورية بعض مواده في زمن قياسي، وأعلن الحكم في الجريدة الرسمية في نفس اليوم، وفي اليوم التالي أصدر المجلس العسكري قرارا بحل المجلس، وكلاهما (منطوق الحكم وصلاحيات المجلس العسكري) لا تقتضي ولا تملك حل المجلس، وبالتالي فالمجلس لا يزال قائما ولا يصح انتزاع صلاحياته التشريعية والرقابية مع بحث كيفية تنفيذ حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية بعض نصوصه التي سنّها المجلس العسكري بعد استشارة بعض مستشاري المحكمة الدستورية، كما سبق توضيحه ومقتضى ذلك أنهم مسئولون عن هذا القانون وعن هذه الإجراءات.
4. أصدر وزير العدل قرارا بمنح ضباط وضباط صف المخابرات والشرطة العسكرية صفة الضبطية القضائية في مواجهة المدنيين، وهذا أسلوب لعسكرة الدولة وإشاعة الرعب بين المواطنين، كما أنه يتناقض مع مبدأ مدنية الدولة .
5. تم تشكيل جمعية تأسيسية لوضع الدستور أخيرا بالتوافق بين القوى الوطنية والسياسية وتضم كافة أطياف المجتمع وفي وجود المجلس العسكري، وبالتراضي بين الجميع، وإذا بنا نفاجأ بأن المجلس العسكري يمنح نفسه حق تشكيل جمعية تأسيسية أخرى، وأعطى لعدد من الأشخاص حق الاعتراض على نص أو أكثر بدعوى التعارض مع أهداف الثورة ومبادئها الأساسية أو مع ما تواتر من مبادئ في الدساتير المصرية السابقة، وهي عبارات فضفاضة تهدف إلى إطالة أمد النقاش ثم الاحتكام إلى المحكمة الدستورية العليا والمعروف دستوريا أن هذه المحكمة تقوم بالحكم في دستورية القوانين ولا تقوم بوضع الدستور، وبالتالي فهذا الأمر إنما هو اغتصاب لحق الشعب في اختيار الجمعية التأسيسية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق نوابه ليكون الدستور وثيقة يمنحها الشعب لنفسه حسب التعريف العالمى للدساتير .
6. إن هذا الإعلان الذي وضعه المجلس العسكري ينقض كثيرا مما جاء في الإعلان الدستوري الأساسي والذى استفتى عليه الشعب في مارس 2011 ووافق عليه ثمانية عشر مليونا من المصريين، ومعنى هذا أن إرادة المجلس العسكرى يعلو على إرادة الشعب رغم احترامنا الكامل لدورهم كقادة، ولجيشنا البطل الذي يمثلونه.لذلك كله ولأسباب كثيرة أخرى فإننا نرفض رفضا باتا ما سمي بالإعلان الدستورى المكمل .ونعتبر مجلس الشعب مجلسا شرعيا قانونيا قائما مع البحث في كيفية تطبيق حكم المحكمة الدستورية بخصوص بعض مواد قانون انتخابه .
أما الجمعية التأسيسية لوضع الدستور فهي جمعية دستورية قانونية قائمة وعلى المجلس العسكري أن يرفع يده عنها لكى تؤدي واجبها الوطنى الذي أختيرت من أجله والشعب وحده هو الحكم على المنتج الذي ستصدره، كما كان استفتاؤه هو خريطة العمل طوال فترة ما بعد الثورة حتى الآن .
من أجل هذا الافتئات على الإرادة الشعبية والرغبة الحقيقية في عدم تسليم السلطة والالتفاف على هذا المطلب والأمل الشعبي، واغتصاب سلطة التشريع وتجريد منصب الرئيس من كثير من اختصاصاته، والرغبة المتكررة والملحة في الإطاحة بالجمعية التأسيسية الشرعية، وتعيين غيرها والتدخل في كتابة الدستور على هوى المجلس العسكري وليس وفق الإرادة الشعبية والإجراءات القانونية .
من أجل هذا كله فإننا سنشارك الشعب المصري كله بقوة في التعبير عن رفضنا لكل ما سبق بالاشتراك في مليونية الغد الثلاثاء 19/6/2012م في ميدان التحرير ليحفظ الله مصر وثورتها ويعيننا جميعا على بناء نهضتها .
(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)